معارك جنيف: جراح البحرين والقرار الدولي الذي لم يصدر بعد 20 عاما من انتفاضة التسعينات
2014-09-14 - 5:18 ص
مرآة البحرين (خاص): في 21 أغسطس/آب 1997، كتب رئيس تحرير صحيفة الوسط الدكتور منصور الجمري (الناطق باسم حركة أحرار البحرين وقتها) مقالا تحت عنوان "جراح البحرين تبتسم في جنيف"، مؤرّخا لأول دخول رسمي لملف البحرين إلى ساحات الأمم المتّحدة.
كان الأمر أشبه بمستحيل. في ذلك الوقت، تقدّم عدد من الخبراء المستقلين بمشروع أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لإدانة حكومة البحرين، ولكن الشكوك كانت تحوم حول إمكانية صدور هذا القرار.
يشير منصور الجمري إلى أن الحكومة كانت وقتها ضامنة تماما من شراء ذمم عدد كبير من خبراء اللجنة لمنع تقديم المشروع. رغم ذلك صدر قرار من اللجنة بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، ما اعتبره الجمري "مشهدا تاريخيا" و"نصرا سياسيا سلميا وحضاريا للمظلومين".
ذات التصرفات التي تفعلها الحكومة اليوم، كانت تفعلها في العام 1997، مجموعة من البلطجية والمفبركين يجولون أروقة الأمم المتحدة متحرشين بالجميع، وفساد سياسي من خلال العطايا والرشى، تعرض حتى داخل مباني الأمم المتحدة.
ورغم مرور 17 عاما من إصدار هذا القرار، إلا أن حكومة البحرين لم تتغيّر. هي لا تزال تظن بأنها تمتلك مفاتيح جنيف، حتى لو تنازل عنها الحلفاء الغربيون بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ومارسوا كل الضغوط عليها لفرض إصلاحات سياسية تحفظ حقوق الغالبية الشيعية المضطهدة، وتجعل من قوى المعارضة السياسية شريكا في الحكم.
في الظاهر لا تبدو الحكومة البحرينية تخشى من جنيف، لم يتغير شيء من ممارساتها ولم يتغير إرهابها المنظم، وتطهيرها الذي يصل إلى مستوى الإبادة، على الرغم من كل التصريحات والتقارير التي تصدر ضدها بشكل مستمر طوال العام، تارة باسم المفوضية السامية، وتارة باسم الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، وتارة أخرى باسم أمين عام الأمم المتحدة بنفسه.
لا يمكن التفاؤل كثيرا من المجتمع الدولي الذي لا يزال عاجزا عن إنقاذ سوريا والعراق وغيرها من الدول التي تدمّرها الحروب، ولكن، تبقى مهمة المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي لقضية البحرين أسهل بكثير من مهمته في العراق وسوريا.
ثمّة ما يبنى تصاعديا في جنيف، حول البحرين، وإن كان حصاده غير ملموس حتى هذه اللحظة. ثمة موقف دولي لا نعرف مآلاته ولا تبعاته لحد الآن، ولكن، منذ مايو/أيار 2012، وما حدث من هجوم دولي حاشد ضد البحرين خلال المراجعة الدورية الشاملة لسجلها أمام مجلس حقوق الإنسان، منذ ذلك الوفت والثقة تملأ الكثير من العاملين في هذا الحقل من منظمات وناشطين، على رأسهم الوفد الأهلي إلى جنيف، ومراكز حقوق الإنسان المعنية بالقضية البحرينية في الداخل والخارج، والتي تعمل كجبهة واحدة وبشكل منسّق جدا، مدعومة بأرقى المنظّمات الدولية.
جنيف في 2011
في غمرة الحملة القمعية التي شنها النظام ضد عشرات الآلاف من المحتجين، بعد فض اعتصام دوار اللؤلؤة، لم يكن النشاط الحقوقي الدولي قد تبلور بعد كما هو عليه اليوم، كما أن حصارا خانقا فرضته الحكومة على الناشطين من خلال الاعتقالات والمراقبة والمنع من السفر وغيرها. فضلا عما كان يتمتع به النظام البحريني من مركز سياسي دولي يوفر له الحصانة بصفته أحد الأنظمة الخليجية الحليفة للولايات المتحدة والغرب، والدولة التي تحظى بدعم وحماية المملكة العربية السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم.
ولعل هذا هو السبب في أن لا نجد حضورا واضحا للقضية البحرينية في مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة في العام 2011، رغم تقاطع دورته في مارس/آذار مع حملة القمع العنيفة.
وكانت منظمة العفو الدولية قد انتقدت علينا عدم اتخاذ مجلس الأمن أي إجراء للتعاطي الأمني مع الاحتجاجات التي شهدتها البحرين، وعدم قيام مجلس حقوق الإنسان بأي شيء للتصدي لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين خلال العام 2011.
مع ذلك، صدرت عدة تصريحات ضد البحرين عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وصف في أحدها الأحكام القضائية ضد "الرموز" بأنها قاسية، وحث البحرين على التقيد بالتزاماتها الدولية لحقوق الإنسان.
وأرسلت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في ديسمبر/كانون الأول 2011 وفدا للتحقق من قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، وذلك بعد نحو أسبوعين من تسليم تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والذي أشار إلى انتهاكات واسعة.
المعارضة طمعت وقتها في دفع ملف البحرين إلى مجلس حقوق الإنسان، بعد زيارة وفد المفوضية، ومبكّرا توقّعت بأن جلسة المراجعة الدورية للبحرين ستكون "أسخن من البركان".
جنيف في 2012
شهد العام 2012 أهم معارك جنيف، التي تجاوزت تصريحات المسئولين الأمميين، إلى هجوم علني واسع شنّته الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ضد الحكومة البحرينية، التي شهّر بجرائمها ضد حقوق الإنسان على الملأ لأوّل مرة.
وساهم تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي صدر أواخر العام 2011 في تغيير الموقف الدولي وتكوين رأي عام ضاغط ورافض لممارسات النظام البحريني، كما تمخّض هذا الرأي عن الجهود الحثيثة لمنظمات المجتمع المدني البحرينية، وداعميها من المنظمات الدولية.
لم تكن هذه الدورة كسابقاتها، وكانت حدثا تاريخيا سقطت فيه حكومة البحرين في الامتحان لدى مناقشة التقرير الذي تقدمت به في إطار المراجعة الدورية الشاملة لأوضاع حقوق الإنسان، لتقع الحكومة في موقف محرج جدا على الصعيد الدولي بعد أكثر من عام على الانتفاضة التي شهدت أعنف الانتهاكات والجرائم.
فشلت حكومة البحرين في إقناع مجلس حقوق الإنسان بجدوى حلولها الترقيعية للأزمة السياسية والحقوقية في البلاد، وبات من المنتظر أن تكون قضية البحرين حاضرة دائما في المحافل السياسية والحقوقية تحت ضغط كبير من قبل المنظمات الدولية.
وتعد التوصيات ال 176 التي اعتمدتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، هي الأكثر على صعيد الدول التي تمت مراجعة ملفاتها في تلك الدورة.
وشهد يونيو/حزيران 2012 أول بيان دولي مشترك ضد البحرين، وقّعته 27 دولة في مجلس حقوق الإنسان، ثمم تتالت البيانات الدولية المشتركة ضد البحرين في الدورات اللاحقة، مثل بيان الـ 47 دولة في سبتمبر 2013، وصولا إلى بيان الـ 47 دولة الذي صدر في يونيو/حزيران الماضي.
الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان قال في تعقيب إن العالم أجمع يسمع ويصدق ويعطي الاعتبار لصوت الشعب البحريني وثورته.
في أعقاب جنيف 2012: الوفد الأهلي في مرمى النار
كل هذه الضغوط الدولية لم تمنع سلطات البحرين في الشهر ذاته من اعتقال رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان الناشط المعروف نبيل رجب، وإيداعه السجن لعامين، بتهمة نددت بها الأمم المتحدة لدى مناقشة ملف البحرين الحقوقي!
وتعرّض المحامي محمد التاجر إلى محاولة تشهير عبر نشر مقاطع فيديو خاصة به صوّرها جهاز المخابرات خلسة.
في حين تعرض أعضاء الوفد الأهلي البحريني الذي شارك في جنيف إلى تهديدات وصلت إلى حد القتل، كما نشرت إحدى الصحف صورهم واتّهمتهم بتشويه سمعة البحرين في جنيف مطالبة بمحاسبتهم في استهداف مباشر، وأدينت هذه التهديدات من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقرير، ورئيس المجلس والمفوضية السامية وعدد من المنظمات والهيئات الدولية.
المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة، مرغريت سيكاغيا، أثنت بدورها على المدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين، وقالت إنهم شجعان يقومون بدور مهم.
بات الوفد الأهلي البحريني موضع ترحيب وتعاون كبيرين من مختلف هيئات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها، وبات يلتقي دوريا مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وخبراء الأمم المتحدة، وممثلي الدول الأعضاء والبعثات الدبلوماسية.
كما بدأت مراكز الرصد الحقوقية وعلى رأسها دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية الوفاق باعتماد آلية الشكاوى والبلاغات بشأن انتهاكات حقوق الانسان بشكل يومي،عبر التواصل المباشر مع فرق الإسناد للمقررين الخاصين والممثلين الخاصين بكل انتهاك.
وشهدت منذ ذلك الوقت قاعات مجلس حقوق الإنسان نشاط محموما لمنظمات المجتمع المدني البحريني، شمل فعاليات احتجاجية ومعارض وندوات ومؤتمرات صحفية ينظّمها الوفد البحريني، على هامش دورات المجلس، لبحث ومناقشة مختلف الانتهاكات الحقوقية في البحرين أمام المعنيين وفي حضور وسائل الإعلام، وشارك في هذه الفعاليات العديد من الناشطين البحرينيين والخليجيين والأجانب، من أبرزهم السير نايجل رودلي، رئيس اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وعضو اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
وقدّم الوفد البحريني في جميع دورات مجلس حقوق الإنسان منذ سبتمبر/أيلول 2012 عددا كبيرا من المداخلات في الجلسات الرسمية، كما سلمت المنظمات البحرينية تقارير دورية وأخرى متخصصة إلى مسئولي الهيئات واللجان في مجلس حقوق الإنسان فضلا عن ممثلي الدول والمقررين الخاصين.
من جهة أخرى دعا الوفد الأهلي المقررين الخاصين بالأمم المتحدة إلى زيارة البحرين للوقوف على أوضاع حقوق الإنسان هناك.
في يونيو/حزيران الماضي، وبعد عامين من السجن، عاد المناضل الحقوقي البارز نبيل رجب إلى مقعده الذي ظل خاليا في جنيف على مدار عامين، واحتفت المنظّمات والناشطون في الوفد الأهلي بعودة رجب، الذي ينتظر أن يشارك في الدورة السابعة والعشرين المنعقدة حاليا.
البحرين: المركز الثالث في تقديم الشكاوى للأمم المتحدة
تدريجيا حلت البحرين في المركز الثالث عالمياً في انسيابية تقديم الشكاوى ضد الانتهاكات في البحرين، ما يكشف تصاعد حجم الانتهاكات عالية، وضخامة النشاط الحقوقي المنظّم في الوقت ذاته.
وكنتيجة لاستمرار العمل الحقوقي المنظم في الخارج، في ظل استمرار وتصاعد الانتهاكات، طلبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان فتح مكتب دائم لها في البحرين، وأكدت أنها تراقب الوضع في البحرين بدقة، وتتلقى تقارير حقوقية مستقلة، كما رأت المفوضية في تصريحات تقديم حل دائم في البحرين أمرا صعبا، وأسفت لكون حالة حقوق الإنسان في البحرين لا تزال مسألة مثيرة للقلق وخطيرة.
ومارست المنظمات الدولية ضغطا شديدا هي الأخرى على مجلس الحقوق الإنسان، حيث رأت "العفو الدولية" أن الدول الأعضاء في المجلس لا تزال تكيل بمكيالين فيما يتعلق بالبحرين.
في انتظار قرار دولي
اضطر النظام لإرسال وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة على رأس وفد البحرين إلى جنيف، في الدورة التي حضرها مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق مايكل بوسنر، وانتقد فيها البحرين علنا، وبدا منذ ذلك الحين أن الحكومة أوكلت ملفها الحقوقي بالكامل إلى وزير الخارجية.
وزارة الخارجية، التي باتت تتولي ملف جنيف، أعلنت إعداد وتقديم التقرير الطوعي الذي ستقدمه الحكومة حول تنفيذها توصيات مجلس حقوق الإنسان في هذه الدورة، في حين أصدرت منظمات بحرينية تقريرا موازيا للتقرير الحكومي اتهمت فيها السلطات بأنها لم تنفذ عددا كبيرا من التوصيات الدولية.
وبين هذا الشد والجذب، يبرز التشكيك بمدى استعداد البحرين لمواجهة المجتمع الدولي في خصوص جرائم حقوق الإنسان المستمرة، يبرز من داخل المؤسسات التي شكّلتها الدولة، وتحديدا من عبدالله الدرازي، نائب رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة الذي قال معترفا "إن البحرين تحتاج إلى أجندة واضحة لمواجهة وابل من الأسئلة في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان" محذرا من أن "أي فشل في الاستجابة على نحو كاف يمكن أن يؤدي إلى صدور قرار ضد البحرين".
رئيسة مجلس حقوق الإنسان لورا ديبوي قالت في يونيو/حزيران 2012 إن الضغط باتجاه إقامة جلسة خاصة في المجلس لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في البحرين أمر يستحق، لكنها أقرت بصعوبته، وأكدت أن ذلك يحتاج إلى دعم 16 دولة من مجموع الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان (47 دولة).
وفي حين لا يتوقع أحد شيئا مفاجئا من الدورة السابعة والعشرين التي بدأت أعمالها في جنيف منذ أيام، يحدو الطموح بالمنظمات البحرينية والدولية إلى تبني قرار دولي ضد البحرين عبر مجلس حقوق الإنسان، بعد 3 سنوات ونصف من الجرائم الممنهجة راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد فضلا عن الآلاف من الجرحى وضحايا التعذيب والمعتقلين والمفصولين وعشرات المساجد المهدمة.