مرآة البحرين في كرانة: مهرجان الاستقلال والاستقبال

2011-08-19 - 3:27 م


اعلان الفعالية نشر عبر مواقع الانترنت


مرآة البحرين (خاص): أمس الخميس، كل الطرق المؤدية إلى كرانة كانت مقطوعة ونقاط التفتيش منتشرة على شارع النخيل، لكن كثيرين وأنا منهم كنا قد وصلنا قبل وقت الفطور تلبية لدعوة شباب كرانة الذين بادروا بفتح البيوت والمجالس لاستقبال المشاركين في مهرجان (ذكرى الاستقلال) على وجبة الفطور.

كان إعلانهم المنشور في المنتديات الإلكترونية "نشكر أخواننا وأحبابنا شباب 14 فبراير على ثقتهم بنا واستجابتهم لنا في استضافه المهرجان الجماهيري (ذكرى الاستقلال) ونتمنى أن نكون في حسن الضيافة ... ونعلن بأن جميع أهالي قريتنا العزيزة على أتم الاستعداد لضيافتكم واستقبالكم وأن جميع منازلنا ومساجدنا مفتوحة لكم وأنه لشرف لنا بأن تكونوا معنا في قريتنا الحبيبة وأن تحضير وجبه الإفطار جاهزة لكم والقرية قريتكم كما ندعو الجميع للتصوير والتوثيق".

نجح هؤلاء الشبيبة بامتياز في تحويل الاستقلال لمهرجان استقبال جماهيري، وأجبروا الدولة لتشاركهم فيه، على طريقتها الغليظة الخاصة التي يحب هؤلاء الشبيبة أن يجعلوها وفق معادلة: الصفارات على الشعب والطلقات على  الشغب.

 
في السابعة والنصف استمعنا لأول الشعارات، خرج الجميع في المسيرة الاولى أو كما كان يقال (الجولة الأولى)، لم نكد نتجه إلى قرب دوار كرانة حتى وصلت عشرات السيارات ( مدنيين مسلحين – قوات شغب – شرطة ) بدأ إطلاق الشوزن ثم المسيلات، طلب الشباب من النساء التراجع وسدوا الشوارع كانت هنا أسلحة التزمير الفتاكة والتصفير والتصفيق والتطبيل على إيقاع لحن الثورة، تأتي الأصوات من فوق البيوت ومن الأزقة، كل الأرجاء تصدح بلحن موحد. طُلب مني ومن أحد المصورين الاختباء في أحد المنازل المطلة على المكان، كان ترحيب أهل ذلك البيت وهدوؤهم رائعاً جداً، لم يمنعهم توتر الأجواء من تقديم شاي السكينة والسلام. إنهم أهل قرى البديع، تسكنهم الطيبة منذ أجدادهم الديلمونيين.
 
في الثامنة، كنا نرقب الوضع من فوق سطح المنزل سمعنا أصواتا بعيدة، تهتف بنفس اللحن، كان مرجحاً أنها من المقشع التي خرجت في مسيرة (للتخفيف عن كرانة) وهذا مصطلح متداول الآن وهو يعني تقاسم القمع حتى يصبح متوسط نصيب كل منطقة منه أقل، مما لو انفردت منطقة واحدة به، هكذا تتقاسم القرى المتجاورة في الليلة الواحدة، نصيبها من الغازات والقنابل الصوتية ورصاص الشوزن.

تبعت تلك الأصوات مسيرة ثانية في كرانة، قال لي أحد الشباب: المرتزقة سيتجهون كلهم لقمع المقشع ثم يرجعون كلهم لنا ثم يتجهون كلهم للمنطقة التي ستخرج أيضا.

اغتنم المتظاهرون من شباب ونساء وكهول لحظتهم، وخرجوا يتقدمهم رجل ستيني كان هادئاً، وبهدوئه وحده كان يبعث الحماس بين الجميع، قبل أن يصل الشباب إلى دوار كرانة، رجعت كل أجياب شرطة الشغب وبدأ الطلق من جديد، سقط مجموعة من الجرحى، نقلهم زملاؤهم في النضال إلى داخل أحد المنازل، ورغم كل القمع لم يتوقف اللحن المشهور ولم يتوقف التكبير الذي كان ينطلق من كل أرجاء القرية .

   
طلبتُ أن يأخذني أحد الذين استقبلوني بمنزلهم، لمعاينة الجرحى إن أمكن، اعتذر مني بلطف، وطلب أن يغطي عيني لدواعي أمنية، أكبرت كياسته في تلك الظروف، وهذا ما تعلمه من درس الأزمة، غطى عيني وأخذني إلى مكانٍ ما، حيث عاينت الإصابات وكانت سبع إصابات تقوم لجنة طبية تحمل معدات الإسعافات الأولية، وتلبس القفازات البيضاء بمعالجة ما يمكن معالجته بهذه الوسائل .

 وصل أحد الشباب وأخبر أحد الممرضين أن أعضاء من لجنة بسيوني، قد وصلوا، ويريدون معاينة بعض الجرحى، فكان أن طلب من بعض الشباب المساعدة في نقل الجرحى لمكان آخر يمكن لأعضاء لجنة بسيوني معاينتهم به.
 
 
كانت الحادية عشر والنصف، حين وصلت رائحة مسيل الدموع للمكان الذي كنا فيه، فقاموا مجدداً بتغطية عيني وفكوا الوثاق عن وجهي وأنا أمام باب أحد المنازل المفتوحة، دخلت، فكان بالداخل حوالي عشرة شباب أمامهم صينية ودلة شاي وفواكه وبصل للتغلب على مسيلات الدموع والغازات، وحين سألتهم عما حدث اثناء الساعات الماضية، أجابوني أن هناك عشر مسيرات خرجت في كرانة وحدها وأن الجولات ستبقى مستمرة للصباح، أخبروني أن الشباب القادمين يتوجهون إلى أبوصيبع حيث الحراك هناك لم يهدأ.

في الثانية عشرة والنصف كنا قد خرجنا للاستطلاع أنا واثنان. رأيت قوات الشغب تقتحم القرية وتطلق في كل الاتجاهات، فبادرنا بدخول أول منزل مفتوح الباب. تجلس امراة خمسينية بعباءتها على مقربة، أشارت لنا لدخول غرفة بها مجموعة من الشباب ورؤوس من البصل، بدوا واثقين تماماً من النصر، وكانوا يتحدثون حول المستجدات السياسية لا حول القمع القائم على قدمٍ وساق بالخارج .

الساعة الواحدة والنصف تقريباً ركبت سيارة أحد الشباب لتوصلني لسيارتي التي كانت موجودة في مكان قريب من كرانة، وكانت زوجته معه، لم يسألني أحد هناك عن اسمي لكن الجميع رحب بي.

هكذا مضى حفل الاستقلال وسط أجواء حميمة من الاستقبال، حمم المشاعر التي أبداها أهل البلد أهل   كرانة، وحمم مسيلات الدموع التي شارك بها الغرباء على هذا الوطن.

كان مهرجاناً من غير منصة ولا كلمات، لكنه كان مهرجاناً لا ينسى.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus