زرع الخوف في البحرين.. وما يشبهه!

يوسف سلمان يوسف - 2014-07-13 - 9:21 م

يوسف سلمان يوسف*

تساءل الكاتب العراقي اليساري علي حسين في "العمود الثامن"، الذي يكتبه يوميًا بصحيفة "المدى" العراقية: لماذا يرددون على أسماعنا جمل من عيّنة: "احذر أن تمدّ يديك لجارك لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السني لأنه قاعدة؟"..وأجاب باختزال شديد: "عندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك أصحاب نظرية حظر التجوال إلى الخوف من أقرب الناس إليك، ويصبح مصير البلاد معلقًا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر (القائد الأوحد)، عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضًا العفو الخاص!".

حين نتأمل لما جاء أعلاه بحرينيًا وعربيًا، نقرأ عوامل مشتركة في واقعنا العربي، والبحرين ليست استثناءً في زرع الخوف واليأس بين فريقين: فريق منشدي تغيير الأنظمة المتسلطة والاستبدادية، وفريق السلطات؛ كلما ضاق به الخناق والعزلة المحلية والدولية، سواء بالنسبة لشعبه، الذي ما عاد يثق به، أو شعوب وأنظمة العالم المحبة للحرية والسلام والديمقراطية التي لم تعد بإمكانها الدفاع عن نظام بهذا السوء خشية على مبادئها، ربما، ومصالحها الاقتصادية على المدى البعيد، وفق الدول الكبرى التي تخطط لمصالحها استراتيجيًا، باستخدام الأدوات ذاتها لتخفي ذواتها.

هناك أمور في البحرين لن ننساها، لا زالت ذاكرتنا طرية في استذكارها منذ حالة الطوارئ (السلامة اللا وطنية) وما قبلها، عندما انهزمت السلطة، إعلاميًا وأخلاقيًا وسياسيًا وحقوقيًا واجتماعيًا، ولم يجدِ حكم القبيلة الذي تنامى الشعور بكراهيته بوتيرة متصاعدة وسط البحرينيين، وتراكم الوتيرة ذاتها لخليفة بن سلمان، الجاثم على رئاسة الحكومة لأكثر من أربعين عامًا، وزيادة غطرسته، إضافة إلى حكم القبيلة الذي تمرّس بنهبه واستحواذه على جل الثروات والسلطات، وإفلاته من المحاسبة والعقاب، وكأن البحر والأرض ومن عليها وما في جوفها هبة إلهية له ولأحفاده. توحد الغضب البحريني حولهم فقدموا طعم التفريق والتمزيق وتجزئة المجزأ؛ "بين الشيعة والشيعة والسنة والشيعة والسنة والسنة والشيعة والسنة واليسار واليسار والقوى الوطنية تتضارب بينها" وتبقى قضيتنا الوطنية بامتياز، طائفية، أو محصورة بين متطرفين إرهابيين متشددين وعنيفين.

نزعة التغيير المتأصلة في الشعب البحريني، المناضل من أجل غدٍ أفضل، عبر مراحل نضالاته المختلفة لم تنقطع يومًا ما، إلا استثاءً لمتمصلحين، من أشخاص بعض الأطراف والطوائف والانتماءات اليمينية واليسارية، الّذين تم تغذيتهممن قبل السلطة فوجدوا مع الحكم (اتفاق غير مكتوب ومعلن) في تجزئة المجزأ خير علاج لزرع الكراهية والخوف بين أبناء الشعب وتأمين مصالحهم ومصالحها؛ مرة بالقول ضد دعاة التغيير: هذا علماني ملحد، ومرة أخرى ذاك سنيوهذا شيعي، روافض ونواصب، شيوعي سني وشيوعي شيعي، وألفوا قصصًا كـ"خرافة قطع لسان المؤذن السني" وخرافة "احتلال مستشفى السلمانية" وقتل الأطباء "الشيعة" للمرضى "السنة".

نتذكر خرافة قديمة سابقة للباخرة السوفيتية المحملة بالأسلحة والمتفجرات للشيوعيين بعد حل أول تجربة برلمانية (المجلس الوطني في العام 1975) زعمت باستهداف الشيوعيين البحرينيين شخصيات وطنية ومسؤولين حكوميين ومنشآت حيوية، بينما كاناليساريون أكثر ما يعملونه قراءة الكتب وتقديم الوعي التنويري بقدر ما يستطيعون، بينما وجدت هذه الخرافات منفذًا للانطلاق والاتساع، وعليه فلتت السلطة من العقاب لغطرستها وانتهاكاتها واستبدادها، واستمرت القبيلة في الهيمنةوالاستحواذ وقضم الأراضي والبحار، والفساد والإفساد.

كانت هناك دعوات كبيرة كاد الحكم أن يذعن لها للإقدام على تغيير، بما فيها تنحي رئيس مجلس الوزراء المعتق، وإن كان على مضض، لكنه سرعان ما التفت السلطة الخليفية حولها وأفرغتها من مضامينها لتستمر الأزمة.

قبل الخميس الدامي صرح الملك على شاشة تلفزيون البحرين، وبعد سقوط شهيدين، أنه يأسف لمقتل مواطنين، ودعا لتأبينهما في اليوم التالي لتخرج أكبر مسيرة جماهيرية قال أحد الكتاب الصحافيين الأجانب عنها:"لو خرجت مسيرة بهذه الضخامة في لندن لاستقالت الحكومة قبل أن تنتهي هذه المسيرة"، وقبل مضي أقل من 48 ساعة على تصريحه ظهر غدر الملك يوم فجر الخميس الدامي (سقط 5 شهداء و741 جريحا ومصابا بهجوم على نائمين عزل، أطفال ونساء، رجال وشباب، بينهم أطباء وطبيبات، صحافيون بحرينيون وصحفيات، وأيضًا أجانب).

بعد الخميس الدامي والعودة للدوار، عشية فرض حالة الطوارئ، كان لولي العهد سلمان بن حمد تصريح كبير آخر لـ"سي إن إن" وتلفزيون البحرين، وكان يكذب أيضًا، قال فيه: "أن البحرين ليست دولة بوليسية ومن حق المحتجين أن يتواجدوا في دوار اللؤلؤة وأين ما يكونون"، وطرح مبادرة النقاط السبع لحل الأزمة التي تجاوز عمرها أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة، وبعد يوم من طرح مبادرته هذه اجتاحت قوات درع الجزيرة البحرين "لحماية المنشآت الحيوية" وكان ما كان من استهداف المسالمين المحتجين الّذين حملوا ورودًا وأغصان زيتون وعلم وطني لبلادهم.. وتعرفون البقية، ومن بينهم سيارات شرطتهم التي تركها مرتزقتهم خوفًا من الأمواج التي تتقدم بصدور عارية ولاتخاف الموت، من أجل كرامتها وإنسانيتها وإيجاد حلول للأزمة الطاحنة في مراحل عديدة من مراحل مذبح النضال الوطني، من أجل الحرية والتغيير والديمقراطية والتقدم الاجتماعي واحترام حقوق الإنسان.

كان الصلح والتصالح ممكنًا في مرحلة الدوار، وكذلك الحوار لا زال ممكنًا، ولكن لا أحد يسأل كل مرة لماذا تأجل "صنع الحلول" للأزمة السياسية بالبلاد، ومن وراء التأجيل للحلول وآخرها زوبعة الأميركي "مالينوسكي" وطرده من قبل دولتنا العتيدة،"مركز الكون"، وهي صغيرة جدًا، لتطرد ممثل دولة كبيرة جدًا وهي "وحيد قرن عالمي يغيّر بأنامله أنظمة".. فقط تساءلوا حتى نستثمر ممكنات الكلام وتقليص ممكنات القتل والموت، فالعالم اليوم يعيش نقيضين: نقيض الدول التي تسعى للحياة والكفاءات والازدها والرفاهية لشعوبها، وعالم آخر يعمل حكامه عكس ذلك ليكون الناس عبيدًا في مزرعتهم أو رعية يقبلون بـ"عبودبتهم المختارة!".

 

*كاتب من البحرين.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus