شوكة الأطباء (الحلقة السادسة): يوم سترة الطويل

2011-07-29 - 7:17 ص


الشهيد أحمد فرحان بين يدي الطاقم الطبي في مركز سترة الصحي

مرآة البحرين (خاص): "بينما نحن نعالج الجرحى الذين يؤتى إلينا بهم بالمئات، سمعنا صراخاً مريعاً يأتي من خارج المركز الصحي، تأهبنا لشيء كبير. دخل شابٌ يحمل آخر مصاب. يمشي بخطوات ثقيلة كأنها دهر، وبوجه ممسوح من لون الدم، وصدمة لا تستوعبها الملامح. ما إن دخل حتى تعالى الصراخ داخل المركز. كنت أقف على بعد مسافة، لم ألحظ غير الدم الذي ينسكب على طول خط مشيه. كلما مر الشاب على أحد، صرخ هذا الأحد، ولطم ولعن وضرب بيده فوق رأسه، أو ضرب رأسه بالجدار، وارتفع بكاؤه. ما يزال بعيداً عني. لمحت قطعة تتحرك خلف رأس المصاب، لم أميزها، اقترب الشاب ناحيتي، تقدمت نحوه لأسعف المصاب. رمقني بعين يائسة. أكمل سيره باتجاه الباب الآخر نحو الإسعاف. حالة هستيرية ضج بها المكان، لا أحد قادر على تصديق ما يرى. لا أحد قادر أن يتمالك نفسه. صار رأس الضحية أمامي مباشرة، رأيت المنظر المريع، لم أتخيل أن أرى هذا المنظر طيلة عمري، رأس فجره الرصاص، أسال مخه، لم يبق غير الجلد. انهرت بالكامل" تروي إحدى الطبيبات.
نعم..نحن الآن في منطقة سترة، تحديداً في مركز سترة الصحي، اليوم هو 15 مارس، تحديداً اليوم الأول لإعلان قانون السلامة الوطنية.الحدث هو محاصرة قرية سترة والهجوم عليها، تحديداً أكثر الحدث هو دخول قوات درع الجزيرة للبحرين.

الشهيد هو أحمد فرحان (30 عاماً)، تحديداً من تناثر مخه بسبب الإصابة المباشرة في الرأس. الشاب الذي حمله هو منعم منصور، تحديداً من حكم عليه بالسجن ٣ سنوات لأنه حمل جثة فرحان.

وصل الإسعاف مستشفى السلمانية حاملاً (فرحان) حوالي الثالثة بعد الظهر (1). هناك، لم يختلف الأمر عما حدث في مركز سترة، الصدمة ذاتها والذهول ذاته واللطم، "صرنا فيما يشبه العزاء، حتى الأطباء الرجال انهاروا وصاروا يصيحون بصوت عال، حالات إغماء بين النساء، لم يستطع أحد احتمال المشهد المفجع والبشع. الطبيب علي العكري راح يصرخ بانهيار: أسعفوه. لماذا تنظرون اليه هكذا؟ أجابه آخر: كيف نسعفه وهو بلا مخ يا دكتور !" تنقل طبيبة شاهدة.


تقدير من نوع آخر
لم يعد الطاقم الطبي خارج الحدث، بل صار جزءاً منه، لا يعود ذلك فقط إلى أن القتلى والجرحى يمرون من خلاله، بل لأنه صار معرضاً للخطر مثله مثل باقي المحتجين السلميين، رأينا في الحلقة السابقة ما تعرض له الطاقم الطبي في جامعة البحرين من ضرب وتهديد على ممارسته دوره الإنساني والمهني في إسعاف الجرحى والمصابين، في هذه الحلقة المزيد من المعاقبة والملاحقة والتنكيل.
   
اللمرضة المعتقلة رولا الصفار تحتضن د.حنين البوسطة

حنين البوسطة طبيبة شابة تعشق عملها. خلال سنواتها الجامعية، فازت في المسابقة التي تنظمها جامعة الطب في أوكرانيا. حصلت على المركز الثالث بين العلماء الشباب دولياً (2). هكذا كرّم المجتمع الدولي نبوغها وتفوقها، وهي لم تزل طالبة في مقاعد الطب، لكن في يوم 15مارس 2011، كانت جائزة تقديرية من نوع آخر تنتظر حنين بعد أن صارت طبيبة، هذه المرة جائزة خاصة من بلدها.

حنين نقلت ما تعرضت له إلى صحيفة الوسط ونشرت في اليوم التالي(9)، ووثقتها في مضابط الأمن أثناء التحقيق معها فيما بعد. هناك تفاصيل أكثر مما تمّ نشره، حصلت عليها مرآة البحرين من إحدى المقربات.

في البيت، آتية من نوبة ليلية في الخيمة الطبية في الدوار، لم تنم سوى ساعات قليلة، الساعة العاشرة والنصف صباحاً، يتصل بها أحد المسعفين: "تعالي الآن، لقد تم ضرب منطقة سترة"من فورها نهضت مرتدية ملابسها، حاولت أمها منعها، كذلك فعل أخوها. صرخا فيها ألا تذهب، لم تأبه، راحت تجهز عدتها للخروج. آخر ما سمعته كانت صرخة أمها تنادي اسمها وهي تغادر للخارج، علمت فيما بعد أن والدتها قد فقدت وعيها إثر خروجها. في السلمانية، وقفت تبحث عن اسعاف يقلها إلى سترة، حافلة صغيرة بها جريح تدخل السلمانية، تساعد حنين في إنزال الجريح، تركب، تغلق الباب خلفها، يتوجهون لجزيرة سترة.

عند مشارف سترة، سترى الحاويات التي استخدمت لإغلاق الشوارع منعا لدخول قوات الأمن، وسترى حجارة ملقاة على الأرض في كل مكان، وفي مركز سترة الصحي، حالات ممدة على الأرض. أعداد من الجرحى تعرضوا لاستنشاق الغازات المسيلة للدموع وإصابات الطلق الانشطاري (الشوزن) (3). عملت حنين على معالجة حالات الشوزن، الجروح الأكبر يتم نقلها لقسم التمريض. عند مدخل المركز تجمهر كبير(4). سلسلة بشرية تعمل على تنظيم الدخول وفتح الطريق للحالات التي تصل. عند الباب يقف أحد الأطباء يقوم بمعاينة سريعة للاصابات لتوجيهها للمكان الأنسب للمعالجة (5).


لن أنتظر جثثاً تأتي
مع اقتراب وقت الظهر، كان عدد الجرحى آخذاً في الإزدياد"بدأنا نشم رائحة الدم، ونراه أكثر، شعرنا أن الموضوع بدأ يحمى، صار ترقبنا يتوجس الأسوأ" يروي بعض الحاضرين من الطاقم الطبي. لم يلبث الظهر طويلاً حتى كان الدخول المفجع لفرحان، وارتجاج المركز بمن فيه. أكثر من 15 دقيقة مرت بعد أن غادر الإسعاف خارجاً بفرحان نحو مستشفى السلمانية من أجل استصدار شهادة الوفاة، بقى خلالها الطاقم الطبي في ذهوله الذي لم يغادره بعد، الصياح ما يزال يغلب على الكلام، والصدمة تخيم على المكان.

حنين، بعد صمت مفجوع بمنظر فرحان تصرخ: " لن أبقى في المركز هنا وأنتظر الجرحى يأتون موتى، سأذهب إليهم حيث هم، لن أنتظر جثثاً تأتي" توجهت لأحد المسعفين: "غير قادرة على التحمل، خذني الآن، خذني إلى هناك مباشرة"كان المسعف يدخن سيجارته بقهر، أخذ نفساً عميقاً، نظر الى عيني إصرارها:اركبي، قال لها.
اقتربا من المواجهات، صارت حنين تقف وراء الصف الأول الذي يواجه قوات الشغب مباشرة بأيدٍ عزلاء. بدأ الطلق المطاطي في الهواء، على حاويات القمامة، صوت مخيف يخرج، الشباب يصرخون "الله أكبر"، يزدادون ولا ينقصون، يقتربون أكثر، تبدأ الغازات المسيلة للدموع تصير أكثف، حالات الإغماء تتزايد، الشباب يسحبون الحالات المصابة باتجاه حنين، يصير الطلق أكثر عنفاً، الضربات تصير مباشرة، الرصاص الانشطاري والمطاط (8). مع كل هجوم كان الشباب يتطافرون إلى داخل البيوت، ثم لا يلبثون أن يعودوا "لم يكونوا ينكسرون، لم يكونوا يكلون، كر وفر لا ينقطع"، يقول أحد الشهود.

من يسقط من الشباب يحمل في سيارة (بيك أب) وينقل إلى سيارة الإسعاف التي تقف في منطقة أبعد عن الشباب. رسمياً لا يسمح للإسعاف بالتجاوز إلى المناطق الخطرة، في هذه الأثناء كانت سيارات الإسعاف لا تسكت ذهاباً وإياباً.

الشباب الآن أكثر قرباً من رجال الأمن، الضرب صار أشد، وكذلك التساقط. المسعف يقول لحنين: دعينا نذهب، الوضع صار خطيراً جداً. حنين تجيبه: لكن الشباب يتساقطون. يجيبها: سيأتون بهم إلينا. يتجهان نحو الإسعاف الذي يقف بعيداً، في المسافة، تقف سيارة تقودها إحدى السيدات من نساء سترة، تقول لهم: اركبا سريعاً. يصعدان السيارة. السيدة تسأل حنين: أنت طبيبة؟تجيبها بنعم. تخبرها عن جرحى في أحد البيوت، يحتاجون إلى معالجة ولا يستطيعون الخروج بسبب المحاصرة الأمنية، تسألها إن كان بإمكانها المساعدة. كانت حنين تحمل معها عدة الإسعافات الأولية، ينطلقون جميعاً إلى هناك.


لمس الموت..
الإصابة رصاص إنشطاري (شوزن) في الوجه. قامت حنين بتسكير الجروح. الشاب يريد أن ينهي علاجه بسرعة كي يخرج مرة أخرى. يريد أن يعود ويخرج مرة ثانية. سيارات الأمن تحاصر البيت من الخارج، الوقت عصراً. أهل البيت أغلقوا الباب والمصابيح، يجلس الجميع في صالة البيت في صمت مريع"كنا نسمع أنفاس بعضنا" تخبر حنين. أخرجت دفتراً صغيراً من حقيبتها وبدأت تكتب "شعرت أنها ربما تكون النهاية" كان شريط اليوم يمر على ذاكرتها، وصورة والدتها التي صرخت باسمها قبل أن تغادر، راحت تكتب عن البيت الذي تجلس فيه الآن مرتاعة، كتبت لأهلها، كأنها الوصية"الله إذا لم يكتب لي أن أعيش بعدها، على الأقل هناك ما يبقى ليخبر عن لحظاتي الأخيرة" تروي المقربة عن ما سمعته من حنين.

ساعة ونصف، كان الصمت والرعب هما سيدا المكان، في هذه الأثناء جاء اتصال هاتفي من مركز سترة الصحي، يُخبر أن قوات الأمن قد حاصرت المركز بالكامل وأن قوات مكافحة الشغب اقتحمت المركز، طلبت حنين أن يقوم أحد بإيصالها للمركز. السيدة تخبرها أنها ستأخذها بنفسها، لكن ترجوها الانتظار حتى يصير الوضع خارج المنزل أكثر أماناً. ينظر البعض عبر النافذة، لا سيارات أمن قريبة من البيت فيقررون الخروج.

في الطريق الآن، قليل من الضوء بقى قبل حلول الظلام، والشوارع فارغة من الناس والسيارات. ليست سوى السيارة التي تقودها السيدة التي وصفتها حنين بالحديدية "شعرت أن لها دقات قلب ثابتة، وأن أدرينالين الخوف لا يعرف طريقه إلى قلبها" سيدة ثلاثينية، تجوب الشوارع المهددة بالموت، فيما أبناؤها خرجوا قبلها يواجهونه.
طائرات الهوليكوبتر تحلق في أجواء المكان، السيارة تمر عبر (زرانيق ودواعيس) وممرات داخلية في المنطقة، المكان كله رائحة الغازات المسيلة للدموع. لم تكن المسافة بعيدة، لكنها كانت طويلة جداً ومتعثرة ومخيفة، في أحد الشوارع الفرعية، يتفاجؤون بسيارات أمن تسير متتابعة، كان عددها 12 سيارة، تأتي من الجهة المقابلة. الجميع جمد في مكانه فيما قامت السيدة التي تقود السيارة بلف السيارة على شكل الحرف U، وركنتها جانباً وأنزل الجميع من فورهم رؤوسهم تحاشياً للطلقات المباشرة. الغريب، أن سيارات الجيب مرت مسرعة دون توقف فيما يبدو أنها متجهة لمهمة مستعجلة. لم يصدق الجميع ما حدث، وأنهم نجوا، تنفسوا الصعداء، بهدوء قالت السيدة (الستراوية): الآن نستطيع مواصلة طريقنا.

من ينقذ الإسعاف؟
الشوارع كانت حالة من الفوضى العارمة، حاويات القمامة ملقاة في كل صوب، والأحجار متناثرة هنا وهناك. رن الهاتف، أجابت السيدة. التفتت نحو حنين تسألها: هناك جرحى في أحد البيوت؟ لم تتردد حنين.

قرعوا جرس الباب، فُتح لهم، الدماء كانت طريق حنين للداخل دون أن يقودها أحد. في الداخل كانت تنتظرها أربع حالات: كسر في الركبة، شوزن في الذراع، شوزن في الوجه بما فيها العين، شوزن في المؤخرة. الأول: أزالت حنين الشوزن من المناطق القريبة من العين والفم، وقامت بسد الجروح السطحية الباقية.

أما الأخير، فقد كان ينزف بكثرة، كان دمه هو المسال طوال البيت، تجنبت حنين نزع الشوزن من مؤخرته، لأن انتزاعه يعني المزيد من النزف، ورأت أن بقاء الشوزن مؤقتاً سيعمل بمثابة سد مؤقت للجرح حتى يتم نقله للمركز.

المسعف اتصل بآخر ليأتي لأخذ الحالات ونقلها، كان الظلام قد نزل. وصل الإسعاف، قال لنا: فلنخرج بسرعة، الهوليكوبتر تراقب، ركب 5 من الجرحى، و3 من الطاقم الطبي. الإسعاف اكتظ بالعدد لا مكان للوقوف أو الجلوس، وبينما حنين تقفل باب الإسعاف من الخلف، لمحت سيارة أمن قادمة، الإسعاف تحرك بسرعة مجنونة بحثاً عن مهرب. الهوليكوبتر تلاحقهم من السماء وسيارة الأمن من الخلف. الجميع في توتر ورعب، البعض كان يتشهد، البعض يقرأ آيات قرآن، حنين صارت تردد: وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، الجميع قام يردد بصوت واحد. شعر الجميع أن ساعة الموت قد وصلت، وأن كل شيء قد شارف على الانتهاء.

دقائق مرت كأنها ساعات، أخذ السائق نفساً وقال: خلاص يبدو أننا ضيعناهم. تنفس الجميع، لكن قلوبهم لم تتوقف عن ضرب طبولها على صدورهم المرعوبة. ليست إلا دقائق، حتى يتفاجأ الجميع بسيارة أمن تأتي من الأمام، تلحقها أربع أخريات، تحاصر سيارة الإسعاف. أوقف السائق السيارة. أطفأ المصابيح، صمت مرعب، ثم قال: أنا آسف سامحوني.

من يُسعف المسعف؟
   
نزلت قوات مكافحة الشغب، فتحوا باب السائق. أنزلوا أولاً المسعف أمين الأسود (انظر مرآة البحرين: المسعف الذي كسر درع الجزيرة رقبته) (6). أنزلوه وضربوه بعنف دون توقف وبلا رحمة، "كنا نسمع صوت رفساتهم وأحذيتهم تخبط في جسده"يقول زملاؤه، طرقوا بأسلحتهم الباب الخلفي. قالت حنين للآخرين: سأنزل أنا، ربما لأني فتاة سيكون الوضع أخف. فتحت الباب، كانت ترتدي رداءها الأبيض. ما أن وضعت رجلها على الأرض حتى تلقت صفعة قوية على وجهها اختل توازنها على إثرها وسقطت على الأرض، لم تستوعب حنين صدمة الصفعة ولا حرارتها ولا قسوتها ولا سببها، صرخ فيها الضابط البحريني: أنزلي رأسك وازحفي على الأرض. زحفت حنين نحو الرصيف وأمرها بالبقاء فيه. فيما أنزل رجال الأمن الآخرين وربطوا أيديهم من الخلف برباط بلاستيكي حاد وتولوهم ركلاً ورفساً بالأحذية والأسلحة "يفركون أحذيتهم على وجوههم"يجتمع فوق الواحد من الشباب 6 من رجال الأمن يشبعونه ركلاً جماعياً من كل الجهات دون توقف ودون تمييز بين اليد والرجل والظهر والوجه والرأس، كل مناطق الجسد مشاعة ومباحة للركل والضرب من قبل رجال الأمن الباكستانيين.

ألقوا قنابل صوتية على عجلات سيارة الإسعاف، فجروها (7).عاد الضابط إلى حنين وسألها: انتو شنو تسوون هني؟ أجابت: نحن سيارات إسعاف ننقل الجرحى. صرخ: هل تسمين هؤلاء جرحى؟ رفعت كفها نحوه وقالت: "اليد التي عالجت هؤلاء اليوم، هي نفسها اللتي حملت بالأمس الجرحى  الباكستانيين المشتبكين مع الشباب، نحن مهمتنا علاج المصابين أياً كانوا" قال: أنا رجل، ولو لم أكن رجلا لكنت ضربتك، ثم هددها بالتعرض الجنسي لها، كرر تهديده عدداً من المرات.

التفت بعدها نحو الشباب، أمسكت حنين بطرف بنطاله: لا تضربوهم كفاية، صاحت. صرخ فيها: شيلي يدك، ذهب لرجاله وقال لهم: بس خلاص، ثم التفت نحو حنين وقال: أحضري مقصا، من فورها قامت حنين بقص الرابط البلاستيكي عن الشباب وزملائها المسعفين.

سقوط أمين
 
الجميع تمكن من القيام من مكانه، عدا أمين، لم يكن قادراً على الحركة ولا الكلام، عيناه تتحركان والدموع تخرج من الجانبين. لم تتمكن حنين من تمييز إصابته سريعاً. قالت له: إذا تسمعني أغمض عينيك، فعل أمين. قالت له: إذا تشعر بألم أغمضها مرتين، فعل أيضاً، المسعف الآخر قام بالبحث عن بيت قريب يدخلونه، يطرق الأبواب لكن الجميع خائف ولا يعرف من وراء الباب، أحدهم فتح، ودخل الجميع. كان أمين في حالة مخيفة، بقت حنين تحاكيه طوال الوقت خوفاً من أن يفقد وعيه: يجب أن تكون بخير، تقول له. يرن هاتفه، تطالعته حنين: إذا تريد أرد على هاتفك أغمض عينيك، يفعل، ترد على الهاتف، كانت زوجته قلقة عليه، تخبرتها أنه بخير وأنه مشغول مع الحالات في المركز.

بدأت أطراف أمين تصير باردة، حاول زملاؤه إحضار (السيلان) خوفاً من أن يصيبه هبوط في الضغط، خرج أحدهم ليحضر (السيلان) من سيارة الإسعاف. عاد سريعاً، ثمة قنّاص يقف عند سيارة الإسعاف قام بإطلاق النار، بعد ٤٥ دقيقة خرج بعض الشباب مرة ثانية وأحضروا الأدوات اللازمة من الإسعاف، أمين لم يقبل أن يوضع له (السيلان)، كان يشير بعينيه باتجاه مصاب آخر يتأوه، يعني أنه أحق بالعناية منه.

مغامرة العودة
3 ساعات يقضيها الطاقم الطبي في ذلك البيت، يتم الاتصال في السلمانية ليأتي إسعاف ينقلهم، لم يكن ممكناً دخول الإسعاف في سترة المحاصرة. بعد 20 دقيقة يحضر شباب سترة سيارتين كبيرتان (فان). السيارتان تجوبان الطرق بحذر مخيف، الدقائق طويلة ومرعبة، الأجساد متهالكة من شدة التعب والروع. كم كان يومك طويلاً يا سترة!!

أخيراً يتمكن الشباب من الوصول إلى شارع آمن، ومنه يتوجهون إلى السلمانية. وهناك كانت هستيريا أخرى، وتجمع حاشد آخر، وقصص أخرى. يتم نقل المسعف أمين والشباب المصابين على الفور. رولا الصفار تحتضن حنين. حنين لا تصدق أنها عادت، وأنها ما تزال على قيد الحياة. جسدها يئن بعد عنف يوم طويل، وطاقتها استهلكت فوق ما فيها، تنام في المستشفى. لكن هل سترتاح؟

في صباح 16 مارس، كان ينتظرها وجميع الطاقم الطبي حدث آخر، في مسلسل لا ينتهي من الروع.. في الحلقة القادمة..

  • هامش
  1. الشهيد أحمد فرحان لحظة وصوله السلمانية  
  2. حنين البوسطة الثالثة عالمياً بين علماء الشباب 
  3. مصاب بالشوزن 15 مارس 
  4. مدخل مركز سترة الصحي 15 مارس
  5. مصابين من أحداث سترة 15 مارس
  6. أمين الأسود: المسعف الذي كسر درع الجزيرة رقبته 
  7. مسعف يروي ما حدث لهم أثناء قيامهم بعملهم 
  8. إطلاق النار على أعزل في سترة بتاريخ 15 مارس 
  9. الطبيبة حنين تروي لـ «الوسط» بعض تفاصيل ما حدث في «سترة»: صفعوني على وجهي وزحفت على الأرض 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus