حروب القصور: سياسة التجويع الاقتصادية. الحلقة (6)

2011-08-15 - 3:05 م



مرآة البحرين (خاص): "الحاكم الذي يجوع شعبه لا شرف له" هذه المقولة التي يذكرها كتاب"الشقيقان والسنوات الصعبة"(1)، قالها الحاكم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة أمير البحرين السابق وأب رئيس الوزراء الحالي الشيخ خليفة بن سلمان. المثير حقا أن من يذكر هذه الجملة ويرددها بحسب الكاتب هو الابن الذي يقود سياسة التجويع اليوم.

 في الكتاب نفسه يعلق الشيخ خليفة على مقولة أبيه  بقوله "وإذ يستشهد سمو الشيخ خليفة بن سلمان  بهذه العبارة التي يذكرها يرويها سموه عن سمو الوالد، فهو يجعل لها إطارا ممتدا إلى مختلف مناحي الحياة، فجوع الشعب –يقول صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان- لا يعني جوعه للخبز فقط، بل يمتد ذلك للصحة والتعليم وإلى استخدام أرقى وسائل التقنية"(2).

تثير هذه الجملة (سياسة التجويع) الاستهجان والسخرية وتستفز الكثير من المواطنين حتى بات شعار المرحلة الذي يردده الصغير والكبير هنا في البحرين بعد أن تحولت  هذه السياسة إلى خطة عمل تقوم بها الحكومة، وهي التي أطلقها كما يعرف القاصي والداني رئيس الوزراء لجعل الشعب –المكرم- كالكلب اللاهث على لقمته، فهو لا يقصد بممارسته سياسة تجويع الشعب –المنتفض- عبر منع لقمة العيش عنه وحسب، بل تمتد لتشمل ضربهم في الخدمات الأخرى كالصحة والتعليم وتوفير الوسائل التقنية والخدمية، وللتذكير فقط فهذه الممارسة قد سبق وطبقها في أزمة التسعينات بفارق الدرجة والعدد، وهي  تبدو بمثابة محنة كاملة.

ويمارس العم العجوز السياسة ذاتها التي يطبقها غالبية دكتاتوريي العرب، وأبرزهم حسني مبارك الذي كان يؤمن بأن الفقر والجهل أفضل الحلول لإشغال الشعب الجائع عن التركيز في السياسة وحشر أنفه بما يضر مصالح الحاكم المستبد، وهي بالمناسبة سياسة الانجليز ذاتها والتي يذكرها –سموه- في الكتاب حين قال بأن الحماية البريطانية اتّبعتها لتقيد بها الشعوب المستعمرة، وتسيطر عليها، فما الفرق بينهما اليوم؟!

ولسنا بحاجة للتذكير بما وصل إليه حسني مبارك حين توحدت صرخة الناس المحرومة من الخبز والحرية والحكم الرشيد ضد حكمه وانتزع من كرسيه، بل المفارقة بان الثورة ضده كانت الشرارة التي أشعلت ثورة البحرين إذ طالبت الأخيرة بالتغيير عبر إبعاد صاحب مبدأ التجويع، وفي ظل القوة التي    رافقت الثوار بداية ثورتهم، كانوا مقتنعين أن التغيير قريب وأنه قادم لا محالة، ولكن على أرض الواقع فالتغيير الحقيقي قاده–العم الحاكم- حين أعلنها مباشرة بأنه يقود حملة التجويع وهو المصير الذي يستحقه الخونة، والخونة هم نصف الشعب الذي شارك مؤيدا للثورة التي تطالب بالتغيير والمساواة ويمكننا الاطلاع على مقابلته في جريدة السياسة الكويتية المنشورة في يونيو الماضي لنتعرف على هذه الحقيقة(3).

هدم منارات الإصلاح
خلال الأشهر  الثلاثة من إطلاق سياسة التجويع، كان معول الهدم يركز في ضرباته على المؤسسات والوزارات التي أشرف على بنائها ولي العهد، ونركز على ما اختص به ولي العهد لأنه كان أكبر المحاربين لسياسة التجويع تلك، عبر تبنيه خيار الإصلاح باعتماده إصلاح سوق العمل والتعليم والتدريب، والمذكور بكل وضوح وتجلي في الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 والتي  تنص من بدايتها وحتى نهايتها على تحقيق الرفاهية للشعب البحريني من خلال اقتصاد قوي يعتمد على الاستثمارات العالمية بمعية النفط "الذي لم يحقق للاقتصاد المحلي إلا ما حققه في السنوات الماضية، طبعا الخلل ليس في النفط وسعره بل في سياسة توزيع الأرباح التي باتت سياسة أشبه بالدستور منذ تقسيم الانجليز لها فما تغير بعد ذلك من نسبة أصحاب الحماية –الانجليز- ذهبت للعائلة المالكة"، والاتجاه إلى تنويع الاقتصاد، وذلك بغية المساهمة في رفع الرواتب المتدنية للبحرينيين عبر تحفيز وتطوير القطاع الخاص ليستوعب هذا التغيير ويكون البحريني خيارا مفضل للشركات العاملة في المملكة، ويهيئ له بيئة عمل مشجعة وراتب محفز.

بالطبع فإن الآلية التي اعتمدت عبر قوانين وأدوات وهيئات أسست لخدمة هذه الرؤية الاقتصادية، نجحت بشكل مبهر، وحققت نقلة أشاد بها الجميع واستطاع الاقتصاد أن ينمو بشكل مذهل معتمد على قطاعات خدماتية ومالية فباتت البحرين مركزا ماليا إسلاميا ومحطة جاذبة لرؤوس الأموال وبيئة عمل للمشاريع الريعية والاستثمارية، وكانت تشهد حركة نشطة نستطيع أن نلاحظها من خلال المشاريع الضخمة وبالذات الجزر العقارية التي ساهمت بشكل كبير في تسليط الضوء على البحرين التي باتت تتجه بسرعة وصلابة نحو بناء راسخ لاقتصاد حيوي، لبلد يقع وسط منطقة متخمة بالسياسات التنافرية والمصالح المتنازعة.

وتحقق بعض من أهداف الرؤية إثر تسجيل ارتفاع ملحوظ في إعداد القوى العاملة في المملكة إذ شكل البحرينيون من ذكور وإناث حتى العام2010 نسبة 17،8% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص بحسب أحدث إحصائية يوردها مصرف البحرين المركزي، وهي نسبة متقدمة بالمقارنة مع السنوات الماضية، إذا ما وضعنا في الحسبان الإعداد التي تم تسريحها إبان الأزمة العالمية خلال العامين 2009 و2010من القطاع الخاص.

السعودية عدوة النجاح
هذا النجاح لم يثر غيض الغرب بقدر ما أثار غيرة المقربين، فبينما كنا نشهد تنافسية حامية بين البحرين ودبي، فإن الكويت سعت في أن تغير بعض استراتيجياتها الاقتصادية لتجاري ما وصلت له البحرين مستفيدة من تجاربها، ولكن أكثر الدول التي نجحت في التحول نحو بناء قاعدة اقتصادية سليمة كانت قطر التي باتت توصف بالسوق الواعدة على خرائط المستثمرين العالميين، ورغم ذلك فشل الجميع في أن يصلوا إلى ما بلغته البحرين من قاعدة صلبة لاقتصاد قوي وخبرات قل نظيرها في المنطقة.

بدت السعودية بينهم كالعرجاء، حانقة من هذا النجاح الذي تحققه جارتها الصغيرة والذي تحولت على  إثره إلى سوق يفضلها أصحاب رؤوس الأعمال الخليجين، وعلى رأسهم السعوديين بالذات بعد أحداث 11 سبتمبر وعودة الرساميل إلى المنطقة، وهي التي عرف عنها تسيدها للقرارات الخليجية ووقوفها في وجه كل ما في صالح ترابط الدول الخليجية وفي صالح البحرين بشكل خاص، وهذا ما تؤكده وثائق ويكليكس التي نورد منها هذا الاقتباس للتوضيح وفق الترجمة، وهي بالمناسبة عبارة عن برقيات لمناقشة موسعة سجلها السفير الأميركي في البحرين جرت بينه وبين الملك حمد في الـ 15 من شهر شباط/ فبراير عام 2005. وهذا نصها:
"ورد في البرقيات أن الملك حمد قال إن البحرين لم تعد قلقة من المحاولات التي تبذلها السعودية لمنع إبرام اتفاقيتها الخاصة بالتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، وأنه لا يتوقع أي صعوبات في التصديق من جانب البرلمان البحريني بسبب الأجواء غير المستقرة مع السعوديين بشأن اتفاقية التجارة الحرة. ومع ذلك، أظهرت البرقيات كذلك أنه لا يزال منزعجاً بشكل واضح من الطريقة التي سارت بها الأمور، ومن استمرار المهيجات في العلاقات الثنائية مع المملكة العربية السعودية، ومن المحاولات السعودية لمنع المشروعات التعاونية بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. وكرر الملك ابتهالاً مألوفاً الآن للشكاوى البحرينية من سوء النية السعودية تجاه البحرين، بما في ذلك تعليق المنحة النفطية التي تقدر بـ 50 ألف برميل يومياً وقطع مبيعات الرمل.. أشار الملك حمد كذلك إلى أن السعوديين يمنعون مشروع جسر مقترح بين قطر والإمارات العربية المتحدة ومشروع خط أنابيب مقترح بين قطر والكويت، وهما المشروعان الذين يحظيان بتأثير على البحرين. وعندما يجتمع هذا الجسر المقترح إقامته بين قطر والإمارات مع الجسر المخطط له بين البحرين وقطر، فإنه سيُسَهِّل السفر بشكل كبير بين الدول الثلاث _ وبالطبع القضاء على الحاجة للمرور عبر المملكة العربية السعودية – إلى جانب آثارها بالنسبة لمسألة قيادة المرأة للمركبات_. أما خط أنابيب الغاز من قطر إلى الكويت فسيمر عبر المياه الإقليمية السعودية، وسوف يشتمل أيضاً على وصلة إلى البحرين. ونظراً للاعتراضات السعودية، قال الملك حمد إن الكويتيين بدؤوا يتحولون الآن إلى الإيرانيين من أجل الحصول على الغاز. واستفسر الملك عما إن كان بمقدور الولايات المتحدة أن تلعب دوراً مفيداً في إقناع السعوديين بأن يسمحوا بالمضي قدماً في المشروع الخاص بالغاز".

هذا الأمر يوضح أن السعودية عائق لجميع الدول التي تدور في فلكها وهي تقف كحجر عثرة في وجه أي مشروع إصلاحي أو اقتصادي أو سياسي ناجح لأي دولة خليجية أو عربية لذلك نتفهم أنها ضد الثورات التغييرية.

 نسوق كل ذلك كمبررات لإبطال ما فند من أسباب في المرحلة الحالية لمن حمل شعار حرب التجويع والهدم للمملكة الصغيرة، وكأنه ينتقم لنجاح خصمه وقد أتته فرصة الانتقام التي لا يمكن تفويتها، لتحول المملكة من دولة مستقلة إلى تابعه تُطبخ قراراتها السياسية في مطبخ الحاكم العسكري البحريني أو السعودي.

ولي العهد
عمل ولي العهد سلمان بن حمد منذ بروزه على الساحة على معالجة العديد من القضايا التي كانت تنخر في جسد الوطن، وأبرزها الإقصاء المتبع للشيعة الذين يشكلون غالبية في البحرين في كل المناحي السياسية والاقتصادية، فما كان تحالفه مع الوزير السابق مجيد العلوي منذ جمعه أول لقاء في أحد مقاهي لندن نهاية التسعينات إلا علامة على أنه كان يريد أن يرأب الصدع المتنامي في الاتساع حينها ونجح  رغم  المحاولات التي كانت تريد أن تحول دون تحقيق ذلك الهدف، وكان وراء هذه المحاولات بالطبع محور الشر المتحارب مع بعضه فلا رئيس الوزراء يريد هؤلاء الذين سيقفون له في كل شاردة وواردة، ولا الخوالد يريدون أن يكون للشيعة أي دور قيادي في البلاد، لذا لجأ ولي العهد إلى الاستعانة بالخبراء والمستشارين من الطرف الآخر ما أزعج المحور الطائفي، وبالفعل كانت النجاعة في أنه حول المملكة إلي وطن يزدهر بالحيوية الاقتصادية، فركز على المجال الاقتصادي وزرع هم الوطن بدل التناحر الطائفي المعمول به طيلة سنين، بل استطاع أن يغير عقلية بعض الشباب البحريني ويحوله من الهم السياسي إلى الهم الاقتصادي وقيادة المشاريع التجارية.

يتبع..

  • هوامش
  1. الشقيقات، توفيق الحمد، ص 157
     
  2. الكتاب نفسه، ص159
     
  3. مقابلة أحمد الجار الله مع خليفة بن سلمان في جريدة السياسة الكويتية 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus