ما لم يبح به وزير الخارجية حول التمييز في البحرين
يوسف سلمان يوسف - 2014-07-23 - 4:24 ص
يوسف سلمان يوسف*
التصريحات التي أدلى بها وزير خارجية البحرين مؤخرًا، حول العلاقة مع قطر، متهمًا هذه الدولة الجارة بتجنيس أهل السنة والجماعة في البحرين، ورفض تجنيس أبناء شيعة البحرين ومنحهم الجنسية القطرية، ينطوي على أمور مبطنة أكثر منها ظاهرة، ولا يعكس إطلاقًا حالة من التأسي أو التباكي على موقف يوحي من حيث الظاهر بالتمييز بين مكونات شعب البحرين، أو ما عبر عنه بقوله " إنك تفرق بين أبناء البحرين". فحكومته هي آخر من يتأسى على التمييز، لأنها غارقة حتى الأذقان في تمييز فارط بين مكونات شعبها، ولا يحق لها البكاء وذرف الدموع التماسيحية على حال أبناء شعبها، لأنها متورطة حتى النخاع في ممارسات تمييزية مقيتة ضدهم، وبنت سياساتها على التفريق بينهم، على أسس مذهبية وعرقية وقبلية وطبقية، ولم تترك شكلًا من أشكال التمييز والتفرقة والفصل إلا مارسته على نطاق واسع، فكيف ترمي بحجارتها على البيت الزجاجي لجارتها وبيتها من زجاج؟ أو على رأي القول الشائع "أختك مثلك".
فمن حيث الممارسة هي مثل أختها وجارتها، إن لم تتفوق عليها بكثير في ممارساتها التمييزية الممقوتة. وقد ألمح الوزير في تصريحاته، دون أن يبوح أو يفصح تمامًا عن مكنوناته، بأن "موضوع الجنسية له جانب أمني، يؤثر على استقرار البلد ويفرغه من أهله"، فالذي لم يفصح عنه هو أن عملية التجنيس التي تضطلع بها دولة قطر لأهل السنة والجماعة في البحرين، بحكم ارتباطهم القبلي والأسري بأبناء قطر، ستؤدي إلى تفريغ البحرين من المكون السني، أو إضعاف وجوده فيها، وهو عكس توجهات السياسات المتبعة من قبل السلطة البحرينية والهادفة إلى تقوية هذا المكون، من خلال زيادة أعداده وتمكينه، وإضعاف المكون الشيعي وتهميشه، وذلك عبر خطة تغيير الواقع الديمغرافي في البلاد من خلال التجنيس السياسي، ولو على حساب الهوية والثقافة الوطنيتين، لأن سلة التجنيس تحوي تشكيلة متنوعة من الأجناس والأعراق والأقوام والثقافات والأديان والمذاهب، لكي تكتمل الحلقات المحكمة للتجنيس السياسي ضمن حبكته المرسومة، وهي عدم التجانس بين المكونات الجديدة بعضها ببعض من جهة، وبينها وبين السكان الأصليين من جهة أخرى، وبالتالي خلق واقع ديمغرافي مفكك وغير متجانس يصل به الحال إلى حد التنافر بل حتى التضاد.
وبالإمكان أن نستشف من خلال تصريحات الوزير البحريني على نحو بين بأن منظوره لعملية التجنيس المضادة الجارية في قطر يرتكز على اعتبارها عملية مربكة لحسابات عملية التجنيس الجارية في البحرين، ولو كانت عملية التجنيس القطرية تجري بصورة معاكسة تمامًا لما هي عليه الآن وهو تجنيس أبناء شيعة البحرين وليس أبناء السنة والجماعة فيها، لما أبدى أي " أسى" أو تباكى على ذلك، بل كانت موضع ترحيب منه، لأن سياسة التجنيس المتبعة من قبل حكومته تقوم على أساس خلق الظروف الطاردة لأبناء المكون الشيعي البحريني، والتي تحملهم على ترك وطنهم تحت ظروف قاهرة، وبالتالي تؤدي إلى تفريغ المكون الشيعي من البحرين. وهو في منظوره يرى أن التجنيس القطري يفكك محكمات التجنيس البحريني ويفسده، بمعنى أنه يسير في مسار معاكس لمسار التجنيس البحريني، وإن كان كلاهما يتفقان في بعض الأهداف وعلى رأسها خلق واقع ديمغرافي ملائم أمنيًا وسياسيًا للسلطتين الحاكمتين في البلدين. وقد مضى في تصريحاته إلى حد اتهام قطر بأنها "تتعامل في الموضوع على أساس مذهبي، إذا كان سنيا من قبائل عربية من أهل البحرين فالباب مفتوح، وإذا كان شيعيًا فالباب أمامه مغلق"، فعند سبر أغوار مكنوناته، وهو ما لم يفصح عنه عندما اتهم التجنيس القطري بأنه قائم على أساس مذهبي، نتلمس منها أنه يتخوف كل الخوف من تفريغ البحرين من المكون السني، وهو المستهدف بعملية التجنيس القطرية المضادة، لأن هذا ينسف عملية التجنيس البحريني من الأساس ويفرغها من محتواها وأهدافها المرسومة، فالتفريغ ليس مقبولا عندما يستهدف المكون السني لكنه سيكون مقبولًا إلى حد الترحيب عندما يستهدف المكون الشيعي، وهذا ما تختزنه المكنونات الكامنة وراء التصريحات الطافحة بالاتهامات. كما أنه يتخوف من استهداف قطر لتجنيس أبناء السنة والجماعة المنحدرين من قبائل عربية من أهل البحرين، وهنا نزعة قبلية وعرقية في تصريحاته، لكنه لن يبدي تخوفا مماثلًا إذا ما استهدف التجنيس القطري أبناء السنة من الأصول غير العربية، لأن حكومته تمارس تمييزا على هؤلاء لدواع إثنية وعرقية، فهولاء لم يذكرهم في سياق تصريحاته، لأن حرصه ينصب على أهل السنة من أبناء "القبائل العربية" وليس من ذوي الأعراق غير عربية، مما يعني على نحو مبطن أن لا مانع لديه اذا ما استهدف التجنيس القطري هؤلاء، لأن هؤلاء خارج دائرة الحظوة لدى حكومته.
إن ما يضايقه ويثير استياءه وحفيظته أن عملية التجنيس القطري تتصادم من حيث الاستهداف مع نظيرتها عملية التجنيس البحريني، وتربك الخطة المرسومة لها لانها تؤدي، حسبما يتصور، إلى استنزاف المخزون البشري العربي السني من البحرين وتنمية هذا العنصر في قطر على حساب هذا العنصر في البحرين. إن من يمارس التمييز بأي شكل كان لا يضيره إطلاقا فيما إذا مارس غيره شكلا من أشكال التمييز، بل يسره ذلك لأنه سيعطيه دافعًا مشجعًا لعمله التمييزي، باعتباره ليس فارس الميدان وحده، بل له شركاء وقرناء ونظراء، لكن ما يضيره ويتأسى له حقا أن تسير عملية التجنيس لدى غيره على غير ما خطط له في عملية التجنيس لديه القائمة أساسًا على التمييز، أو تؤثر على أهدافها المرسومة، فالمستهدف في عمليته ليس هو المستهدف في عملية غيره، وهذا ما يخشاه لأنه عمليته ستكون عرضة للإرباك أو تفقد بوصلتها اتجاهها، وهذا ما اختزنه في مكنوناته ولم يفصح عنه.
* كاتب من البحرين