أوبن ديموكراسي: الديبلوماسية البريطانية: علاقات المُعَذّبين العامة

2014-09-09 - 1:32 ص

ديفيد ويرينغ، موقع أوبن ديموكراسي

ترجمة: مرآة البحرين

اعتقلت مريم الخواجة التي أجرى معها ديفيد ويرينغ مقابلة في "أوبن ديموكراسي" بعد وصولها للبحرين لزيارة والدها سجين الرأي والمضرب عن الطعام، في الوقت الذي كانت المملكة المتحدة تدعم وَهم "الاصلاح" البحريني طوال الوقت.

واعتقلت الحقوقية مريم الخواجة فور وصولها إلى مطار البحرين نهار السبت لزيارة والدها، سجين الرأي، والمضرب عن الطعام الذي تدهورت حالته الصحية بشكل سريع. هذا ومُنعت الخواجة من التواصل مع محامٍ، فضلًا عن اتهامها بالتعدي على شرطي وإهانة (انتقاد) الملك، الأمر الذي يترتب عليه السجن لمدة سبع سنوات،. ويقول المعارض نبيل رجب "إن تهمة التعدي على شرطي أصبحت شائعة عندما لا تمتلك الحكومة أي شيء ضدك". أما تهمة الخواجة الحقيقية فهي تعبيرها عن وجهات نظر ممنوعة تنص أنه يجب على البحرين أن تكون بلدًا ديموقراطيًا يحترم حقوق مواطنيه الأساسية بدلًا من تعذيبهم الممنهج وقتلهم.

وتزيد الأحداث تعقيد جهود المملكة المتحدة للتحول عن نقد محميتها الأمبراطورية السابقة وحليفتها الاستراتيجي الحالي بعد القمع الوحشي في العام 2011 ضد التحرك السلمي المؤيد للديمقراطية. ومنذ ذلك الحين، كان الموقف الرسمي للحكومة البريطانية يعترف بحصول أمور مؤسفة وبأن البحرين ما زالت تعاني من بعض المشاكل إلا أنها باشرت بشكل أساسي ببرنامج إصلاحي كبير يتناول مشاكل الحقوق السياسية وحقوق الانسان. ليس هناك ما يدعو للنظر هنا، الرجاء غض النظر والمتابعة. ولكن لسوء حظ الديبلوماسيين والسياسيين البريطانيين، هناك أصوات موثوقة أكثر، مثل منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الرائدة عالميًا والتي كان تحليلها للوضع مختلفًا تمامًا.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أي بعد سنة على إعلان النظام البحريني عن برنامجه الإصلاحي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يصف التعهدات الرسمية "بادعاءات" "وُضِعت على الجدول" بطريقة فعالة لصالح تمديد الحملة المناهضة للديمقراطية. واتهم التقرير كلًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بـ "إرضاء أنفسهم بقصة الإصلاح مع تجاهلهم لحقيقة القمع" وبفشلهم بالقيام "بأي أعمال ذات معنى أو تبعات" تتوافق مع تعابير القلق الدوري . وكما هو متوقع، عندما رحب ديفيد كاميرون بالملك حمد في شارع داونينغ، أعلن المتحدث باسمه أن رئيس الوزراء "شجع جلالته على الاستمرار بإظهار تقدم ملموس في جميع جوانب الاصلاح".

وفي يناير/كانون الثاني من هذه السنة، لاحظت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الوضع في البحرين قد "تراجع فعليًا بشكل أكبر في أمور رئيسية في العام 2013" وكذلك لاحظت استمرار القمع والتقارير المُوثّقة عن التعذيب في السجون. و اعتبر جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، "أن الحديث الرسمي عن الاصلاح في الوقت الذي يشار فيه إلى ناقدي الحكومة السلميين بالإرهابيين وفي الوقت الذي يزجون به في السجن مجرد سخرية". وفي الشهر نفسه، بينما كان دوق يورك في زيارة رسمية إلى البحرين لتعزيز الأعمال البريطانية، علقت منظمة العفو الدولية بأن النظام قد " نكث منذ زمن بوعوده بالاصلاح وأن البلد عالق الآن في دائرة من حملات الاحتجاج...، [في ظل وجود] متظاهرين يحاكمون بالسجن لفترات طويلة ولا يخلو الأمر من سجن الأطفال أيضًا". وعلى الرغم من هذا كله، وصف السفير البريطاني في المنامة سنة 2013 "كسنة جيدة جدًا للعلاقات البريطانية البحرينية الثنائية [التي] ستؤتي بمستقبل مشرق" بغض النظر عما إذا كان هناك أي احتمال من معاملة الحكومة البحرينية لمواطنيها كمخلوقات بشرية.

ويحاول المسؤولون البريطانيون المحافظة على ادعاء "الإصلاح" و"التقدم" مادحين المبادرات الفارغة ومتجاهلين عدم وجود مغزى منها؛ فهم يشيدون بحوار الملك الوطني واصفين إياه "بالحل الوحيد لتعزيز السلام والاستقرار" ويحثون على "بقاء جميع الأطراف مشاركة في العملية". لا يشرح المسؤولون البريطانيون كيفية سجن البحرينيين لتعبيرهم عن آراء معاكسة قد تتعلق بهذا الحوار أو العدد الكبير لسجناء الرأي الموقوفين من قبل النظام. ليس أمامنا إلا أن ندعو بمفردنا إلى إطلاق سراح هؤلاء المسجونين. هذا ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش الحوار الوطني "بالمعيب"، ذاكرةً أن تسعة من مجموع الدول ال 27 المشركة فقط متصلة بالحكومة. وفي بداية السنة، كان يوجد في السجن 13 مسجونًا من القياديين البارزين في التظاهر السلمي بسبب ممارستهم لحريتهم في التعبير عن الرأي، في الوقت الذي علق فيه النظام الحق بالتجمهر. لا تبدو أن هذه هي الظروف الواعدة لاقامة "حوار وطني".

وفي مكان آخر في قصر وايت هول في قرية بوتيمكين للإصلاحات البحرينية، قال وزير الشؤون الخارجية، هيو روبرتسون، في زيارة مؤخرًا إنه "سعيد برؤية المختصين البريطانيين يساعدون على إجراء تغيير حقيقي خاصة على صعيد إنشاء ديوان المظالم" وذلك عبر المساعدة البريطانية والنصيحة. غير أن هيومن رايتس ووتش لاحظت أن ديوان المظالم لا يقوم بأي خطوات لمساءلة المسؤولين الرفيعين عن قمعهم الواسع والعنف والتعذيب خلال السنوات الثلاثة الأخيرة أو الإفلات من العقاب في ظل خدمات الأمن. وقد ذكرت المنظمة كذلك أن النظام قد اتخذ خطوات شكلية كـ "إصدار قوانين جديدة للشرطة تتضمن مدونة قواعد السلوك وتأمين تدريب في مجال حقوق الانسان"_ فقط كنوع من لفت الانتباه من قبل القصر. غير أنه في الواقع، "استمرت الشرطة باعتقال المدنيين من دون مذكرات ووضعهم في سجون انفرادية لأيام أو أسابيع حتى، وبمنعهم من التواصل مع المحاميين وبتعذيبهم وبمعاملتهم معاملة سيئة؛ فالشرطة تضرب المحتجزين وتركلهم وتشتمهم وتهددهم بالاغتصاب"- وهو تمامًا النوع الذي يفضل الديبلوماسيون البريطانيون التقليل من أهميته وذلك للحفاظ على وهمهم بأنهم يسيطرون على الوضع.

ويتضمن تقرير حقوق الانسان والديمقراطية الأخير الصادر عن وزارة الخارجية دراسة عن حالة عن البحرين تحت عنوان "التقدم في تطبيق الإصلاح" تصف "المسار العام لحقوق الانسان" بال"إيجابي" (وإن كانت بعض نطاقات الإصلاح أبطأ مما أملنا). هذا ورفضت منظمة هيومن رايتس ووتش بصراحة هذا الوصف حيث يقول جو ستورك عن البحرين إنها اليوم مكان حيث يواجه الشرطي الذي يقتل متظاهرًا بدم بارد أو يضرب معتقلًا حتى الموت حكمًا بالسجن لستة أشهر أو ربما لسنتين، بينما قد تُعرّضك المطالبة السلمية بأن تصبح الدولة جمهورية للسجن المؤبد". بالإضافة إلى ذلك، "سيبقى الاستقرار والإصلاح بعيدين عن متناول البحرين طالما أن حليفتها، المملكة المتحدة، تقدم دعمًا غير مناسب مقابل ازدياد الأدلة عن الانتهاكات".

ومن الكلمات التي تستخدمها مريم الخواجة عند مناقشة الوضع في البحرين "الإفلات من العقاب." فإفلات شرطي يستطيع قتل أو تعذيب مواطن من دون الخوف من تلقي العقاب المناسب؛ وإفلات مسؤولين رفيعي المستوى يستطيعون تسلم مناصب في هذا النظام الشرس لسنوات عدة من دون الامتثال لأي شكل من أشكال العدالة؛ وعلاوةً على ذلك، إفلات النظام نفسه من العقاب..هذا النظام الذي يستمر بالاستفادة من التحالفات العميقة مع الأمريكيين والبريطانيين، فالسبب الذي يدعو مريم للفت النظر إلى الافلات متعدد الطبقات هو أنه يساعد في القمع.

ووفقًا لنيكولاس مكجيهان الباحث في منظمة حقوق الإنسان، فإن " حلفاء البحرين الغربيين يتحملون مسؤولية تدهور حقوق الإنسان في البحرين والظروف المأساوية التي يواجهها الناشطون في البلاد. فلو بذلت المملكة المتحدة والولايات المتحدة أو الإمارات العربية جهودًا حقيقية لإطلاق سراح عبدالهادي الخواجة وسراح معارضين آخرين رفيعي المستوى، لما أضرب الخواجة عن الطعام ولما كانت ابنته معتقلة في سجن في مدينة عيسى منتظرة جلسة استماع تحدد مصيرها. ولكن عوضًا عن ذلك، فضّل حلفاء البحرين سياسة تهدئة ورضوخ كارثية وبقوا صامتين في وجه انتهاكات حقوق الإنسان التي كانوا سيدينونها، لا محالة، إن حصلت في بلد أقل أهمية على المستوى الاستراتيجي".

وهناك سوء فهم شائع مفاده أن الحكومة البريطانية تدعم السعودية وأنظمة مختلفة في الخليج على الرغم من طبيعتها القمعية. في الواقع، إنها تدعم هذه الدول بسبب أنظمتها القمعية. وتعتبر منطقة الخليج منطقة استراتيجية ذات أهمية كبرى بالنسبة للحلفاء الغربيين الذين يُسمح لهم بالتصرف بحرية بحيث يحافظ الملوك والأمراء على مواقعهم في السلطة مهما كانت التكلفة بالنسبة لرعاياهم، فالإصلاحات مرغوبة فقط في إطار المساعدة في إخراج البلاد من الوضع الراهن. فعندما بدأ الربيع العربي في البحرين في أوائل العام 2011، دعا إلى حقوق مدنية وانسانية وسياسية تمثلت بتهديد وجودي لسياسة الخارجية البريطانية التي استمرت لأكثر من قرن.

إذًا فالتعذيب في البحرين ليس كما أرادت له وايت هال أن يكون، سياسة سببها النقص في التدريب. التعذيب والقمع متلازمان ووظيفتان ضروريتان لأي دولة معادية للديمقراطية. هذا الأمر بات معلومًا للجميع منذ عقود، وهو في الواقع نتاج الجيل السابق من المسؤولين البريطانيين في المنامة الذين ساعدوا على تأسيس نظام قمع كامل تعمل به البحرين. وبحسب تعبير ستورك، " مشكلة البحرين لا تكمن في نظام عدالة لا يعمل بشكل جيدًا، بل في نظام ظالم يعمل بشكل جيد تمامًا".

 

2 سبتمبر/أيلول 2014

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus