تطهير البلديات: اللجان المكارثية 2-2

2011-08-28 - 1:58 م



مرآة البحرين (خاص): في 14 مارس الماضي بدأ مخطط التطهير يلوح في أفق وزارة البلديات والتخطيط العمراني. الوكيل محمد نور الشّيخ تولّى المهمة بفارغ الصّبر. بدأت الحملة بما سُمّي بلجان الغياب. تم تشكيل هذه اللجان في كل بلدية تتبع له، وأجرت عمليات يُشبهها الموظفون بمحاكم التفتيش، وسيق إليها جميع الموظفين الشيعة وفي مختلف البلديات. لم تكن اللجان متخصصة، وخلت من أبسط مقادير النزاهة والعدالة، وكان محرّكها الوحيد هو الانتقام الطائفي وإظهار أوسع ما يمكن من الكراهية. على إثر هذه اللجان، تم توقيف وفصل أكثر من 550 موظفا، لم يكن غريبا أن جميعهم ينتمي إلى الطائفة الشيعية، وأن الحجة كانت التغيب في الفترة بين 30 فبراير وحتى 14 مارس من العام الجاري.

لجنة محمد نور
 
محمد نور الشيخ
مورست في هذه اللجان أسوأ الانتهاكات. لم تراع أبسط حقوق الموظفين، وجرى التعامل والتحقيق على أساس الانتماء الطائفي، وبدون مواربة، فيما كانت التهم جاهزة وثابتة، ومن دون التعمّق في التفاصيل أو انتظار الأدلة. ولم يسلم من هذا الاجتياح الطائفي الموظفين الذين كانوا يمضون إجازتهم الرسمية، حيث كان الجميع متهما بسبب انتمائه المذهبي، فيما تم التغافل عن الموظفين الذين ينتمون إلى المذهب الآخر، بما فيهم أولئك الذين وردت أسماؤهم أثناء التحقيق، كما استرجعت رواتب هؤلاء بعد الاستقطاع الهسيتري الذي طال الموظفين.

      أوضحت لجان وزارة البلديات النموذج البشع الذي حلّ على بقية الوزارات، وأينما وُجدت الفرصة لإيقاع الانتقام الطائفي. يؤكد ضحايا هذه اللجان أنها "شكلية، ولا تمارس عملها بهدف التحقق من وقوع المخالفات"، وكان شغلها الوحيد هو "إيقاع العقوبة، وبأشد ما يمكن، بحق الموظفين الشيعة".
     كانت الخطة البديلة جاهزة، ووفق مشروع الإحلال الطائفي. لم تتأخر وزارة البلديات في شغل شواغر الموقوفين والمفصولين، وبادرت إلى فتح قنواتها مع جمعيتي المنبر والأصالة لإمدادها بالأسماء والملفات لأجل اتمام التعيين، ولم يُستثن المجنسون من هذه المزايا في حال تعذّر الحصول على أسماء من المواطنين السنة.
     أعطى الكعبي هذه الممارسات دعمه الكامل، ولم يتوان عن الموافقة على كلّ الإجراءات التعسفية المتبعة في ذلك. وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة التوجّه الحقيقي للوزير الكعبي من خلال الإعلان عن توظيف أكثر من 100 متطوّع في الوزارة لوضع اليد على أماكن الموظفين المفصولين والموقوفين عن العمل.

لجنة (أبو الفتح)
   
 
نبيل أبوالفتح
تولّى الوكيل نبيل أبو الفتح (ابن عم القيادي في جمعية الأصالة عيسى أبو الفتح) المهمة التكميلية لتطهير وزارة البلديات من الكودار والقيادات المهنية. يوصف أبو الفتح بأنه "موظف الديوان الملكي" في الوزارة، فقد أتى به الديوان ليُباشر مهمة أساسية وهي التغطية على سرقات الأراضي واستخراج إجازات الدفان وتمرير المعاملات السرية أو تلك التي يتعذّر تمريرها عبر المجالس البلدية، وهو ما حصل مثلاً مع مشروع مرسى السيف ونورانا وسواهما من مشاريع التعدي على المال العام.
       استندت لجنة أبو الفتح على الوشاية والأخذ بالظنون، يعبّر أحدهم بأنه "يكفي أن يتهمك أحد المخبرين من الموظفين الذين تم تشجيعهم للوشاية بزملائهم، ليأتي الإيقاف عن العمل ومن خلال الهاتف، ويكون الإيقاف إلى أجل غير مسمى" أي إلى أن يتم إعداد التهمة وتلفيقها. وبهذا الأسلوب، تمّ استهداف العديد من موظفي وكوادر البلديات، وكان من الواضح السرعة في إحلال عناصر تابعة للمنبر والأصالة مكان هؤلاء، الأمر الذي ينبيء عن استهدافات منظمة تمت بدافع الطمع بمواقع وظيفية معينة، وأنّ الاتهامات الملفقة كانت ستارا لتلك الأطماع الشخصية. هذا ما حصل مع الكودار القيادية تحديدا، ومنهم مدير عام بلدية المنطقة الشمالية عبدالكريم حسن، ومدير شؤون الموارد البشرية والمالية منير المسقطي، ورئيس مركز البلدي الشامل محمد ميرزا، ومدير الخدمات الفنية في الوزارة جميل إكسل وغيرهم.
 
التغذية الطائفية
      سيّر الكعبي ورفاقه مهمة التطهير بالاعتماد على الجوّ الطائفي العام الذي نشرته المجموعة العسكرية التي سيطرت على البلاد بعد فرض قانون الطوارئ. وكان واضحاً الحجم غير المسبوق من التحشيد الطائفي الذي أُغرقت فيه البلاد، وقد جُرّ إلى هذا الأتون كل المحسوبين على الطائفة السنية، ومُنعت الأصوات الوطنية من الاعتراض على التأليب الطائفي والذي استخدم أبشع الأوصاف والتصنيفات بحقّ أبناء الطائفة الشيعية، من قبيل الخونة، والصفويين، والمجوس.. وهي تعبيرات تم استحضارها خلال لجان التحقيق المكارثية.

     من جانبه، قدّم تلفزيون البحرين الرسمي دوره الآخر في توسيع التحشيد الطائفي وملاحقة أولئك الذين اتهمهم بالمشاركة في الاحتجاجات أو الحضور في دوار اللؤلؤة.
 
الراصد - حلقة البلديات- يوتيوب
وضمن البرنامج التشهيري المعروف، الراصد، خُصّصت حلقات خاصة بوزارة البلديات لاستكمال أو التحريض على مزيد من التطهير في الوزارة. وبين هذه الإطلالات، كانت حلقة ظهر فيها العضو البلدي السابق وليد هجرس، والنائب البرلماني محمد العمادي، والوكيل المساعد محمد نور الشيخ، وهم جميعا أعضاء في جمعية المنبر الإسلامي، بالإضافة إلى مشاركة عضو جمعة الأصالة عدنان المالكي.
  

وليد هجرس
 
وليد هجرس، ومنذ تصاعد الأزمة في 14 مارس، سعى لعقد اجتماعات مع موظفي الجهاز التنفيذي والمجلس البلدي في المحافظة الوسطى بغرض تجنيدهم في مهام التجسس والوشاية ضد زملائهم، وتعمّد إغراءهم بالحصول على المناصب في حال النجاح في إيقاع زملائهم الذين يشغلونها.
     أما محمد العمادي، فمن الجدير ذكره أنه زوج أخت سكرتير وزير البلديات، محمد ناجي، وهو ما أتاح له بسط اليد على ملفات الوزارة كافة، والإطلاع على كل ما يدور في مكتب الوزير.

    

النائب عدنان المالكي
 
وبخصوص عدنان المالكي، فمن المعروف أنه من الموالين الذين لا يجيدون شيئا في العمل السياسي العام، وهو ما اتضح من تصريحاته المتتالية بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وسيلته الوحيدة في الخطاب هي المزايدة، وإبداء المزيد من التملّق بالسلطة وبحسب الأجواء العامة التي تسودها، وكان بارزا أنه لوّح أكثر من مرّة خلال البرنامج المذكور باستجواب وزير البلديات في حال تراخى في تطبيق سياسة التطهير.

     في اليوم التالي لعرض البرنامج المذكور، شرعت الوزارة في ملاحقة الموظفين واستهدافهم بجريرة الانتساب المذهبي. ومن اللافت أن فيصل الشيخ وهشام الزياني اللذين يكتبان في صحيفة الوطن، سيئة الصيت، بادرا إل زيارة الكعبي واجتمعا معه مدة ساعتين مهددين إياه بالكتابة عنه في أعمدتهم في حال لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة بإيقاف وفصل الموظفين وإحالة أوراق بعضهم إلى النيابة العامة.

     منذ وقته، تسلّم محمد نور الشيخ الوزارة عمليا. عاث فيها فسادا وتطهيرا. لا أحد يجرؤ على الوقوف في وجهه أو دعوته للتريث والرحمة بأبناء وطنه، مسنودا في ذلك بجماعات ومجموعات طائفية لها تأثيرها المصيري على النظام.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus