صناعة المحمود في سياق حروب القصور

2011-07-28 - 9:12 ص



مرآة البحرين (خاص): تمّت صناعة (المحمود) في سياق استراتيجيات حروب القصور، ففي تقرير"النهوض بالوضع العام للطائفة السنية في مملكة البحرين" المعروف باسم "تقرير البندر" عرض  التحديات والآليات المقترحة المتعلقة بالمجال الديني، وقد ذكر في الآليات المقترحة التالي "تحفيز بعض علماء الدين السُنة الذين يحظون بمكانة واحترام الطائفة السنية مثل الشيخ عبداللطيف المحمود للقيام بدور سياسي أكبر خلال السنوات المقبلة" وفي الحقيقة الفضل في التذكير بهذا النص، يعود إلى الصحفي محمد العثمان، فقد أشار إليه عبر الشبكات الإلكترونية، في سياق الصدمة التي تلقها الجمهور المعارض بعد خطاب المحمود الثاني في الفاتح. كان حينها العثمان ما زال يحتفظ بالنفس شبه المعارض، قبل أن يلحق بجماعة التجمع. 

فقد المحمود الكثير من شعبيته جراء تطبيقه الأجندات التي وظف من أجلها، كذلك فقد بعض مؤيديه حين دعا الشباب السني لقبول المهن الحرفية، فحث الشباب السني الذي نما نابه مؤخرا، ليكون فلاّحا أو سمّاكا أو بائعا جوالا، كما ركز في خطبته التي ألقاها نهاية مارس الماضي والتي أثارت حنق الكثيرين من من كانوا ينتظرون حوافز وجوائز، ولم يكتف بذلك بل قام بمبادرات هزت الكثير من معتدلي السنة، وكان آخرها حين قال إنه لا حاجة لحكومة منتخبة .

وفي لقاء له نشر على "الجزيرة نت" قال "إن جمعيته لن توافق على بعض مطالب المعارضة المتمثلة بانتخاب الحكومة وتعديل الدوائر الانتخابية فضلا عن تغيير النظام الانتخابي إلى نظام صوت لكل مواطن، لكنه قال إن التجمع يحمل رؤية سياسية ودستورية، ستسهم في إخراج البلد من الأزمة القائمة واعتبر المحمود أن المجتمع البحريني لازالت تحكمه ما سماها بالإثنيات والخصوصيات القبلية والطائفية في تشكيل الجماعات والجمعيات، وبالتالي لا يمكن القبول بمطالب المعارضة في الوقت الراهن إلا بعد تأسيس أحزاب سياسية مكونة على أساس وطني وتشمل جميع مكونات الشعب البحريني بحيث لا تمس بأي طرف في المجتمع".

لقد اكتسب المحمود جزءا كبيرا من وجاهته، بسبب ما تاريخه توافقه مع مطالب المعارضة الوطنية، وهذا ما تشهد به ورقة العمل التي قدمها في الكويت باسم "دور المشاركة الشعبية في صياغة القرار السياسي ومستقبل الديمقراطية في المنطقة" في ندوة"الوحدة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي" والتي حبس بسببها إذ جاء فيها "أن المجلس –يقصد مجلس التعاون الخليجي- لا يمكن أن يتقدم ما دامت أنظمة الحكم في دولة باقية دون تغيير"وألقاها في نهاية عام 1991 حين بدأت شرارة انتفاضة التسعينات وكان أحد شخصياتها في أهم منعطفاتها التاريخية. 

على كل، ما نستطيع التأكيد عليه اليوم هو خسارة المحمود لشارع عريض من معتدلي السنة الذين كانوا يلتفون حوله بعد أن حول الهموم الوطنية إلى مصالح شخصية، وأخافهم بسيناريو العراق وتناقض أقواله وتصرفاته، كقوله في المقابلة ذاتها في الجزيرة نت "وفي ما يتعلق بالتباين الموجود لدى القوى السياسية بالبحرين بشأن تدخل بعض الدول بشؤون البحرين أكد المحمود أنه يرفض تدخل أي دولة لصالح طرف معين على حساب الآخر، واتهم إيران بالتدخل لصالح التيارات الشيعية من خلال دعمها مطلب إسقاط النظام "بهدف السيطرة على البلد كما فعلت في العراق" على حد قوله كما اتهم الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل في شؤون البحرين من خلال دعم قوى المعارضة، لكنه نفى أن تكون السعودية تتدخل في الشأن البحريني لطرف دون آخر، واعتبر تدخل السعودية في البحرين لمساندتها "وهذا التصريح بحد ذاته أثار العرب الثائرين دون سواهم أولئك الذين وقفت السعودية ضد ثوراتهم الناجحة، إذ ذهب المحمود لإقناعهم بضرورة الوقوف إلى جانب البحرين ضد المد الصفوي في حين تعج مكتبة اليوتيوب بأعمال الجيش السعودي في البحرين والذي ذل فيها الشعب البحريني وراح يتصرف كجيش غاز للجزيرة الصغيرة، بعد أن رفع جنوده علامات النصر وهم يدخلون إلى دوار اللؤلؤة في تحد صارخ ذكّرنا بدخول جيش صدام إلى العراق، وأكثرها قسوة تلك التصريحات لقادة الجيش الذين قالوا بأنهم جاءوا لإنقاذ السنة ودحر الروافض المجوس في إشارة موجهه لكافة الشيعة من من سمى المحمود بعضهم بالشيعة المعتدلين الشرفاء في تجمعه الصاخب في ساحة الفاتح، فانقلب مسعاه واندحر.  

لم يصدقه أحد بعد هذه التناقضات في الأقوال التي منها ما نقل عنه في ندوة "مستقبل تجمع الوحدة الوطنية" بمجلس الدوي في 18 يونيو الماضي إذ قال" التجمع ولد غريبا وولد ولادة غير طبيعية، لم يمر بفترة الولادة العادية، التحدي الكبير الذي واجه التجمع في كيفية مواجهة الأزمة وهذه الكيفية بدأت بدعوة ولم نكن نتوقع إلا دعوة للصلاة وكلمتين ونذهب، التجمع لم يلد ليموت ولكنه ولد ليبقى احفظوا هذه العبارة" ويقصد طبعا بأنه ولد ليكون طرفا في معادلة كان يعمل على بنائها منذ سنوات.

التناقض في أقوال وأفعال المحمود يدركه القاصي والداني وممن انفض من حوله، ولا نقصد بمن حوله الخلافات الدائرة بينه وبين بعض القيادات التي أوجدها النظام في تجمع الفاتح وحسب، بل نحن نعني الجماهير التي كانت تثق في المحمود وكانت تراه إنسانا معتدلا، ويقوّم الحق على الباطل فهز ميزانه وانفرط عقده ما نفـّر منه المقربون.

خسر أصحاب اللعبة ورقة "الجوكر" التي كانوا يتسيدون بها الشارع السني الذي رجع على عقبيه بعد أن تبين له حقيقة ما يجري، إذ يواجه محور الشر في قصور المملكة سيناريو مخيف يذكرهم بسيناريو الخمسينات بعد أن تشكلت هيئة الاتحاد الوطني المعارضة التي كانت تضم كبار القادة حينها الذين ساهموا في بناء البحرين الحديثة. وما أشبه اليوم بالبارح.. تكوينات تلك الفترة مشابهة في مفصلياتها وحجمها وحيثياتها بالفترة الحالية وما تبدل فقط الأسماء.     

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus