مارك أوين جونز: لا مساءلة في البحرين

2014-04-30 - 8:53 م

مارك أوين جونز: مارك أوين جونز، موقع مفتاح
ترجمة: مرآة البحرين

في عام 2011، قمعت أجهزة الأمن في البحرين الانتفاضة المؤيدة للديمقراطية التي قتل فيها العشرات وعذب المئات وسجن الآلاف. ومنذ ذلك الوقت، لا تزال أعمال العنف المنخفضة المستوى مستمرة في التأثير سلبًا على البلاد. وسعيًا منه لإرضاء انتقادات الغرب الذي يشعر بالقلق إزاء أساليبه القمعية، بدأ نظام آل خليفة بشكل صاخب عملية إصلاح مريبة تشمل قطاعي السياسة والأمن.

ورغم إصرارها الشديد على جدية هذه الإصلاحات، مضخمًا بالحديث عن الملايين التي أنفقتها على شركات العلاقات العامة، فشلت الحكومة في إظهار التزام حقيقي لتغيير الوضع الراهن. وقد برز هذا الفشل بشكل أكثر وضوحًا في قطاع أمن الدولة، حيث لا يزال المسؤولون في مأمن من الملاحقة بسبب دورهم في تعذيب وقتل المتظاهرين.

ورغم استمرار حلات وفاة المتظاهرين قيد الاحتجاز كما حصل قبل بضعة أسابيع، لم تضبط العدالة الجنائية في البحرين سوى عددًا قليلًا من موظفي أمن الدولة. أدانت المحاكم بعض الموظفين ولكنها عادت لتصدر أحكامًا إسمية أو لتخفض أو تُلغي الأحكام الصادرة بحق العديد منهم.

على مدى السنوات الثلاث الماضية، أثبت حجم القتل والتعذيب، مترافقًا مع مزيد من مظاهر غياب ومحدودية مساءلة الشرطة، فشل الحكومة البحرينية في معالجة أهم عناصر الإصلاح السياسي وهو تحقيق العدالة. من دون عدالة، ستبقى هذه الدولة غير مسؤولة عمن ينتهك الحقوق المدنية والإنسانية، وستبقى وثائق تفويضها، في حال وُجِدَت، تدعو إلى الضحك.

حاكم، دن، استأنف، خفض العقوبة، أعد الكرة

لكي ُتظهر حكومة البحرين شفافيتها، عاجلت بتأكيد مقاضاتها لعناصر متهمين بارتكاب القتل غير المشروع أو التعذيب أو سوء المعاملة. ولكن من الواضح أنه يوجد هناك نمط واضح من الجدل القانوني الذي يحجب غياب المساءلة. فرغم بدء الحكومة بالملاحقات القضائية بشكل روتيني واتهام عدد من عناصر الشرطة، إلا أن أعداد المتهمين تنخفض غالبًا. فعدد العناصر الذين اقتيدوا إلى المحاكم بشكل فعلي يبدو صغيرًا بالنسبة إلى العدد الإجمالي للمشتبه بهم في ارتكاب انتهاكات، كما هو مفصل في تقرير لجنة البحرين المستقلة لتقصي الحقائق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

وتتضح هذه الظروف في حالة تعذيب الصحفية نزيهة سعيد من قناة فرانس 24 . ففي شهادتها الأصلية، ادعت نزيهةتعرضها لسوء المعاملة من قبل أربعة عناصر على الأقل، ومع ذلك تمت محاكمة واحد منهم فقط. وينطبق الشيء نفسه على علي إبراهيم صقر الذي توفي في السجن بعد تعرضه للتعذيب. واتهم خمسة رجال بالتورط بقتله، ولكن تمت إدانة اثنين منهم فقط.

بالإضافة إلى محاكمة أعداد قليلة من عناصر الشرطة، يبدو أن الدولة تستخدم إجراءات قانونية مطولة للتعتيم على غياب المساءلة. وليس غريبًا أن يكون لديها سلسلة طويلة من الإجراءات القانونية التي تُجَرّم في البداية عناصر الشرطة، ولكنها في النهاية تبرئهم أو تخفض عقوباتهم. ويتضح ذلك من خلال عدد من القضايا، بما في ذلك قضية الشرطيين اللذين عذبا وقتلا علي صقر. الرجلان حوكما في البداية بالسجن لعشر سنوات، ولكن تم تخفيض عقوبتهما إلى عامين. أما رجال الشرطة الذين عذبوا وقتلوا المدني كريم فخراوي، فحوكموا في البداية لمدة سبع سنوات بتهمة القتل غير العمد، ولكن بعد الاستئناف، تم تخفيض عقوبتهم إلى ثلاث سنوات. وحوكم الشرطي المتهم بقتل المدني علي مشيمع في البداية بالسجن لسبع سنوات بتهمة القتل غير العمد، ولكن تم تخفيضها إلى ثلاث سنوات بعد الاستئناف. أما الشرطي الذي أطلق الرصاص على هاني عبدالعزيز جمعة، فحوكم في البداية لسبع سنوات بتهمة القتل غير العمد، وتم تخفيضها إلى ستة أشهر بعد الاستئناف. أما علي الشيبة، وهو الضابط المتهم بالتسبب بالعجز الدائم لرجل بعد أن أصابه في ساقه بطلق ناري، فقد تمت محاكمته بخمس سنوات في الأصل ولكن تم تخفيضها في النهاية إلى ثلاث سنوات ثم إلى ستة أشهر على حساب صحة وسلامة المجنى عليه.

ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الأحكام نهائية أم أنها ستخضع لاستئناف آخر. فكما أوردت منظمة العفو الدولية في تقرير لها، هذا الالتباس إشكالي لأن العناصر يبقون على رأس عملهم بانتظار نتيجة الاستئناف وصدور الحكم النهائي. وقد أكد مركز البحرين لحقوق الإنسان وجود مثل هذه الحالات، وأورد أن هناك عناصر يظهرون في المحاكم بزيهم العسكري، ربما لأنهم لا يزالون في وظائفهم.

بالإضافة إلى ذلك، هناك شكوك حول ما إذا كان عناصر الأمن المدانون موجودين فعلاً في السجن. ففي آخر تقرير لها عن حالة حقوق الإنسان في البحرين، تقر وزارة الخارجية الأمريكية أنها لا تعرف ما إذا كانت المحاكم نفذت الأحكام وسجنت هؤلاء العناصر. بطبيعة الحال، يطرح هذا سؤالًا حول ادعاء الولايات المتحدة أن الحكومة البحرينية تقوم بالإصلاح فيما لا يمكنها حتى تأكيد ما إذا كانت تحاسب الشرطة عن جرائمها الفظيعة كالتعذيب والقتل.

وهناك حالات أخرى عديدة تمت فيها تبرئة عناصر شرطة وأمن متهمون بقتل مدنيين. بين عامي 2011 و 2012، تم رفض 45 قضية بما فيها قضايا قتل مدنيين بذريعة غياب الأدلة الكافية. أي 45 حالة وفاة تم الاشتباه فيها بتورط الشرطة بقتل غالبية الضحايا. على سبيل المثال، تمت تبرئة اثنين من العناصر المتهمون بإطلاق النارعلى فاضل المتروك في شباط/فبراير 2011.

وأيضًا تمت تبرئة خمسة من رجال الشرطة المتهمين بضرب المدون زكريا العشيري حتى الموت في الحجز.

وكثيرًا ما تتذرع وزارة الداخلية بأن هؤلاء العناصر كانوا يدافعون عن أنفسهم، وهذا يعني ضمنيًا أن حياة رجال الشرطة كانت معرضة للخطر من قبل الضحية. عندما تتم فعلاً إدانة العناصر بالقتل أو التعذيب، فإنهم يحاكمون فقط بتهم "القتل غير المتعمد"، وتبرئتهم من التصميم الخبيث على ارتكاب هذه الجرائم.

وفي بعض الحالات، لا تقبل الحكومة الاشتباه حتى ببعض حالات الوفيات، كقضية الرجل البالغ إحدى وستون عامًا والذي عُثِرَ عليه ميتًا في كيس بلاستيكي في موقف للسيارات. وجدت لجنة تقصي الحقائق أن وفاته مشبوهة. وعلى الرغم من أن سيارة الرجل شوهدت للمرة الأخيرة في مركز للشرطة ومحل لبيع القهوة، خلصت السلطات إلى أنه لم يكن هناك أي دليل يؤكد وجود نشاط إجرامي أو سلوك خبيث يحيط بوفاته.

هناك أيضًا قضايا تتعلق بالمحكومين. نظرًا لاعتماد الحكومة على الأجانب المرتزقة، فإن عددًا من المحكومين هم عناصر من ذوي المستويات المتدنية من دول كاليمن وباكستان. تدعي السلطات البحرينية أن أعلى مسؤول تمت محاكمته كان برتبة مقدم، رغم أن طبيعة التهم الموجهة إليه غير واضحة. على العموم، يبدو أن العناصر من ذوي المستويات العالية وأعضاء الأسرة الحاكمة قد تملصوا من المحاكمات، على الرغم من أن أحد تقارير حقوق الإنسان يتهم أربعة أعضاء على الأقل من الأسرة الحاكمة بالضلوع في التعذيب.

وتمت تبرئة أحد أفراد العائلة المالكة، نورا بنت إبراهيم آل خليفة، من تهم تتعلق بتعذيب طبيبين اثنين والطالبة آيات القرمزي -21 عامًا. وابن الملك، ناصر بن حمد آل خليفة، متهم أيضًا بتعذيب المعتقلين. وكما ذكرت سابقًا، فإن الأسلوب الانتقائي في المساءلة، الذي يتعرض فقط لعناصر الأمن من ذوي الرتب المتدنية، هو محاولة لتصوير انحراف الشرطة على أنه عمل بضع "تفاحات فاسدة"، ضباطٌ متوحشون يتصرفون بدافع فردي وتصرفاتهم لا تعكس سياسة مؤسسة الشرطة ككل.

بالإضافة إلى هذه القضايا البارزة، هناك عدد كبير من الفيديوهات التي تعرض وحشية الشرطة وأشكال انحرافها، بما في ذلك إلقاء قنابل المولوتوف والقضبان المعدنية وتخريب الممتلكات والاستخدام الخطير للغاز المسيل للدموع. وفي بعض الأحيان، عندما تتضرر هذه الفيديوهات بفعل الفيروسات، تعلن وزارة الداخلية عن إجراء تحقيق ما، ولكن يكون ذلك غالبًا آخر ما يسمعه المرء عن القضية. إن الفيديو الأكثر شهرة كان يعرض 13 عنصرًا على الأقل وهم يتعاملون بوحشية مع مجموعة من الفتيان. وكان هذا الفيديو المعادل لذلك الذي يعرض ضرب رودني كينغ من قبل عناصر الشرطة في لوس أنجلس في عام 1991 والذي تم تصويره من خمس زوايا مختلفة من قبل المارة. وفيما أعلنت وزارة الداخلية إيقاف الضباط ، لم يسمع أي أحد المزيد عن ذلك الحادث.

لماذا تتمتع الشرطة بالإفلات من العقاب؟
إن غياب المساءلة في البحرين قضية متجذرة في التاريخ. فقد ضرب البريطاني تشارلز بلجريف، رئيس الشرطة في البحرين، خلال توليه المنصب في النصف الأول من القرن العشرين، المعتقلين شخصيًا، ويدعي بأنه عمل "غير قانوني" ولكنه ضروري في بعض الأحيان. كما ابتدع ضباطه أيضًا أساليب أخرى من التعذيب، وقد ادّعى امتعاضه منها ولكنه لم يفعل أي شيء لإيقافها. وفي الخمسينات، أعرب البريطانيون عن قلقهم من مساءلة الشرطة، بعد أن قام أحد عناصر الشرطة بقتل عدد من المدنيين خلال الاحتجاجات، لأن ذلك من شأنه خفض الروح المعنوية لدى الشرطة، وبالتالي إضعافها كقوة مقاتلة. وهكذا، لم يخضع أي شرطي للمساءلة. وكذلك الأمر في عام 1965، حيث لم تتم مساءلة أي شرطي بعد قتل 8 مدنيين خلال الاحتجاجات.

وفيات أخرى خلال الاحتجاز لدى الشرطة أو الجيش، كقضية تعذيب جمال علي وسيد العويناتي في السبعينيات والثمانينيات، لم تشهد أي إجراءات جنائية معروفة. ، بعد انتفاضة التسعينيات، التي قتل فيها الملك عشرات البحرينيين، أصدر الملك المرسوم الملكي رقم 56، والذي أعلن فيه العفو العام عن جميع موظفي الدولة المتهمون بالتعذيب. في الواقع، تعتقد منظمة العفو الدولية أنه لم يتم تقديم أي من أفراد جهاز الأمن أو المخابرات أو مديرية التحقيقات الجنائية إلى العدالة لتورطهم في أعمال تعذيب قبل عام 1995.

بشكل عام، نادرًا ما تعمد الحكومات، في جميع أنحاء العالم، إلى محاكمة مرتكبي الجرائم تحت اسم حماية الدولة. وكما قال ذات مرة الأخصائي في علم الجرائم أوستن تورك، فإن" وجود قرارات إدارية ومحاكم تُبرئ موظفين مؤتمنين على تطبيق القانون هو أمر متوقع في أي حكومة. بالإضافة إلى ذلك، يشكل جمهور البحرينيين الموظفين في الأمن (والذين هم غالبًا من السنة) من غير المرتزقة المستقدمة من الخارج، الجمهور الذي تعتمد عليه الحكومة غالبًا للحصول على الدعم. وبالتالي، فإن إغضاب هذه الفئة من خلال ملاحقة عناصر أمن الدولة ينذر بمخاطر تنفير جمهور مهم.

وتتواجد مجموعات ضغط، كتجمع الشباب الوطني الذي أسسه العقيد السابق عادل فليفل (المتهم بالتعذيب) تناصر عناصر الشرطة الملاحقين بتهمة ارتكاب جرائم خلال الانتفاضة الحالية. ولقد ولّد العنف المتزايد من قبل بعض الناشطين أيضًا المزيد من المواقف الانتقامية لدى أكثر هؤلاء المؤيدين، الذين يشجعون بدورهم الشرطة على سياسة أكثر عدائيةوالتي غالبًا ما يكون استخدام القوة المفرطة نتيجة حتمية لها. وغالبًا ما يترافق هذا التأييد لسياسة عدم التسامح مع الرغبة بتوسيع دائرة الإفلات من العقاب.

إن غياب المساءلة يؤكد وجود مشكلة ممنهجة في محاكم البلاد، التي يهيمن عليها أفراد من العائلة الحاكمة أو قضاة غير راغبين في اتخاذ قرارات غير مستحبة من الناحية السياسية. وقد زاد رئيس الوزراء هذه المشكلة عندما ظهر مؤخرًا في فيديو وهو يشكر أحد الضباط المتهمين بتعذيب المعتقلين ويقول لمجموعة من الموالين أن قوانين البحرين لم تطبق عليهم.

بناءً على كل هذه الأدلة، يتضح أن حلفاء البحرين الغربيين يتعمدون غض الطرف عن غياب المساءلة في البلاد. إن الحرية المعطاة لموظفي أمن الدولة تمثل مشكلة عميقة انتشرت في التركيبات الحكومية والسلطة القضائية ومؤسسات الدولة الرامية إلى حماية حقوق المواطنين، ما يعكس الخضوع لإرادة النخب السياسية بدلاً من مبدأ العدالة. إن محاولات تصوير المتهمين (مثل تصوير المتهمين من ذوي المستويات المتدنية)، على أنهم تفاحات فاسدة هي أيضًا محاولة مضللة. فإذا نظرنا إلى الانتهاكات التي نفذتها الشرطة في البحرين في عام 2011، نجد أن مفهوم بستان فاسد يبدو مناسبًا أكثر. هذا التشبيه صاغه البروفيسور موريس بنش في عام 2003 ، عندما أكد حقيقة أن إجرام الشرطة في البحرين ليس مجرد خطأ من قبل أفراد أو جماعات، بل هو نتيجة التركيبات الرسمية مثل: قوات الشرطة ونظام العدالة الجنائية والسياق الاجتماعي- السياسي الأوسع.

إن هذه التحايلات القانونية التي تمارسها السلطات البحرينية هي واجهة لغياب المساءلة، وهي تهدف إلى صرف الأنظار عن الإصلاحات السياسية النظامية المطلوبة لخفض انحراف الشرطة وزيادة معدل المساءلة الحقيقية في البحرين.

17نيسان/أبريل2014
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus