خليل المرزوق يجيب على أسئلة "مرآة البحرين": أوصلنا للنظام مشروعا يمنع أي غالبية من احتكار السلطة، ولم نشرب قهوة السلامة الوطنية

2014-06-25 - 11:27 م

مرآة البحرين (خاص): خليل المرزوق، براءة... هو ليس انتصارا للعدالة، العدالة في ثورة 14 فبراير غائبة، منذ اليوم الذي اعتقل فيه الأستاذ عبد الوهاب حسين، والأستاذ حسن مشيمع، وعبد الهادي الخواجة، وبالطبع إبراهيم شريف. لا يوجد نظام للعدالة في البحرين، هناك نظام للظلم، هكذا قالت هيومن رايتس ووتش.

براءة المرزوق أيضا ليست مقدّمة للمصالحة السياسية، ولا دفعا للحوار أو التفاوض بين النظام وأطراف المعارضة، ولا بشارة خير في طريق الحل السياسي.

حوارنا الذي أجريناه يوم أمس الأول مع خليل المرزوق في مكتبه بجميعة الوفاق، لم يكن شخصيا. لم يكن محور الحديث المحاكمة السياسية التي يتعرّض لها، والتي بُرِّئ فيها اليوم، بخلاف كل التوقّعات!

الحديث مع المرزوق هو لاستنطاق حكم آخر. حكم على اختناقات الظرف السياسي الراهن: انتخابات، محاكمات، حل المجلس العلمائي، حل مجلس بلدي العاصمة، الترويج لحل جمعية الوفاق، زج الآلاف في السجون، التحريض والاضطهاد الطائفي...

وثمة حكم آخر، يخص التعقيد الذي بلغ ذروته في المشهد السياسي الإقليمي: استهداف الدور الأمريكي، انعكاس الاضطرابات في العراق، الدور الإيراني، دور دول الخليج، علاقات المعارضة الدولية، بيان الدول 47،...

أردنا أن نتحدث مع المرزوق عن السياسة، عن الثورة، عن العائلة الحاكمة، عن الشركاء في الوطن، عن النزاع الإقليمي، عن داعش، عن أمريكا، عن إيران، عن السعودية، وليس عن شخص خليل المرزوق. وهذا ما أراده هو أيضا...

محاكمة المرزوق لم تكن تعبّر عنها ادعاءات النيابة العامة، ولا مرافعات المحامين ولا حتى حكم البراءة التي صدر اليوم بحقه. المشهد السياسي الذي يطوّق البحرين هو وحده ما يمكن أن يفسّر ويعبّر عن هذه المحاكمة.

قد لا تكون لدى السياسيين أحكام مطلقة، ولكن دعونا نقرأ ماذا لدى الوفاق وقوى المعارضة، ودعونا نستقرئ كيف سيكون عليه هذا المشهد السياسي المزدحم. تعالوا نسجل ماذا كانت مشاريع المعارضة، وأفكارها، وأشخاصها... كيف تفكّر الوفاق، كيف تقود، كيف تخطّط، وما دور الإقليم والدول العظمى في ضبط علاقتها مع النظام؟

إذن تعالوا نسجل هذه اللحظة، بكل أحداثها، المحلية والإقليمية، لأننا لا نعلم ما ستكون عليه الأمور، كما كنا لا نعلم أن ربيع المعارضة في دوار اللؤلؤة سينتهي بالآلاف إلى السجن والتعذيب، على رأسهم قادة الاحتجاجات عبد الوهاب حسين، مشيمع، الخواجة، شريف، ولاحقا نبيل رجب.

عقلانية المرزوق المفرطة

ليس من المبالغة في شيء أن نؤكّد بأن خليل المرزوق لم يبدُ مكترثا بمحاكمة اليوم. لا يمكن لشخص قلق من محاكمته أن يسرد كل هذه التفاصيل، وأن يهتم بنقل أدقها، حتى فيما يخص الشركاء في الوطن: تيارات الموالاة، التي ربما ستكون أكثر الشامتين به فيما لو زج في السجن!

كان المرزوق في أوج نشاطه، يمارس عمله واجتماعاته الكثيرة طوال اليوم. لا يزال مهتما بكل التفاصيل والتطورات، وعلى رأسها مصير المفاوضات مع النظام. سيبدو غريبا جدا لو أن هذا الرجل الذي كان يحدّثنا عن التفاصيل التي قدّمت إلى ولي العهد حول مشروع التسوية، دخل مكبّلا إلى السجن هذا اليوم! هذا التناقض لوحده يشرح الوضع المعقّد لعمل الوفاق وعلاقتها الصعبة بالنظام.

النفس الطويل، والعقلانية المفرطة، ليست أوصافا أدبية، هي فعلا ما يطبع عمل الوفاق وشخصياتها.

المرزوق 2

خليل المرزوق متحدثاً لمرآة البحرين

البحث عن شريك

"في التسعينيات كان المطلب هو البرلمان، الآن المطالب حكومة منتخبة وملكية دستورية. في ظرف هذه التغيرات والمساومات الإقليمية والدولية والمصالح الاستراتيجية، يمكن أن يأتي الضغط من الخارج على الحكم بتقديم تنازلات أكبر مما يمكن أن يصل إليه الاتفاق الداخلي. سيكون الحكم حينها مضطرا إلى التنازل، في حين نحن نريد أن يكون الاتفاق إرادة مشتركة لكل البحرينيين بما فيهم الرموز المغيبة في السجون" يقول المرزوق.

هل يبحث النظام عن شريك فعلي من المعارضة؟ "الحكم لا يبحث عن شريك بمعنى الند. الند بمعنى أنه شريك لديه مطالب يريد أن يحققها وليس شريكا جاء ليستسلم. النظام يبحث عن من يقدم تنازلات، إذا لم يقدم استسلاما".

في فترة السلامة الوطنية قالوا لنا تعالوا واعتذروا، عندما رفضنا اتصلوا بنا وقالوا "تعالوا، وتقهووا (اشربوا القهوة)، لا تقولوا أي شيء" قلنا لن نأتي، إذا كنا سنأتي فذلك لكي نجد حلا، لو وجد النظام فينا الاستسلام أو التنازل فإنه لن يعادينا، لن يذهب إلى محاكمات أو تشويه أو ضرب وغيرها. إذا لِمَ نتنازل إذا كلنا إرهابيون، وكلنا راديكاليون، وكلنا خونة وكلنا عملاء للخارج .

نتحرك لصناعة الشريك السياسي في الحكم

إذا لم يأت الشريك، هل نقول لا يوجد شريك ونوقف العملية؟ لا، نحن نتحرك من عنوان المبادرة وصناعة الفعل السياسي وصناعة الفرصة السياسية وصناعة حتى الشريك السياسي. صناعته بمعنى أن نفتح له أقصى درجات المجال في التحرك ولا أريد أن أذكر التفاصيل.

أعطينا أشخاصا في النظام فرصا كثيرة، لكي يتغير السلوك وتتغير المنطلقات التي يتعامل بها النظام مع الشارع. مستعدون أن نتعاون، ليس على أساس التنازل ولا على أساس إقرار الوضع القائم وتكريسه، في ذات الوقت الذي نبحث فيه عن شريك أو نحاول أن نخلق شريكا، نحن مبدئيا نقول لهم هذا خطأ وهذا صواب. هناك بعض الأخطاء لا نقولها علنا لنترك مساحات أكبر يتحرك فيها هذا الشريك، لأننا نعتقد أن هذا الشريك أيضا لديه تحديات، فكيف نساعده لتجاوز هذه التحديات.

ولكن في نهاية المطاف هناك حدود، إذا كانت هذه الشخصيات لا تتحرك، ماذا نستطيع أن نفعل؟

المجتمع الدولي لن يعترف بالانتخابات

الآن الحكم يريد أن يحشرنا في زاوية الانتخابات ويستخدم ورقة الانتخابات لمزيد من التنازلات. هذه الانتخابات ليست إلا صندوقا لا حياة فيه ولذلك لن ندخله. ليس هدفنا الانتخابات.

النظام كان يسعى من خلال الانتخابات التكميلية أن يدعي بأنه حل المشكلة، لكن المجتمع الدولي عندما رأى الحراك مستمرا قال للنظام عليكم أن تذهبوا إلى حوار جاد، يعني بصورة غير مباشرة لم يعترف بنتائج الانتخابات وأنها حلت الأزمة السياسية في البحرين.

لحسابات معينة، قد لا يعلق المجتمع الدولي على الانتخابات إذا ذهب النظام بمفرده إليها. لكنّه سيركز على مدى استقطاب النظام للمشاركة في نصف الدوائر الانتخابية، والتي ستقترب من الصفر. هذا الفشل سيقود إلى ماذا؟ إلى حديث المجتمع الدولي مجددا

عن التفاوض مع هؤلاء الذين لم يشاركوا في العملية السياسية.

كما السنّة في العراق

في العراق الكتل السنية ممثلة في البرلمان وشاركت في الانتخابات الأخيرة، لكن الأزمة السياسية لم تحل، والآن عدة أطراف تقول إنه يجب أن لا يكون هناك إقصاء ويجب أن تكون هناك شراكة سياسية. هذا الموضوع سيطبق على البحرين أيضا.

المجتمع الدولي سيقول للنظام: نظمتم انتخابات، لن نقول إنها انتخابات غير شرعية ولكنها لم تحل المشكلة، لم تحل مشكلة الإقصاء والتهميش، ولم تدمج كل المكونات في العملية السياسية، عليك أن تذهب إلى حوار ومفاوضات سياسية.

هناك مساحة من الوقت لدى النظام

أنا أقول إن هناك مساحة من الوقت. كل ما نحتاج له هو التخلى عن عقلية: يجب أن أنتصر على المعارضة في كل المواقع الأمنية والحقوقية والسياسية والاجتماعية والإدارية. يجب أن تتخلى عن عقلية أن آتي بالمعارضة ذليلة ومتنازلة ومستسلمة. هذا الحلم انتهى منذ أيام السلامة الوطنية، الآن تريد أن تجرب مرة أخرى، أنت تراهن على أوهام.

هل ندخل في انتخابات ليقال بعد ذلك إن التمييز تزايد، والتجنيس تزايد؟ إذا دخلنا في هذه الانتخابات في ظل هذه الوتيرة من التطهير والقمع والاضطهاد والتجنيس السياسي فسيكون ذلك انتحارا سياسيا. المشاركة لها تداعيات كبيرة وقد تكون مدمرة بهذه الطريقة فلذلك لا يتوهم الحكم أن ضغطه سيأتي بنتيجة. ومثل ما قال الدكتور منصور الجمري: السلطة تحاول أن تقول للمعارضة إما أن تأتوا وتستسلموا أو سيكون المستقبل أسوأ!

هذه وصفة تأزيم. كيف تحل المشاكل بعد ذلك؟ هل ندخل البرلمان لنتشاجر ونتصادم؟ أنت تريد أن تحول البرلمان القادم إلى بركان ينفجر بالوطن، وبدلا من أن يكون المكينة السياسية التي تحل كل مشاكل الوطن فإنه يفجّرها ويزيدها تعقيدا.

أمنيات سوسن الشاعر في استئصال الوفاق

هناك أمنيات لدى الكثير من الأطراف في السلطة ومواليها في أن تحل جميعة الوفاق، ولكن هل تتحقق هذه الأمنيات؟

نحن لا يقلقنا المزيد من هذه التقنينات لأن هذا في حد ذاته يجعل المرحلة متقدمة للمعارضة والشعب، سيكون لدينا ما يثبت ويوثق بصورة عملية أمام المجتمع الدولي أن هناك اضطّهادا طائفيا وسياسيا مقنّنا، هذا يجعل من أدوات المعارضة في التغيير متقدّمة خصوصا على المستوى العالمي، على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا، حيث بدأ تعاطي المجتمع الدولي مع نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا يتغيّر بعد هذا التقنين.

بيان جنيف على سبيل المثال، ينبِئُنا أن الفرص المستقبلية لما تطالب به المعارضة من إقرار آليات أممية أكثر فاعلية لصون حقوق الانسان في البحرين، زادت في ظل ما تقوم به السلطة اليوم من تقنين ومن مزيد من الاضطّهاد والتطهير، وذلك يزيد من زخم العمل، ويحقق لنا مزيدا من المكاسب مستقبلا رغم الأضرار والآلام التي يمكن أن تحدثها هذه الإجراءات في الوقت الحاضر.

النقطة الثانية ما الذي تمثلة الوفاق؟ الوفاق ليست مبنى أو مجموعة إدارية أو مجموعة أشخاص، الوفاق تمثل شريحة كبيرة من المواطنين داخل المجتمع ولها حاضنة كبيرة، إذا مسست بالوفاق أنت تمس كل هذه الحاضنة.

وإذا مسست المجموعة القيادية في الوفاق، ألن تبرز مجموعة قيادية أخرى؟ يمكن أن تلغي الوفاق أو تستأصلها على حد تعبير الكاتبة، ولكن أنت لا تلغي الحاضنة وهذه الحاضنة قد تدار من أي طرف آخر.

المرزوق 3

الوفاق ليست الإخوان المسلمين

الوفاق ليست الإخوان المسلمين، والوفاق لا تشكل 1% من الشعب البحريني، هل تدعو الكاتبة إلى استئصال كل الشريحة التي تمثلها الوفاق؟ لأن هناك من يفكر بهذه الطريقة، نرى التجنيس السياسي والتطهير من المؤسسات وسياسة التهجير وسياسة التفقير والمحاصرة السياسية والاجتماعية والدينية، هناك من يفكر في استئصال كل الشريحة ولا يقتصر على عنوان الوفاق، لأن مشكلته لن تحل باستئصال جمعية الوفاق.

على الذين يديرون العملية السياسية في البحرين أن يتوجّهوا لإيجاد حلول سياسية وليس لاستنساخ أسوأ ما يدور حولنا في العالم بأساليب قمعية واستئصالية، هناك تجارب في حل الأزمات ، هناك تجارب مصالحة، هناك تجارب مشاركة حقيقية، لماذا نستورد تجارب القمع والاستئصال ونترك التجارب الأخرى. المعارضة لديها أكثر من سيناريو ولديها أكثر من خطة تضعها في الحسبان لمواجهة أي تطور، وإن كانت تركّز على الحلول التي تجنب البلد التداعيات الخطيرة، لأنها استراتيجية، فهي أيضا تضع في حساباتها أخطر السيناريوهات التي يمكن أن تقدم عليها السلطة.

أوصلنا للحكم مشروعا يمنعنا من احتكار السلطة

أوصلنا من خلال قنوات رؤية أكثر تفصيلا إلى الحكم ولازلنا، قلنا لهم تعالوا نناقش الآراء التي قدمت في الاتصالات مع ولي العهد، تعالوا نناقش هذا المشروع، هل يحمل نفسا طائفيا أو سيطرة طائفية أو حتى سيطرة الأغلبية؟ هل يسمح هذا المشروع باحتكار القرار السياسي؟ طرحنا معادلات تمنع الأغلبية من احتكار السلطة التنفيذية ولا تسمح لها باحتكار القرار التشريعي ولا القضاء ولا الأمن ولا أي من أجهزة الدولة ولكن تجعلها شريكا أساسيا كما الأطراف الأخرى في القرار التنفيذي والتشريعي والقضائي والأمني.

حتى المؤسسات الضامنة للحقوق كالقضاء والنيابة العامة وأمين عام التظلمات والمحكمة الدستورية، طرحنا أن يكون اختيار مكوناتها وقياداتها بتوافق السلطة التشريعية بالثلثين، هذا يبعدنا عن السيطرة ويضمن أن تكون هذه المؤسسات مستقلة ، كما يصب في عدم احتكار القرار من أي نوع من المكونات السياسية سواء كانت أقلية، أغلبية، أو أيديولوجية.

هذا المشروع هو الذي يحل الإشكالات السابقة واللاحقة، ويمنع من تكرار سلبيات نموذج العراق ولبنان وغيرها من التجارب. قلنا إن هناك فرصة أن نقدم -نحن البحرينيين- كلنا سلطة وموالاة ومعارضة نموذجا يحتذي به الآخرون، لا أن ننقل مشاكل الآخرين للبحرين.

إلى الآن، ومع الأسف، لم تعط المعارضة الفرصة في كل الحوارات منذ 2011 لأن تناقش بانفتاح هذه الرؤية، دعهم ينتقدونها، دعهم يأتون بشيء أفضل، المشكلة أنّهم يأتون بنموذج يعيد تكرار ما يقولون إنه يحدث بالعراق (سياسة الإقصاء والتهميش) بغض النظر عن صحة ذلك من عدمه. يقولون ذلك، ثم يأتون بنموذج أسوأ منه في التهميش والإقصاء، وما تطرحه السلطة للحل أيضا ليس إلا نموذجا إقصائيا بدرجة أكبر ولكن بصورة ممكيجة.

الموالون يتحدثون في الغرف المغلقة بنفس مطالبنا ثم ينقلبون

بعض الإخوة في الموالاة عندما يتحدثون في الغرف المغلقة يتحدثون معنا وكأن المطالب التي يحملونها كالمطالب التي نحملها تماما أو على الأقل 80% منها. وعندما يكونون في الواجهة الإعلامية والإعلام المفتوح تراهم ينقلبون على كل ما قالوه في الغرف المغلقة، لأنهم يخافون من السلطة. إدارة المجتمع بسياسة "فرق تسد" أو "الترهيب" أو "الغنائم" لا تقدم حلا، هذه هي المشكلة، وهذا الذي يعيق الحل في البحرين، وليس أن المعارضة تريد أن تفرض غالبية سياسية.

نقول لهم إذا كان لديكم أفضل من هذا المشروع للشراكة الوطنية قدّموه، وإذا كنتم تعترضون على مشروع ما انتقدوه علميا ودعنا نشترك ونضع الحلول له لنتفادى هذه المشكلة. مثلما لديك هواجس مستقبلية من انتقالنا لوضع ديمقراطي أو مخاوف من الوضع الديمقراطي، هناك أناس تعاني اليوم من عدم الوصول إلى العدالة والمساواة والفرص المتكافئة، بل حتى العيش بكرامة، فماذا عنهم؟

هذا واقع يعيشه الناس الآن، هم لا يخافون منه مستقبلا بل يرزحون تحته، تحت واقع ظالم، ومثل ما لك الحق في أن تعالج مخاوفك وهواجسك المستقبلية، هذا الإنسان يحق له أن يعالج واقعا ظالما يعيشه اليوم ومنذ عقود. لنتغلب على هذا المشكلة، يجب أن ندخل في نقاش حقيقي في ما هو الوضع المؤسساتي والتشريعي والتمثيلي للناس، بحيث لا ينتقل هذا الواقع الذي تعيش تحته شريحة من الناس إلى شريحة أخرى، بل لا يجوز أن يبقى هذا الواقع ولا أن يفكر أحد في بقائه.

هل أصبح الحوار رسميا بين طوائف؟

لا أريد أن أكون مثاليا جدا، أريد الواقعية التي تقودنا إلى الحل وليس إلى التعقيد. العملية السياسية كلها متعلقة بفرز الدوائر الانتخابية، عندما جاء النظام وقسم البلد إلى دوائر موالاة ودوائر معارضة صارت الدوائر طائفية وجعل حدود الشيعة لا تتعدى 18 دائرة.

حتى حين صار هناك 3 رؤساء بلديين شيعة في 2002، النظام أعاد توزيع الدوائر البلدية في 2006 حتى لا تكون هناك ظهور للغلبة الشيعية حسب تفكيره لأنه لا ينظر لهم بأنهم مواطنون. هذا التفكير في مستوى إدارة البلد هو الذي يأتي بهذا الفرز الطائفي. لو اتجه الحكم إلى رسم الدوائر بصورة أدق على أساس المواطنة وجعل التنافس على أساس المواطنة لكانت العملية السياسية متقدمة أكثر مما هو الحال عليه.

إفرازات الدوائر والتشريعات كلها تضطهد مكونا معينا. عندما يميز ضد الشيعة وعندما يجنس ضد الشيعة وعندما تصدر قوانين ظالمة ضد الشيعة ويكون هناك جزء من حراك الجمعيات السياسية أن تدافع عن هذا الواقع لتغييره وإلغائه، تتهم هي بأنها طائفية، هل من يحارب التمييز هو الذي يقال عنه أنت أجندتك طائفية، أو من يفرض التمييز؟

أيضا جمعيات الموالاة تعمل ضمن كوابح وإجراءات رادعة وعقاب، هل هذا يفرز حراكا سياسيا قائما على تحررية أكثر من الواقع، أو ما يمكن أن يوصف به أنه واقع طائفي؟ بعد هذا كله كيف يستنكر أن لا يوجد هذه الجمعية السياسية إلا ناشطون من طائفة واحدة؟

لا نتحدث عن وفاق شيعية

إذا لم نستطع، بسبب التخويف، أن نستقطب الإخوة من التوجهات الأخرى والمذهب الآخر بصورة بارزة، فإن استراتيجية التكامل والتحالف مع الجمعيات السياسية الوطنية المختلطة تقاوم هذا الواقع المفروض علينا والذي لا نرغب فيه. نحن اليوم لا نتحدث عن وفاق شيعية، وإنما نتحدث عن معارضة مترابطة بها كل تلاوين الطيف البحريني.

كل هذا الواقع خلقته السياسة التي تنتهجها السلطة في كيفية إدارتها البلاد. المعارضة قدمت نموذجا رائعا جدا في "حوار التوافق الوطني" حين كان وفدها مكونا من كل مكونات المجتمع البحريني، نساء ورجال، وهو ما فشلت في تقديمه الحكومة والموالون. تلك كانت صورة حقيقية وليست صورة ديكورية، فالدكتورة منيرة فخرو لديها عطاؤها السياسي وكذلك عبدالله جناحي، وإبراهيم شريف، هذا الرمز الوطني لو كان في الخارج، لكان له دور أساسي في عملية الحوار والتفاوض. نحن نتكلم عن الإسلامي واليساري والليبرالي. هذا النموذج هو الذي تقوده المعارضة، والمعارضة قالت إنها لن تدخل إلا بقائمة وطنية واحدة سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية.

لو ابتعد هؤلاء عن أنانيتهم لقطعنا الشوط بشكل أسرع

هذا المشروع هو لكل البحرينيين، لكننا نحن الذين ندفع ضريبته. في نهاية المطاف الموالاة أيضا سيكون لهم تمثيل من خلال خياراتهم وليس من خلال اختيار النظام لوزرائهم بالتعيين. هذا الذي ندفع ضريبته اليوم، نشتم ونهان ونخوّن ونعتقل ويسقط منا شهداء، كل هذا ليس فقط للشيعة وليس للمعارضة، أول من سيجني ثماره هم من يعارضونه ويرفضونه.

هذه الأنانية وهذه النظرة الضيقة لو ابتعد عنها هؤلاء الأنانيون ووضعوا مصلحة البحرين فوق مصلحتهم الفردية والفئوية الآنية لقطعنا الشوط بشكل أسرع في التحول الديموقراطي، ولفرضنا إرادة الشعب على الحكم، وأنهينا الاستئثار بالسلطات وأعدناها إلى الشعب باتفاق يضمن تحقق الشراكة من غير إقصاء جديد.

حاليا الصد من الطرف الآخر وليس منا، اليوم إذا كان هناك أي أحد منفتح ومستعد للاتصال العلني أو المخفي، فنحن مستعدون للتواصل، ولكن الطرف الآخر هو المتخوف، ليس منا ولكن من عواقب اتصاله بنا، من السلطة!



حديث المرزوق يمتد في إلى الخارطة الإقليمية السياسية: دور دول الخليج، الدور الأمريكي، الدور الإيراني، الاضطرابات في العراق، وغيرها... في الجزء الثاني

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus