البحرين: حوار السّاحات الغاضبة

2011-09-20 - 8:50 ص


مرآة البحرين (خاص): انتهت حوارات النّظام، وابتدأت حواراتٌ أخرى. لم يبخل مستشارو النظام البحريني في اقتراح الحوارات. كانوا يبشّرون النّاس كلّ مرّة بحوار جديد. مستشارو النظام ليسوا سوى النظام نفسه، فهو يفكّرون لأجل أنفسهم، لا لأجل النظام ولا من أجل عيون هؤلاء الذين تذبحهم مسيلات الدّموع والأسلحة المتعدّدة الأسماء.

في كلّ مرّة يقذف النظامُ حوارا، يكون ذلك موازيا - خطوةً خطوة - لمقذوقاته النارية. مثله كأيّ نظام أرعن، يبدأ النظام في استعمال الموت قبل أن يتحايل على الطاولات. يُرسل طواقم القتل المنظّمة إلى الشّوارع والأزقة والبيوت، ويعبث بالأجساد في الأقبية المظلمة، ويستهزئ بمفاخر الوطن وأعلامه في إعلامه الأسود. عندما يقرأ المستشارون التقارير الأمنية، وتبهتهم الإرادات؛ تبدأ اقتراحاتُ الحوار.

من سوء النظام أنه ينحدرُ في حواراته. لم يخترع شكلاً معتبراً لأيّ حوار. أو أن مستشاريه لا يعرفون إلا الحوار الأغبى، وهذا هو الاحتمال الغالب. وصلت البلاد إلى حدود الكارثة على أيدي العسكر. لو بأيديهم لحوّلوها إلى كارثةٍ خارقةٍ للمجاز. لكن المستشارين خافوا على كراسيهم، وتحسّسوا الرّمقَ الأخير لسمعتهم الثقافيّة وتاريخهم المعرفي. رأوا بأمّ احتيالهم كيف يخسرون احترام الأحرار لهم. فالتمسوا سادتهم على وجل وعجل: "أنْ أوقفوا البنادق، وتمهّلوا في إطلاق الموت المجنون، فالعالمُ يرى بعيون فضائيّة، وما كان يمكن ارتكابه أيّام "السّخرة" والفداوية، بات ممتنعاً اليوم". فكان حوار التوافق، وخُطب التسامح والمحبة، ولكن بسيمياء (ملامح) لا تغادرُ الغدر والرّغبة في إجهاز مؤجّل.

انتهى حوار النظام، وابتدأ المنتفضون حواراتهم في السّاحات الغاضبة.

من أسرار النجاح السّلمي للمقاومة المدنية في البحرين، هو أنّ المحتجين يصرّون دوماً على  الابتكار. سوف يكون مأثورا عن الثورة البحرينية أنها ذات عقل إبداعي. يرتبط ذلك بأنّها ثورة محفوفة بمختلف الطاقات والنّخب. والمعتقلاتُ تكفي شاهداً على ذلك.

في سياق إظهار السّلمية الممزوجة بالإرادة وعدم الخشية من فوّهات الموت، طوّر المحتجون أسلوب المواجهة مع القوات الغازية لمناطقهم. ومن بين ذلك، بات مظهران جزءاً مكمّلاً لبرنامج مهرجانات الاحتجاج اليوميّة في البحرين:

المظهر الأول: التقدُّم نحو القوات المُحمّلة بغريزة القتل (1). ماذا يريدُ الجسدُ العاري عندما يُحرّك أقدامه الثابتة باتجاه النّار؟ لا يبدو أنّ الدّافع له صلة بأسطورة "البوعزيزي"، فالمحتجون هنا يصنعون نموذجهم المختلف. ما يحدث هو أنّ المتظاهرين يعرفون جيداً أن الأسلحة تحملها أيدٍ مرتعبة، لا صلة لها بهذه الأرض، وأنّ صعْقها لا يحتاج إلى أكثر من مشاهد مُكرّرة من الصّمود الخالص. هذه الإستراتيجيّة خلُص إليها الثوار عبر تجربة متواصلة على الساحات، لاسيما بعد انفجار 14 فبراير. نجح هؤلاء في زعزعة القوات، وإظهارهم مجرمين بدرجة مرتزقة. وهذه معادلة هامة على الصعيد النفسي.

المظهر الثاني: الحوار مع القوات (2). لا يحضُر الثّوار صامتين في الساحات. من خلفهم وفوقهم النغمات تشتدّ وتؤدي دورها الخاص في إنزال الحيرة، لكن ألسنتهم لها حضورها الخاص أيضاً. سنّ ثوّار البحرين سنّة غير مشهودة كثيرا في المقاومات المدنيّة، وهي مخاطبة القوات وتبادل "الحوار" معها عن قُرب. يكشف هذا السّلوك المقاوم الطابع السلمي للاحتجاجات، ورغبة مستميتة لإفراغ الذرائع من أيدي المرتزقة. في هذه الحوارات، ينجح الثّوار في تعرية الوجوه القبيحة لهذه القوات، ويكشفون لنا طبيعة الثقافة التي تزوّدهم بها وزارة الداخلية. يتعمّد الثوّار أحياناً الدخول في "التفاصيل"، فتظهر بعض الحوارات وكأنها "جلسة" علاجيّة على الهواء مباشرة.

  • الهوامش
  1.  مشاهد من التقدّم نحو القوات:
     
  2. نماذج من حوارات الثّوار مع المرتزقة
     

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus