المواطنة على مؤشر سوق الشعير

علي داوود - 2011-07-27 - 7:20 ص

 

علي داوود

بكل شجاعة تكتب أكاديمية سعودية مقالاً في جريدة الرياض اليومية بعنوان: المواطن هو السلطة الأولى، فتشعر أن كل أساطين التنظير السياسي في إرشيف التاريخ القديم والحديث قد استيقظوا من سباتهم، ليحضروا أخيراً على شرفة وطن لا يمل كتاب الصف الأول فيه من تلميع نظام الحكم، وجعل المواطن رقماً يصلح للجمع والطرح وليس للمشاركة في اتخاذ القرار.

شجاعة بمثابة المفاجأة، لكنها شجاعة لن تتجاوز حدود العنوان، فهاهي بعد إتمام فروض القريض والمديح للملك تجعل العمدة في قياس رفاهية المواطن السعودي في سعر أكياس الشعير!، أي أن مستقبل هذا الوطن الممتد مرهون بإدارة شئون الشعير، التي يرتبط بها أسعار الماشية، وأسعار الدجاج، والبيض، واللبن والحليب، حتى نصل إلى درس دورة الحياة في الطبيعة كما تشرحها مناهج العلوم للأطفال في المدارس.

لقد أشبعنا العنوان أملاً، قبل أن يفرغنا منه هذا الغزل الباهت في قرارات ملكية بتنا ننتظرها ليلاً لتخبرنا بيوم عطلة، أو ترقية وزير، أو حتى تعديل شارع، قرارات تؤكد أن الملك هو الملك، وما سواه فمواطنون مصابون بالهشاشة، مشغولون بركضهم اليومي خلف مشتقات الشعير ولواحقها، يعيشون الجذب متى ما أمسك الملك عن إمطارهم بالقرارات السامية، لا يعرفون من السياسة إلا شريطاً إخبارياً يمر بهم في كل حين، ويجعل من كل حدث مر فسحة للتسلية، ولاستذكار النعمة، والبقاء على شعار أهلنا في الكويت: الله لا يغير علينا!.

هذه الرغبة في صرف المشكلة في الحكومات المستبدة من كونها سياسية إلى اقتصادية تبدو وكأنها قد تجذرت في بلدان الخليج، وخلفها تغني جوقة لا تمل ولا تكل من سجن أحلامنا في قفص صغير كقفص الشعير إياه، لينتهي المواطن إلى عصفور صغير قابل للتدجين، تحت شعارات جوفاء من قبيل عنوان المقالة إياها، فلا سلطة في الحقيقة لمواطن، مواطنته منقوصة، وصوته مصادر، ومستقبله مرهون بثقافة الهبات والمكرمات، فضلاً عن حياة منقوصة الكرامة و معدومة التساوي في الحظوظ والفرص.
 
القول بأن لقمة العيش جزء من مشكلة الناس هو قول حق، لكنه ناقص، ولا يخلو من مراوغة، لأن الناس تريد لقمة كريمة، والكرامة أغلى من كل أطنان الشعير التي تحاصرنا بأسعارها، ومازال صوت المتظاهر البحريني العجوز وهو يردد أمام الكاميرا بأننا لا نريد مالاً، بل نريد كرامة، يحتضن بعفويته هذا المعنى الذي يأخذ ساحل الاحتجاج في البحرين إلى لهفة التغيير، إلى وطن مساؤه كصباحه يضيء لكل الناس، ويضمن لهم عدالة اجتماعية وقضاءًا نزيهاً وحرية مستحقة.

قصارى القول إن الناس لم تخرج لتطالب بمزيد من السلطة على معدتها، لا في البحرين ولا في سواها، كانت في صريح شعاراتها تطالب بحقوقها في مواطنة كاملة، وشراكة حقيقية في السلطة، وكافة ملحقاتها من شروط إجرائية ضامنة لحقوق الناس، لأن الفساد الذي ينتهي غالباً لضياع الحقوق ونهب الثروات هو الجسر الذي تمر منه كل أوجاعنا الأخرى، وما سعي السلطة البحرينية ومحاميها في الصحافة الرسمية إلى تركيز القضية في جانب الأزمة الاقتصادية إلا محاولة للمناكفة للخروج بمانشيتات إنشائية تغطي كل العورة السياسية التي لم يسترها ساتر خلال الأزمة الأخيرة.       

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus