علي عباس وأحمد المسجن: سر المعية الأبدية وسر الشهادة الغامض

2014-04-23 - 4:43 ص

مرآة البحرين (خاص): لعلّها القضية الأكثر تراجيدية والأكثر غرابة في أحداث ثورة 14 فبراير. الشهيدان الصديقان أحمد المسجن (17 سنة) وعلي عباس (16 سنة)، قضيا معاً في انفجار سيارة بمنطقة المقشع يوم السبت 19 ابريل 2014، في حادث مفجع وشديد الغموض (الصبيان لا يسوقان بحسب والدة الشهيد المسجّن)، وانتشرت صور (التقطها نشطاء) لا تظهر من بقايا جسديهما غير هياكل عظمية، في حين بثت وزارة الداخلية بعد ساعات من وقوع الحادث، صور انتشال قوات الدفاع المدني لجثث الشهيدين، بدت في هيئتها جثامين (لا هياكل عظمية) ملفوفة بقماش أبيض، وهو ما تسلّمته عائلتا الشهيدين اليوم.

خلال تشييع الشهيدين عصر اليوم الثلاثاء 22 ابريل 2014، أكّد والد الشهيد أحمد المسجّن بأنهم وعائلة علي عباس، تسلموا أبناءهم بـ: "أجسادهم بلحمهم وعظمهم وشحمهم"، واستنكر أنه "لم نر في الصور التي نشرت إلا جماجم وعظاماً". لا أحد لديه تفسير بخصوص الهياكل العظمية التي رآها شهود عيان من المنطقة نفسها وقام بعضهم بتصويرها، وكيف تحولت إلى أجساد بلحمها وعظمها عند الانتشال والتسليم!! هذا جانب من تراجيديا الأول في حادثة هذين الشابين!

المشهد الآخر هو العلاقة الخاصة التي جمعت بين أحمد وعلي: روح واحدة في جسدين. لا يُرى أحدهما إلا بمعية الآخر. انتقلت عائلة علي عباس من (السنابس) إلى (المقشع) قبل سنوات، وتعرف علي إلى أحمد، ومن حينها لم يفترقا، لقد وجد كل واحد منهما في الآخر ما يكمله ويكفيه.

تقول والدة الشهيد أحمد: "أسأله إلى أين ذاهب، يجيب: إلى علي، من أين أتيت، يجيب: من عند علي. مع من تتحدث في الهاتف، يجيب: مع علي. لا أسمع اسماً آخر في حياته ويومه. كان علي أقرب إلى ولدي أحمد من الهواء الذي يتنفسّه والماء الذي يشربه".

وتقول والدة الشهيد علي: "لقد اختارا أن يعيشا معاً، وأن يحملا معاً الهمّ نفسه والحلم، وأن يرحلا معاً بالطريقة نفسها، وسندفنهما معاً أيضاً لكي لا نفرّق بينهما أبداً". أصرت والدة علي أن يدفن ابنها في المقشع إلى جوار رفيقه رغم أن مسقط رأس والده في منطقة السنابس. فيما قررت العائلتان أن تقيما لابنيهما مجلس عزاء واحد مشترك. هكذا لا يفترق أحمد عن علي، ولا يسمع أحدهما كلمة رثاء تلقى لأحدهما دون الآخر.

"لو اختار الله أحدهما وترك الآخر، لا نعرف كيف سيعيش بعده، حتماً سيكون جسداً مسلوبة منه روحه، لذا اختار الله أن يستقبلهما معاً كي لا يفجع قلب أحدهما بالآخر، ولكي يأنسا معاً عنده"، تضيف والدة أحمد.

على جدران منطقة المقشع، انتشرت اليوم صورة تجمع الشهيدين معاً، لم تكن هناك صورة لكل شهيد، بل صورة مشتركة لهما معاً. غطّت الصور جدران المنطقة كلها، كذلك جوانب البيوت التي خرجت عن بكرتها لتحتفي بزفاف الشابين العرّيسين. وحين رُفع النعشين على سيارتين متتاليتين في موكب مهيب احتشد له جميع أهالي المنطقة والمعزين من كل مكان، كانت الصورة ذاتها تغطي كلا النعشين. لم يكن ممكناً معرفة أيهما نعش أحمد وأيهما نعش علي، كأنه أريد لهذا التمويه أن يحضر عمداً، أن يكون كلاهما أحمد وكلاهما علي. لن تميز أيهما صاحب أي نعش إلا من خلال عائلة كل منهما التي تحتضن نعش ابنها.

انطلق التشييع حاراً وصاخباً. مهيباً يليق بشهيدين جليلين، تعالت الهتافات الغاضبة: "تلك الدماء الزاكية تهزّ عرش الطاغية"، والثائرة: "أرادوها حرب تصفية، نعلنها مدوية لن نخشى حرب التصفية"، والمهدّدة: "يا من دخلتم أرضنا لتقتلوا، فلترحلوا فلترحلو"، والمتوعّدة: "نحن شعب تركنا البكاء. لن نبكي، سنثأر". خرجت مسيرة التشييع قريباً من بيت الشهيد المسجّن مروراً بمكان وقوع الحادث الغامض المشبوه، ثم ببيت الشهيد عبّاس.

في طريق المسيرة، خرت أخت الشهيد أحمد المسجّن واقعة على الأرض، لقد رأت خيال أخيها الذي اعتاد تصوير مسيرات القرية أمامها. احتضنتها النسوة وهي تصيح منهارة: هل أحمد هو من يصور المسيرة اليوم؟!!

عند مرورها عند بيت الشهيد علي عباس، رددّ المعزون المرثية المعروفة: "يمّة ذكريني.. من تمر زفّة شباب".. تعالت الزغاريد الموجوعة تواسي أم الشهيد.. خرجت والدة علي.. وقفت عند باب البيت.. رفعت كفّها للسماء كمن تقدم قربانها.. التمت عليها النسوة.. فاض البكاء والكلام.. ردّدت: الحمد لله.. الحمدلله.. الحمدلله

في مأتم الحاج ميرزا، جلست أم الشهيد أحمد: "نعم، ودّعت جثمانه، وباركت له الشهادة، وبقى أن أزفه عرّيساً، لكن هذا ما لا طاقة لي به.."

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus