فيلم الجزيرة صرخة في الظلمة والظلامة الإعلامية
علي داوود - 2011-08-10 - 10:18 ص
علي داوود
أعادت قناة الجزيرة الإنجليزية بعرضها الفيلم الأخير عن أحداث البحرين الاعتبار للوجه الإنساني للحركة الاحتجاجية في هذا البلد الصغير بعد فصل طويل من التشويه والتهميش الذي نال من الألق الأخلاقي الذي وسم التحركات وجعل منها واحدة من أكثر الاحتجاجات سلمية، فكان فضاء الكذب الرسمي أكثر الأشياء رحابة واتساعاً، حيث جري تحويل مسار المطالب الحقوقية العادلة باتجاه محاكمة الضمير الوطني للمحتجين، وباتت دائرة الأوصاف مفتوحة على كل قدح وذم في ذمم المناضلين وأخلاقياتهم.
لم تعرف الثورات العربية الأخرى تشويها وتعتيماً إعلامياً كالذي حدث في البحرين، هناك وجد الناس في الشارع أنفسهم أمام معركة مخيفة، لأن الطرف الآخر فيها لم يدخر وسيلة في صياغة هوية مقلوبة لتلك الوجوه المعتصمة بأغصان الورد، كمحاولة لإيجاد خطاب تبريري لكل ما صاحب المواجهة من تعديات إنسانية من قبل السلطة. هنا تمّ استبدال أحلام الناس المشروعة بعناوين مقززة كاختطاف الوطن، وتعميد ولاية الفقيه، وشق الوحدة الوطنية، وصناعة طابور خامس، في الوقت الذي ظلت حناجرهم وأيدايهم تلوح بذاكرة نبيلة لوطن يحتضن الجميع.
لم يكن الكذب المتسرب من قنوات الإعلام الرسمي بأقل قسوة من أحذية الجنود وغازاتهم المسيلة للدموع، وجوه بطلاءات مختلفة تشاركوا في إدارة حملة الوشاية على كل حلم نبيل كان يمشي على الأرض، ويهتف للسماء، وجوه انتظرتها الناس عند منعطف التغيير، فكانت أول متخاذل عن وعد الأمواج البشرية التي آمنت بكل شيء إلا بالوعود الكاذبة... مثقفون وسياسيون ومؤسسات مجتمع مدني وأطياف اجتماعية متعددة وجدت طريق التودد للسلطة أقصر وأسلم، ولو اختارت الصمت عن خطايا هذا النظام لهان أمرها، بل راحت تقرع باب كل مناسبة لتحجز لها مقعداً في حفلات منذورة للافتراء على خطى الذاهبين باتجاه الحرية.
التي كادت تجهش بالبكاء في الفيلم إياه وهي تحدثنا عن لحظة شك راودتها في أداميتها، وهي تنظر إلى عالم متخاذل حكم عليهم بالبقاء في دائرة الصمت، كانت تختصر بنبرتها كل أوجاع المرحلة وأسئلتها، فهؤلاء انتظروا كل شيء قبيح من السلطة وتوقعوه، لكنهم لم يجدوا مكاناً في حيز التوقعات لهذا الموقف غير المكترث من المجتمع الدولي، ومن مؤسسات المجتمع المدني في الخليج، وقبلها من أبناء الوطن الواحد الذين هللوا لكل جولة قمع وتنكيل وتصفية.
حتما ستأخذ البحرينين ارتعاشةُ رضا وهم يطالعون مروية تقترب من يومياتهم ومن مشاهداتهم، مروية اختصرت كل قصائدهم وبوحهم في مواجهة النار والحديد والكذب، إنها نشوة الأمل بأن الأيادي التي آمنت بالورد كما آمنت بحقها في حياة كريمة ليست سراباً، وإنما شباكاً مفتوحاً يعانق الشمس كل صباح، على وعد حلم لا بد أن سيأتي.
نعم هي لحظة خنقها الصمت طويلاً لكنها لم تمت، فقد هتف الناس في وجه الظلام نهاراً، وحين قطعت عليهم الشوارع، رفعوا نداءاتهم إلى السماء من فوق المنازل، لأنهم يعلمون بأن كل صوت حر في هذا العالم لن تستطيع الظلمة الحالكة على حبسه إلى الأبد، وأن الحزن الذي يكبر في العينين في هذه المواجهة الظالمة سيورق حتماً بالفرح العارم في يوم ما، فإرادة الناس هي وحدها من استطاعت أن تحرج النظام أمام عيون العالم، وتدفعه إلى مفترق طريق، مازال لا يعرف سبيلاً للخروج منه.