مؤتمر حوار الحضارات على ركام العنصرية
إيمان شمس الدين - 2014-05-08 - 12:51 ص
إيمان شمس الدين*
التعدد هبة الله للإنسان، واحترام لعقله القادر على انتزاع المجردات من الكثرة، وهو يعطينا قدرة على التنافس، وعلى التماثل مع الشبيه، والأخذ من الأكمل الأجمل لنتكامل في مسيرتنا نحو الله. ومفتاح التعدد في المحيط المجتمعي هو التعايش، الذي يتعمق عن طريق الحوار والتلاقح الفكري والثقافي على قاعدة "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، فالتعارف من المعرفة، والمعرفة من العلم، والعلم من الاطلاع على إنجازات الآخرين ومراكمتها بالاستفادة منها وإفادتها مما نملك.
والحوار بين المختلف لا يعني أبدًا التضاد دومًا بل يعني خلق مساحات ائتلاف واشتراك ومحبة. الحضارة هي نتاج ثقافة وهوية وسلوك، فصناعة الحضارة فن يقوم على الحب، وحوار الحضارات رغبة نابعة من الحب للآخر والرغبة في التكامل معه، فالمؤتمرات لا تصنع حوارات حضارية، ولا تخلق مساحات الاشتراك، ولا تغير واقع التمييز والطبقية القائم على التعصب والكره. المؤتمرات يجب أن تشكل جسر عبور نحو الآخر حينما نملك نحن مفاتيح هذا الجسر في سلوكنا وقيمنا وقيادتنا. وليست المؤتمرات قلادة نزين بها صورتنا لدى الحضارات الأخرى كي نفهمهم أننا حضاريون، فالتاريخ الموثق سيكون دليل قاطع في إظهار الزيف وإزالة القناع لنشاهد حقيقة بشاعتها.
المعارضة اليوم معنية بتحويل هذا المؤتمر، الهادف إلى تزييف الحقيقة، إلى منصة إعلامية كاشفة للحقيقة ومزيلة للأقنعة التي ترتديها السلطة وأتباعها. فهي تسير على خطى الجارة المملكة العربية السعودية، التي تعقد في مكة حوار الأديان، بينما مفتوها يصدرون فتاوى التكفير، لتعيش، بشكل فاضح، الازدواجية في المواقف والقيم. واليوم البحرين، ومن باب الانقياد والطاعة والتقليد، أو لا أبالغ لو قلت من باب تنفيذ الأوامر الملكية السعودية، تعقد مؤتمرًا شبيهًا لذلك الذي يعقد في مكة، باسم الحضارات، كون المملكة البحرينية صاحبة حضارة عريقة يشهد لها التاريخ، بينما السعودية تعقده باسم الأديان، كونها مملكة تحالفت مع الدين تحالفًا أداتيا يعزز ملكها. والبحرين جاء حكامها ليتسلقوا تاريخها الحضاري ويتحالفوا معه تحالفا أداتيا، ليعززوا وجودهم المناطقي على أنقاضه، فحوار الأديان يليق بمملكة الفتوى السعودية، و حوار الحضارات يليق بمملكة الحضارات البحرين، وكأن الجسر الذي بني بين البلدين كان جسرًا مكانيًا ليقرب بين الدولتين في الحكم والمنهج والتحالفات ليخدم مصالحهما الزمانية والوجودية.
فحوار الحضارات في البحرين يعقد في ظل تمييز عنصري صارخ ضد فئة كبيرة من المجتمع البحريني، تهدم مساجدها، وتهاجم مراكزها، ويعتقل رموزها، لأنها تريد نهضة هذه الحضارة ورفع الدولة لمصاف الدول الحديثة، بما يليق بتاريخ حضارتها ومنجزاتها الحضارية. ولأن الحضارة لغة يفهمها أهلها وصناعها ومن بذل لأجلها الدم، فمن الصعب أن يدرك متسلقوها حقيقتها، بل جل ما يستطيعون القيام به هو استخدامها كأداة تجمل سطحيتهم وملكهم وتمكنهم أكثر من السلطة أمام من يصنع لهم السياسات ومن يغطي على جرائهم، وقد يكون هو بذاته - أي الغرب - من أشعل في أروقة حكمهم فكرة المؤتمر، ليقلل من النجاح الإعلامي للمعارضة في إثبات همجية هذا الحكم بالتوثيقات والدليل الملموس.
إن إيقاظ الضمائر الميتة لا يمكن أن يكون بعقد مؤتمرات باسم الحضارة والحوار والدين، وتجميل وجوه الحكومات المستبدة، لا يمكن أن يتحقق بمساحيق تجميل منتهية الصلاحية، والمعارضة اليوم معنية دون غيرها بإفشال هذه المحاولات التجميلية، من خلال فضح السلطة، وفضح من يرعى هذه المؤتمرات إعلاميًا، وإفشال محاولات القفز على الحقيقة التي سقط في طريقها أكثر من 100 شهيد، واعتقل لأجلها المئات من نخب المجتمع ورموزه، فمنبر هذا المؤتمر هو حق للبحرينيين، لينقلوا من خلاله الحقيقة للحضور، فإن كان قادة الدولة، ومنهم ولي العهد، قد فشل في الحوار الداخلي مع أبناء الشعب، فهل يا ترى سيكون قادرًا على النجاح في حوار الآخرين في الخارج ؟
من لم يقدر على نفسه فلا يمكن أن يكون قادرًا على غيره، فانزعوا الشر من قلوبكم وسلوككم وإداراتكم، كي تصنعوا حضارتكم الداخلية وتمتلكوا مفاتيح بناء الجسور نحو الآخر.
*كاتبة كويتية.