الشارع البحريني: أنا مصدر السلطات

2011-07-30 - 8:29 ص



مرآة البحرين (خاص):
يبدو أنه لا أحد في هذا العالم يريد تصديق أن الشعب البحريني هو مصدر السلطات، ولذلك أعاد هذا الشعب  اليوم الجمعة تأكيد حضوره في كل الساحات والميادين. فقد خرج عشرات الآلاف في جمعة الثبات في مسيرة جمعية الوفاق على شارع البديع في المحافظة الشمالية. كما نظم ائتلاف شباب 14 فبراير اعتصاما قرب السفارة الأميركية في محافظة العاصمة، بهذا الحضور الجماهيري الكثيف، يصدر الشعب عملياً حكمه المبرم والنهائي على فشل مناورة السلطة المسماة حواراً، ويعيد التأكيد بأنه مصدر السلطات، وأن الحكاية تبدأ من حيث هو يقول. من حيث "قال الشعب" لا "قال الملك".

أعاد الشعب البحريني الكرة إلى ملعب السلطة وحلفائها الغربيين وتحديداً الأميركيين التي أحجمت سفارتها اليوم حتى عن التعليق على قمع المعتصمين على مسافة منها، على عكس ما فعلته السفارة الأميركية في اليمن التي رفضت ما فعلته السلطات اليمنية بحق يمنيات معتصمات بقرب السفارة. هذا الأمر يؤكد الإزدواجية الكريهة التي تقوم عليها السياسة الأميركية إزاء حقوق الشعوب في الديمقراطية.

عند دوار (سار) وقبل الخامسة من عصر اليوم، زحف عشرات الآلاف من المواطنين الراغبين في الإصلاح، ليشاركوا في مسيرة نظمتها جمعية الوفاق، ملأ المتظاهرون الأفق، ليؤكدوا أنهم ما زالوا أفق الوطن، وأنهم وفق مقاسه، ولا يمكن استبعادهم من  هذا الوطن، فقد استمع معظم البحرينين لما وصفه  الشيخ عيسي قاسم من أن استبعاد مرئيات المعارضة من المرئيات التي رفعت للمك يعني استبعاد المعارضة ورأي جماهيرها من الوطن.

هتفت الجماهير بقوة: فلتسقط الحكومة، ولولا بقية من صبر والتزام بتعليمات اللجنة المنظمة لهتفت الجماهير بالكثير مما يعتلج في قلوبها، احتاجت المسيرة للشارعين المتعاكسين الممتدين من دوار قرية سار حتى دوار قرية الدراز، ومن دوار الدراز حتى دوار سار. لم تكن المساحة كافية فالجماهير كانت تود لو تمتد بطول الوطن لتقول للسلطة: نحن هنا ولن نرحل، ولنا مطالب تتمثل في مملكة دستورية حقيقية، الشعب فيها مصدر السلطات.

يأتي حراك الشعب البحريني، كجزء مهم من حراك الربيع العربي، وهي  بهذا الحراك الدؤوب والمستمر، تكْسِر الرهانات الخاسرة على قمعها ووأدها. وجاء في البيان بخصوص المطالب، أن مطالب الشعب البحريني "هي أقل المطالب وأكثرها تواضعاً في واقع الثورات العربية، ولكنها أكثر الثورات التي وجهت بالقمع والتنكيل على كل المستويات وفي المقابل ظلت هي الأكثر سلمية والأكثر حضارية والأكثر التزاماً وثباتاً وإصرارا على مطالبها الوطنية الشرعية".

مضيفاً أن "السلطة حاولت وبعض وشاتها والعاملين تحت امرتها والمستفيدين والمرتزقين من جيبها في الداخل والخارج، أن يوصموا هذه الثورة بأوصاف ونعوت كاذبة وملفقة لكن كل رهاناتهم ومحاولاتهم الغبية سقطت، لأن المطالب وطنية والتحركات سلمية، والثمن الذي دفع ويدفع من دماء وعذابات وقطع للأرزاق لدليل على صدقية هذا الشعب وإيمانه الراسخ بقضيته وعدالة مطالبه وحقوقه المغتصبة".

وعن المنتدى الحواري الذي اختتمته السلطة، كرر بيان المسيرة إن "أي حراك رسمي أو من جهات محسوبة على المؤسسة الرسمية سواء عبر عناوين الإصلاحات الشكلية أو مشاريع التفافية كمنتدى الحوار أو أي مشروع تحايلي هي مشروعات ساقطة، وستبقى ساقطة وهي لتضييع الوقت وتعميق الأزمة وترسيخ جذورها أكثر، ولن تنطلي على شعب البحرين الواعي وستزيد أبناء شعبنا إصراراً وعزيمة وثباتاً، وهو مستمر في مطالبه ولا تراجع أو تنازل أو تراخ على الإطلاق حتى الوصول إلى المطالب المشروعة".

اختتمت المسيرة بيانها عند النقطة الأكثر أهمية ومفصلية، وهي دعوة أبناء الشعب البحريني إلى"المواظبة الفاعلة والدائمة والثبات والحضور في كل الميادين والساحات، وأن نحذف من قاموسنا الكلل والملل والتراخي والسكون، لأن قضيتنا عادلة وحقة ويجب أن نستمر ونعمل بكل جهدنا وقوتنا حتى تتحقق المطالب الشعبية الوطنية المشروعة". 

اعتصام السفارة الأميركية..
 
وتأكيداً على حضور الشعب في كل الساحات والميادين، وتأكيداً على عدم الكلل، توجه مئات من المواطنين من الجنسين للاعتصام  الذي نظمه ائتلاف شباب 14 فبراير أمام السفارة الأميركية في منطقة الزنج الجديدة بقرب النادي الأهلي، وقبل الخامسة وهي موعد الاعتصام، انتشرت عشرات من سيارات الأمن والمخابرات، على طول الشوارع المحيطة بالسفارة، ولكن الزحف الشبابي بدأ من قرب مسجد الصبور في منطقة البلاد القديم القريبة، ومن منطقة الماحوز، وعلى الفور فتحت قوات الأمن نيرانها على المتظاهرين لمنعهم من الوصول إلى محيط السفارة الأميركية، ولكن الشباب الثائر كعادته قام بالالتفاف عبر طرق أخرى محاولاً الاقتراب من محيط السفارة.

قامت قوات القمع بإغلاق الشوارع وشددت الحصار إزاء الزحف الشبابي، لكن امرأة واحدة تسللت من بين الطرق واستطاعت الاقتراب من محيط السفارة من جهة البلاد القديم، ورفعت هذه المرأة الجسورة علم البحرين بيدٍ، وعلامات السلام في اليد الأخرى، لتؤكد للعالم وللحليف الأهم للنظام البحريني أن ما يطلبه الشعب، هو بحرين على مقاس الشعب، وليس على مقاس سلطة قبلية تسوم الناس العذاب منذ أكثر من 220 سنة. وإزاء الإصرار الشبابي، قامت قوات الأمن باقتحام منطقة البلاد القديم، ومنطقة الماحوز، وقامت بإطلاق نيرانها ومسيلات الدموع على كل من وجدته في الشوارع.

وقعت اختناقات عديدة للمواطنين وإصابات لم يتسن معرفة رقم دقيق بشأنها، واستمر الكر والفر لساعات المساء. يقول مراقبون أن رسالة شباب 14 فبراير وصلت وبالصوت العالي رغم القمع الوحشي. وشباب 14 فبراير بما يملكون من خبرة ميدانة واسعة في التعامل مع قوات الأمن، عمموا التظاهرات على كل المناطق، وحتى كتابة هذا التقرير يمكن التأكيد على المناطق التي خرجت فيها مسيرات متفرقة غاضبة، تندد بقمع الاعتصام بقرب السفارة الأميركية، وهي: البلاد القديم، الماحوز، المنامة، الدير، سماهيج، المعامير، سترة، العكر، النبيه صالح، كرانة، الدراز، بني جمرة، المقشع،  المصلى، جدحفص، الديه، سار، جد الحاج، كرباباد، والأخيرة فاجأ شبانها عساكر السلطة بوصولهم إلى الشارع الرئيسي الذي يمتد باتجاه دوار اللؤلؤة، كما خرجت مسيرات في: بوري، السنابس، أبوصيبع، كما أن هناك مسيرات تتهيّأ في بعض المناطق وقت كتابة هذا التقرير. هكذا إذن. وجّه الشعب رسالته في هذا اليوم، لكل من يهمه الأمر، أن لثورة 14 فبراير حكاية لم تنته بعد، حكاية مصدرها الشعب، وأبطالها الشعب، ولا يفك عقدتها غير الشعب.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus