ما قبل حلقة القاضي ابراهيم الزايد: قضاء يُمعن في إهانة المحامين (8)

2014-09-09 - 6:50 م

مرآة البحرين (خاص): في الحلقة السابقة، عرضنا صفات القاضي علي الظهراني، يعرفه المحامون بالقاضي الحموس، وتنطبق عليه صفات الأحمق الغضوب. اشتهر الظهراني بانحيازه الفاقع ضد المحاكمين في قضايا أمنية وسرعة غضبه وحمسانه وطرده للمحكومين ومحاميهم كذلك. مع تصاعد عدد حالات الطرد وإساءة معاملة المحامين داخل بيت القضاء، رفع 90 محامياً في 20 فبراير 2014، شكوى إلى المجلس الأعلى للقضاء، شرحوا فيها ما يتعرضون له من مضايقات واستخدام القوة ضدهم، ومعاملة غير لائقة داخل قاعات المحاكم من قبل بعض القضاة وبعض منتسبي وزارة الداخلية، وحالة يأس لعدم توافر أدنى ضمانات الدفاع.

استنكر المحامون في شكواهم "ما يجري من معاملة غير لائقة"، وصفوها بأنها "تسيء للسلطة القضائية قبل أن تسيء إلى المحامين"، وأشاروا لما تعرض له زميلهم المحامي جاسم سرحان في بتاريخ 17 فبراير 2014، عندما وكزه أحد رجال الأمن من الخلف أثناء إحدى مرافعاته طالباً منه السكوت، حدث ذلك أمام جميع المتواجدين في قاعة المحكمة بما فيهم هيئة المحكمة التي لم تتدخل لوقف ذلك التعدي، "وهو ما يعد مساساً بهيبة السلطة القضائية وتطاولاً على المحامين" حسب الشكوى.

كما أعرب المحامون عن استيائهم من طرد زميلهم عبد الله زين الدين في الجلسة نفسها دون وجود أي سبب، كان حاضراً كمتدرب مع مكتب المحامي محمد التاجر. وأنه "لدى استفسار الزميل عن سبب طرده من الجلسة صرخ القاضي عليه طالبا من الشرطة إخراجه من قاعة المحكمة وبالفعل تم سحبه من قبل الشرطة واخراجه بالقوة!"

وأورد المحامون ما حدث في تاريخ 18 فبراير 2014 أثناء نظر إحدى القضايا أمام المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة، "رفض رئيس المحكمة ـ كما هو دأب هذه المحكمة ـ تثبيت طلبات الزميل المحامي محسن العلوي في المحضر على قول إن لرئيس المحكمة الحق في رفض تثبيت طلبات المحامين، وعندما اعترض الزميل على ذلك وأصر على تثبيت طلباته باعتبار ذلك حقا له بموجب القانون، أشاح رئيس المحكمة بوجهه عنه وانتقل لمحام آخر متجاهلا حق الزميل في تسجيل طلباته بما يمثله ذلك من مخالفة للقانون وعلى الأخص المادة 226 من قانون الإجراءات الجنائية و ما ينطوي عليه من إساءة للمحامي وتعريض بحق موكله في الدفاع". وأبدى المحامون أسفهم لما يتعرضون له من تصرفات في تلك المحكمة، مؤكدين بأنها ليست هي المرة الاولى التي تحدث فيها مثل هذه التصرفات. وأن تلك الحادثة انتهت بإصدار رئيس المحكمة أمره بإخراج المحامي العلوي من القاعة، وقام أحدهم بمسكه من ذراعه لإخراجه بالقوة وهو ما رفضه العلوي وإضطره إلى تسجيل طلب انسحابه من القضية.

وأضافت الشكوى: "هذا فضلاً عن ما شهدناه من حالات قيام رجال الأمن بمعاملة المتهمين اثناء المحاكمات وأمام ناظر القضاة بطريقة قاسية وغير إنسانية وماسة بالكرامة، وكل ذلك وما سبق ذكره أعلاه يقلل من شأن المحامين ومكانتهم أمام موكليهم كما يحط من كرامة المحامين والمهنة بل أنه يقلل من هيبة القضاء ومكانته في نفوس الناس والمحامين وشعورهم بضياع العدالة في مجلس العدالة.

وامتعض المحامون "بل إنه حتى دخول المحامين لقاعات المحاكم تحولت إلى فرصة لتعريضهم لمزيد من المضايقات من قبل رجال الشرطة عبر وضع حواجز معدنية تمنع التنقل من محكمة إلى أخرى أو عن طريق قفل ابواب المحاكم من الداخل بمجرد حضور القاضي، مما يضطر المحامون إلى التردد مراراً على ذات المحكمة على مدى أكثر من ساعة في انتظار عقد الجلسة بسبب منعهم من الدخول الى قاعة المحكمة".

وأضافوا "والأسوأ من ذلك، هو تدخل رجال الأمن باستخدام القوة لمنع دخول المحاميين وتدخلهم لإخراجهم من المحاكم". كما أوضحوا "من المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن من مسببات تكرار حالات سوء التفاهم بين المحامين والقضاة هو وصول المحامين الى حالة اليأس أحيانا لعدم مقدرتهم على توفير أدنى ضمانات الدفاع خصوصاً مع رفض الشرطة والنيابة تمكينهم من حضور التحقيق مع المعتقلين في القضايا ذات الخلفية السياسية على وجه الخصوص ورفض قضاة المحاكم تقديم أي دفاع جدي أو الاستماع للمعتقلين أو الكشف على آثار التعذيب أو حتى الحديث عنه أو التحقيق فيه كما أنهم لا يرون في العديد من القضاة الرغبة في الاستماع إلى طلباتهم مما جعل عملهم في الدفاع عن المتهمين في تلك القضايا عمل غير ذي معنى أو جدوى، فقد حدث إن حجزت دعاوى للحكم دون تقديم شهود نفي ودون حتى مرافعة مكتوبة بالرغم من تمسك الدفاع بتقديمهما".أثارت الشكوى التي تقدّم بها المحامون موجة استياء عامة في الأوساط الشعبية، خاصة أن الـ90 محامياً هم موكلون عن متهمين في قضايا أمنية وسياسية، فيما تضمّنت تفاصيل تكشف عن انحياز فاقع يمارسه القضاء البحريني ضد المحاكمين في مثل هذه القضايا، وضد محاميهم بالمثل، وهي تفاصيل لم نشهد لها مثيلاً في القضايا الجنائية المدنية الأخرى.

مذكّرة توضيحية بشأن الشكوى قدمها عدد من المحامين لرئيس المجلس الأعلى للقضاء سالم الكواري في 26 فبراير 2014، المحامون هم: حسن رضي، محمد أحمد، جليلة السيد، سامي سيادي، محسن العلوي، عبدالهادي القيدوم، محمد التاجر، جاسم سرحان، دعاء العم، منار مكي، وخلال لقائهم بالكواري تم تبادل الحديث حول مآزق القضاء البحريني والقضاة.

لم ينف الكواري ما ورد في الشكوى ولم يفنّده. فكل ما ورد من شواهد وحالات حدثت على مرأى ومسمع جميع الحضور في قاعات المحاكم وتم نشره إعلامياً وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي.
بل يمكننا القول إن الكواري أكّد ما ذكره المحامون وربما زاد عليه، قال للمحامين مواسياً "أنتم أعلم بما ورثناه"، في إشارة منه لتركة سيئة للقضاء والكثير من المشاكل التي حُل بعضها، وما زال بعضها عالقاً حتى الآن وفق ماذكر.

لكن الأكثر خطورة، هي تلك العبارة التي قال فيها الكواري للمحامين الذين التقوه: "بعض القضاة نزعوا عنهم رداء القاضي، وأصبحوا كموظفين عموميين". وهي شهادة أو اعتراف أو إقرار من أعلى سلطة قضائية في الدولة، بالفساد الحاصل في الجهاز القضائي، كونه يسمح لقاض نزع رداء عدالته ولبس رداء الموظف العمومي الأجير في يد السلطة، أن يستمر في محاكمة المتهمين.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن العبارة التي قالها الكواري، هي عبارة (مخففة)، نظراً لحساسية منصبه وموقعه في الدولة، وكونه يتكلّم من موقع رسمي مسؤول، يمنعه من البوح بالحقيقة كاملة، فإنه يمكننا التكهن بمستوى تحوّل القضاة إلى موظفين عموميين في يد السلطة.

وأضاف الكواري أن المجلس الأعلى للقضاء سعى في تقديم عمل قضائي نقي بعيد عن السياسة والقبلية والطائفية، وقال: "إن ذلك هو ما يجب أن يرسخ في ذهن القاضي أثناء أدائه لعمله ودون المزج بين الأمن والعدالة، فلا يجب أن يفكر القاضي بطريقة أمنية، وإنما مهمته العدالة والتفكير بأسلوب حقوقي وقانوني لتحقيق العدالة". ولعلّ هذه العبارة تنبئ بالحقيقة التي يعرفها الجميع بما فيهم الكواري، وهي حقيقة مزج عدد من القضاة بين الأمن والعدالة، لكن ما لا يمكن للكواري قوله هو أن رقاب المعارضين السياسيين وحرياتهم في يد هؤلاء القضاة الذين يحكمون في الناس بالأمن لا بالعدالة.

وحول واقع القضاء البحريني قال الكواري "إن المجلس يواجه مجموعة من المشاكل العملية، وتم حل معظمها بينما يتم العمل على إيجاد حلول لكل المعوقات التي تواجه المواطنين والمحامين، مضيفاً أن "تشخيصي المبدئي هو أن السلطة القضائية لم يتم تطويرها لفترة زمنية مما انعكس على أفرادها سلباً".

بعد تقديم هذه الشكوى ولقاء المحامين برئيس المجلس الأعلى للقضاء، بدأت بعض التغييرات الشكلية تظهر في جلسات المحاكمات في المحكمة الجنائية الرابعة. أُزيلت الحواجز التي كان يتم وضعها لتقييد الدخول لجلسات المحاكمة، وبدأ القاضي الظهراني يسمح للمتهمين بالإدلاء بشهادات التعذيب التي تعرضوا لها وتدوينها، لكن لم يلبث الأمر طويلاً حتى عادت الأمور إلى ما كانت عليه.

في الحلقة القادمة: من هو القاضي ابراهيم الزايد؟

النسخة الانجليزية


مواضيع ذات صلة
التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus