الملك العاري والنسّاج المحتال أو الملك وشركات العلاقات العامّة

2014-05-05 - 10:23 م

مرآة البحرين (خاص): هل هناك أحد لم يسمع  بقصة "الملك العاري والنسّاج المحتال"؟ الملك الفاسد الساذج التافه، المنشغل عن واجباته تجاه شعبه وقضاياهم، والمأخوذ بحبّه للثياب والمظاهر البراقة اللمّاعة. وكيف يغدق العطايا الضخمة على من ينسج له أفخم الثياب وأغلاها. وكلما أسقط واقع الفساد المستشرى صورته، لجأ إلى النسّاجين ليمدوه بأفخم الثياب ظنّاً منه أنها قادرة على تجميل صورته البائسة عند الناس. لم يكن الملك يثق بقدرة نسّاجي بلده ومصمميها على ابتكار ما يناسب طموحه في الظهور كما ينبغي للملك الاستثنائي، لهذا ظل يحرص على جلب نسّاجين أجانب من كل بلدان العالم

مستغلاً الوضع، جاء للملك نسّاج أجنبي ماكر ومحتال، أقنعه أنه قادر على صنع ثياب لا مثيل لها من قبل ولا بعد، وأنها ثياب ذكية لها قدرة عجائبية على التمييز بين الشرفاء والخونة، ذلك أنه لن يراها سوى شرفاء الوطن، أما الخونة فلن يروها، وبهذا ستفتضح خيانتهم أمام الجميع. وبالطبع أقنع النسّاج المحتال الملك التافه، أن هذه الثياب سيحتاج إنجازها وقت غير قصير، وستكلّف الكثير الكثير من المال، نظراً لموادها الخام التي سيضطر لإحضارها من آخر دول العالم، وصعوبة تنفيذها والعمل عليها، ولخصوصية وظيفتها الوطنية فضلاً عن الجمالية التي ستبهر كل من يراه، وستظهره بمظهر لن يكون على مثله أحد في كل العالم. 

الملك الساذج فتح أبواب أموال خزينة الدولة لهذا المشروع الضخم، وراح النسّاج يغرف منها بلا حساب ولا كتاب. بدوره الملك أعلن للناس أنه سيتم عمل احتفال خاص بمناسبة ارتدائه للثياب الجديدة العجيبة، وسيسير في موكب خاص وسط الشوارع وعلى جميع الشعب أن يخرج للاحتفال معه بهذه المناسبة العظيمة. من جهته، راح النسّاج ينشر بين الناس، أن من لن يرى ثياب الملك الجديدة القادمة فهو خائن للوطن، وسيُعدم.

جاء اليوم المحدد للحفل، وتم تجهيز موكب الملك ذي العربة المكشوفة، ودخل النسّاج المحتال على الملك في قعر قصره حاملاً صندوقاً كبيراً على أنه يضمّ الثياب الجديدة، وأمام جميع من في القصر فتح النسّاج الصندوق الخالي ببهاء. صمت الجميع لبرهة مذهولين قبل أن يتذكروا أن من لا يرى ثياب الملك فهو خائن، من فورهم هلل الجميع في صرخة واحدة وكبّروا: الله الله يا فخامة الملك، يا لروعة هذه الثياب، إنها حقاً ما يليق بفخامتك، وساد التصفيق والهرج. الملك الذي لم يصدق عينيه قال في نفسه: هل هذا يعني أني أنا خائن الوطن هنا؟ لأني لا أرى شيئاً. ثم ابتسم ابتسامة صفراء ليغطي بها حالة ذهوله وارتباكه، وهزّ رأسه بغباء، فيما هم النسّاج الذي تقدم بفخر نحوه، بخلع ثياب الملك قطعة قطعة، واستبدالها بالقطع الوهمية، وسط تصفيق وانبهار الحاشية بمن فيهم كبار الوزراء والحكماء. 

وبينما النسّاج يمعن في تعرية الملك أكثر وأكثر ويلبسه القطع الوهمية بدلاً عنها، زايد بعضهم في وصف ثياب الملك: ماشاء الله يا مولاى، لم أر في حياتي مثل هذه الفخامة وهذا القماش وهذا التفصيل الرائع الجمال، لقد جعلك هذا الثوب تزداد بهاء وتألقاً وهيبة، وراح الجميع في ساحة (الشرفاء) يصفق بنفاق ممجوج: مدهش مدهش يا مولاي ما أروع هذه الثياب وما أغربها. الملك بدأ يصدّق ما لا تراه عينيه حتى أصبح عارياً تماماً وانكشف كامل جسده البدين المترهل والقبيح الذي كانت تخفيه دائماً الثياب الفخمة. أمعنت الحاشية في التعظيم والتهليل والمدح والتفخيم، وتنافس كل منهم على أن يفيض من تعابير الدهشة والإعجاب، فذلك يعني أنه من الشرفاء أكثر. وحده النسّاج كان يسير بزهو المسيطر على كل شيء: الملك والشعب والمال العام. 

أُركب الملك العاري في العربة المكشوفة، وبدأ الموكب يشق وسط المدينة التي اصطف الشعب على جانبيها. وقف الملك العاري مزهواً وسط العربة محيّياً الجماهير التي بقت مذهولة لبرهة، قبل أن تتدارك صارخة: يحيا الملك.. تحيا ثياب الملك العظيمة التي لا مثيل لها في كل العالم. وبدأت المزايدات تتعالى والصرخات والهتافات والتصفيق، فالشرف على قدر المزايدة بما لا ترى، وما تراه عينك خيانة. 

بدوره بدأ الملك مأخوذاً بنشوة الخيلاء، يتمايل بديناً عارياً كأقبح ما لم يكنه يوماً. كانت المفاجأة عندما مر الموكب على صبية صغار حفاة دون العاشرة من أعمارهم، كانوا يلعبون في التراب، ويصنعون لهم ما يشبه وطنا صغيرا يحلمون أن يسكنوه بدفء، وببراءة لا تكترث بأحد صاحوا لبعضهم بعضا: انظروا الملك عارٍ.. الملك عارٍ.. الملك بدين.. الملك قبيح.. هنا فقط تزلزل الجميع واندكّت الكذبة وانهار الملك واقعاً وسط عربته، وتراكضت الناس مولية خائفة والحاشية لا تدري ماذا تفعل، وحده النسّاج الأجنبي الماكر كان قد اختفى تماماً من المشهد، بعد أن انسحب في الأثناء فارّاً إلى بلده، محمّلاً بالكثير الكثير من أموال خزينة الدولة، والسخرية على الملك الساذج.

لا شيء كثير نقوله بعد هذه القصة التي تقول كل شيء عن الحالة البحرينية، سوى أن ملك البحرين   المنفصل عن واقع شعبه انفصالاً وصل إلى حد الخصومة والمعاداة والتعنت والاستبداد المطلق، راح يبحث عن نساجين (شركات علاقات عامة) من كل مكان في العالم ليجمّلوا صورته، معتقداً أن الصورة القبيحة التي صارت مرادفة (في الرأي العام الدولي) إلى الاستبداد والتسلط والتعنت والقمع والقتل والديكتاتوية، يمكن أن تجمّلها (ثياب) شركات العلاقات العامة المحلية والأجنبية. هذه الشركات لا يعنيها من أمر الملك شيئاً، ولا من الشعب شيئاً، ولا من الوطن، لا يعنيها سوى خزينة أموال الدولة فقط. 

شركات العلاقات العامة المحتالة، راحت توهمه أنها ستنسج له ما يقدمه للعالم على أنه الملك الإصلاحي التعددي الديمقراطي، ها هي تفصّل له ثياب وهمية يرتديها كل يوم، ويخرج إلى المجتمع الدولي عارياً، بصحبة وفود منافقة تصفق لعريه القبيح، وتكذب الحقيقة العارية التي يراها الجميع، ها هي شركات العلاقات العامة (النسّاجة) تسخر من الملك بجعله ينتقل عارياً من الهند إلى باكستان إلى أوزبكستان، إلى جولة جديدة تشمل المملكة المتحدة وإيطاليا ودول غربية أخرى، وها هي تبعث معه 100 منافق يقسمون بجمال ثيابه، وها هي تنظم له مؤتمراً تحت شعار "حوار البحرين في لندن" بقصد "إبراز وجه آخر للبحرين" كما تقول هذه الشركات، وها هي تنظم له ليستضيف مؤتمراً كبيراً دولياً "حوار الحضارات والثقافات"، وها هي تنسج له لينشئ "محكمة عربية لحقوق الإنسان في البحرين"، كلّها لا تعدو أن تكون ثيابا وهمية،تقصف ميزانية الدولة، لتظهر عري الملك الباذخ بدل أن تستره، فضلاً عن أن تجمّله.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus