أم الشهيد علي الشيخ : علييييييييييييي!!! أعيدوا لي (عليا)

2011-08-31 - 12:46 م


والد الشهيد يحكي قصة استشهاد ابنه
والد الشهيد علي الشيخ(يمين)، والد الشهيد علي المؤمن(يسار)

 
مرآة البحرين (خاص): وفق قاعدة الخصوصية، لسنا كتونس، ثم لسنا كتونس ومصر! ثم لسنا كتونس ومصر وليبيا! لنا عاداتنا وتقاليدنا.
ومن عاداتنا وتقاليدنا أننا لا نحب الحياة، ولا ننشر رائحة البخور صباح العيد، ولا نسمع قهقهات الكبار وضحكات الأطفال. الأطفال! أليس هؤلاء هم ممن "صفح" عنهم الملك إثر إساءتهم له ول(رجال المملكة)؟ نعم، وشدد على روح التسامح واحترام القانون واعتبر ما تمّ توثيقه من انتهاكات ضد المواطنين مخالفات (فردية). ولعل هذا ما التقطه أحد (رجال المملكة) من الذين يتلقون أوامر الإطلاق بصورة (فردية)، فأصاب بطلقة من مسيل الدموع رأس فتى كان يتظاهر في جزيرة سترة، على مسافة 5 أمتار. كان جواب وزير الداخلية: تحلي رجال الأمن بالانضباطية أفشل المحاولات لجر البلاد الى حالة من عدم الاستقرار.

فاحت رائحة الدماء، وسُمع نشيج الكبار وتقاطرت دموع الأطفال، لقد استشهد علي جواد الشيخ (14 عاماً). نقل بواسطة المدنيين إلى مركز سترة الصحي، حيث أوامر ( المشير) تحكم عمل المراكز الصحية، معاينة جسد المصاب حرام، بل جريمة ترقى لمستوى خيانة الدولة. هناك استشهد، وهناك غابت دولة المواطنة التي تحفظ الحياة وحضر (رجال المملكة) الذين يُخفون الحياة ويتفنون في منح أسباب اختفائها. أخذوا الجسد الجريح نحو مستشفى السلمانية المحتل عسكرياً ومخابراتياً. الأهالي تنتظر تزوير واقعة الاستشهاد التي يتخفى شهودها خشية الاعتقال.
 
مملكة البحرين الواقعة على خط زلزل الربيع العربي تقاتل بلحمها، والإعلام لا يرفرف حولها. هنا، لا اكتراث عالمي بحمام الدم. عيون المجتمع الدولي شاخصة نحو آبار النفط الليبي ومتطلبات تقسيم الكعكة الليبية. الأميركي وحلفاؤه خصوصا السعوديين، لا يرى إلا ربيعاً واحد فقط يجب أن يزهر في دمشق، فقط في دمشق المظلوم أهلها، هكذا يريد سدنة النظام العالمي وحلفاؤه.
 
أما البحرين وثورتها وانتفاضتها، فتشبه بيت حمزة بن عبدالمطلب في المدينة المنورة بعد استشهاده في معركة أحد، كان أهل المدينة يبكون قتلاهم، ومر الرسول محمد (ص) ببيت حمزة  الذي كان خالياً، فقال الرسول "ولكنّ حمزة لا بواكي عليه". لا بواكي ولا أنصار  للبحرين إلا حشد من المنظمات الدولية، وأعداد من الناشطين الشرفاء في بلاد الغرب والعرب.
 
شمس الثامنة وأربعين دقيقة
 
مخضباً بدمائه في مركز سترة الصحي
سقط الفتى الشهيد علي جواد الشيخ، فيما كانت أمه تجهز له ملابس العيد، سقط وكانت أمه تعدُّ له الحلويات التي يحبها ابنها البكر، كانت تتأمل طول ملابسه وكيف شب الفتى بسرعة، كانت تشمّ تلك الملابس وتفكر بنوع العطر الذي ستطيبها به.

قبل التاسعة وتحديداً بعد الثامنة  بقليل، أنهى (علي) صلاة العيد. تحلق ورفاقه يقرؤون الفاتحة على قبر الشهيد علي المؤمن، صاحب أشهر شعار ثوري مدني "نفسي فدا وطني" كان علي ورفاقه يعيدون كرة التظاهر السلمي، أعينهم شاخصة نحو مشهد اللؤلؤة التي أعاد دم المؤمن ورفاقه ناسهم إلى فضائها. اللؤلؤة التي كانت عنوان مسيرات مساء اليوم الفائت الحاشدة. مشى على ورفاقه، في الوقت نفسه الذي خرج علي المؤمن وفاقه قرب دوار اللؤلؤة في 17فبراير، يهتفون تحت أشعة شمس الثامنة وأربعين دقيقة (8:40).


الشهيد علي طاهر
 
الشارع رقم واحد في سترة، وهو الشارع الذي تتركز فيه المظاهرات، انطلقت مسيرة صغيرة شارك فيها علي جواد ذو الأربعة عشر عاماً، ساروا باتجاه الغرب حيث تغيب الشمس آخر النهار. وصلت دورية من (رجال المملكة) المرتزقة. صعدت على الرصيف المحاذي. مرت المسيرة الصغيرة. يخرج مرتزق  لا يُعرف من أي بلاد أتى به النظام ليكون من (رجال المملكة)، كان سلاحه محشواً بقنبلة غاز مسيل للدموع، وجهها مباشرة نحو وجه (علي) الذي خرّ صريعاً في الزقاق الذي استشهد فيه ابن عمه، علي طاهر(17 عام) وهو يهتف: "البرلمان هو الحل"، على يد (رجال المملكة) في 2/7/1996 ولم يعتذر، بعدُ، عن ذلك أحد من (رجال المملكة).
 
تلقّفته يد أصدقائه الذين ركضوا به ناحية المركز الصحي. هناك، لم تجرؤ الطبيبة الموجودة على خيانة أوامر رجال المملكة، نعم لن تمدّ يدها لتتحسس جسد علي، ليست هناك أوامر من المشير تسمح بالعلاج. نحو (9:40) قضى (علي) شهيداً، غسلته دموع أصدقائه الساخنة، لم تمض دقائق، حتى وصلت طلائع المخابرات وقوات المرتزقة، حاصروا المركز الصحي، استجوبوا حارسي المركز عمن أحضر جسد عليّ الشهيد، لم يحصلوا على الجواب المناسب، فتم اعتقال الحارسين. بعدها، تم اختطاف الجسد، أخذوه إلى مستشفى السلمانية المحتل، ليخيطوا رواية جريمتهم في قتل قربان العيد البحريني الأحمر.

علييييييييييي
 
من بلاك بيري الشهيد
سلمية، إن عطاء الدم ثمن الحرية


الشهيد علي الشيخ
 
وصل الخبر لأم الشهيد علي، عرفت أن شمها لثياب علي كانت لحظة وقوعه صريعاً على أرض الوطن، وأن علياً تعطر بدماء شهادته، وأن طوله قد شبّ في صباح هذا العيد ليصبح بطول الوطن. علمت أن علياً اختار يوم العيد، ليعلن اكتمال زهرته، وأنه التحق بقافلة المجد التي أبحرت قبله، لكنها عادت اليوم لمرافىئ سترة لتقله نحو  السماوات.
 
فتحت عينها نهر دمع، أخذت الأم تصرخ: عليييييييييي، أعيدوا لي عليا، أصبح المنزل مزاراً، مكان بكاء وتبريك بالشهادة، يختفي العيد ويبقى التبريك، سكون الموت يلف غرفة علي. صار الأب  يتلقى العزاء، بعد ساعة واحدة من دعائه "اللهم رب هذا اليوم الذي جعلته للمؤمنين عيدا"، لا أكثر.  لقد تغيّر كل شيء، وإلى الأبد. وصار لعلي عيد ميلاد وعيد شهادة!
 
 والد عليّ يتسلم هاتفه البلاك بيري، يفتح بروفايله، ليرى ما كتبه عليّ الشهيد في بروفايله الخاص، كتب علي: "سلمية، إن عطاء الدم ثمن الحرية".  كم كنت صادقاً ياعلي، بسلمية خرجت وهتفت، وبدمك تعبّد طريق الحرية.

روايات البراءة
لم تمر إلا نحو نصف ساعة، خرج مدير أمن المحافظة الوسطى، ليطلب من المواطنين الإدلاء بأي معلومات تُوصل إلى الجاني! وفي مفارقة غريبة على مشهد القتل"وزارة الداخلية ترصد مبلغ 10000 دينار كمكافئة لمن يدلي بمعلومات توصل الوزارة إلى معرفة الجاني في حادثة وفاة المواطن علي جواد بمنطقة سترة، وللإدلاء".

 
رجال الدولة تحاصر المركز الصحي
 وزارة الصحة الواقعة تحت رجل المشير ذكرت "أن إحدى الأسر جلبت ابنها البالغ من العمر 14 عاماً إلى مركز ستره الصحي وهو في حالة وفاة.وقالت الوزارة انه تم إبلاغ الجهات المعنية بالحالة، مشيرة الى انها ستعلن أسباب الوفاة فور صدور تقرير الطبيب الشرعي".

كانت المخابرات تترصد قبل نصف ساعة فقط أسماء من حملوا جسد الشهيد إلى المركز الصحي، فحمل الجرحى والشهداء جريمة لا يصفح عنها (رجال المملكة)، وأهل سترة يعلمون أن عبدالمنعم منصور الذي حمل جسد الشهيد أحمد فرحان، قد اختفى في السجون منذ شهر إبريل الماضي.

 دم الضحية لم يبرد بعد، وروايات رجال المملكة وأسلحتهم لم تكف بعد، مدير أمن الوسطى يقول إن قواته لم تكن تواجه أية مسيرة للخارجين عن القانون، كلامه صحيح، فالخارجون عن القانون هم من قتل علي الشيخ.لم يكن هناك خارجون عن القانون، كان هناك مواطنون يتظاهرون. شباب وفتيان يتلوون تحت سيف قانون سلطة الفرد والقبيلة ويريدون الخروج من قمقمها إلى فضاء قانون دولة مدنية متحضرة. كان هذا هو الجرم، ومكانه داخل رأس المواطنين. وكان عقاب علي الشيخ ميدانياً، وقد عولج موقع الجريمة.
 
في انتظار شهادة الشهادة
قررت عائلة الشهيد أنها لن تتسلم الجثمان إذا ما تم إصدار شهادة وفاة بأسباب مزورة لوفاة الشهيد،  تقاطرت حشود المواطنين نحو سترة، الكل يقصد سترة، جذبتهم دماء علي المهدروة على الأرض كالمغناطيس، تجدد شعور الثورة أكثر، توقدت النفوس، التشييع سيكون غداً صباحاً إذا ما تمّ استلام الجثمان.
 
هذه عاداتنا وتقاليدنا في البلد المختلف، البحرين! من قال إن الناس تحب حلوى العيد؟ إنهم يفضلون مرارة الطلقات المرّة! وهم لا يحبون البخور ولا يرغبون في الحياة ولا الفرح على مقاسهم. إنهم لا يستحقون الحياة أصلا.
 
دون ضجيج إعلامي، يصنع البحرينيون أعظم ملاحم التاريخ الوطني والإنساني، دون ضجيج.
 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus