رئيس الأطباء الشرعيين وصاحب تقرير قضية كرزكان : شهدت حالات صعق كهربائي في السجون ، وسلمية الشعب مذهلة ومحل تقدير دولي

2011-09-24 - 9:14 ص


الدكتور فخري محمد صالح


حاوره / محمد السواد

قال رئيس الأطباء الشرعيين في النيابة العامة البحرينية سابقا الدكتور فخري محمد صالح " لقد شهدت حالت صعق كهربائي في سجون البحرين، وإن كانت بنسبة بسيطة".
وأضاف  فخري لـ(مرآة البحرين)،  رغم أنّ الصعق الكهربائي لا يترك أثرًا واضحًا على الجسم، إلا أنّني بخبرتي الطويلة أستطيع التعرُّف عليه".

وفي سياق آخر اعتبر " أنّ كلّ القمع والتعذيب والقتل الذي حصل في البحرين من جراء الأحداث الأخيرة هو بسبب القوات السعودية الّتي اجتاحت البحرين مؤخَّرًا"، وفي مقابل ذلك قال: " في البحرين هناك سلم غير معقول، سلم عظيم في التعامل بين النّاس، ولكن الظروف الموجودة بالنسبة إلى النسب السكانية وتوزيع الثروة، والحقوق - من يستولي عليها وإلى صالح من تذهب من أنساب وطائفة معيّنة، في الحقيقة هي إشكالية البحرين".

الدكتور فخري يملك تجربة تفوق 43 عاما، في مجال الطّب الشّرعي شغل مناصب عديدة، ومن أبرزها كبير الأطباء الشرعيين، ورئيس مصلحة الطّبّ الشرعي بوزارة العدل في مصر، وطبيب شرعي في نيابة الأردن، ورئيس الأطباء الشرعيين في البحرين منذ 2003 إلى 2009م.
في هذا الحوار، نتحدث معه حول تجربته بالبحرين في الفترة  من 2003 إلى 2009م. التي شهدها بنفسه.

مرآة البحرين: كيف كان دورك في قضية مقتل الشّرطي الباكستاني ماجد أصغر المعروفة بقضية (كرزكان)؟
 
استدعيت في هذه القضيّة بوصفي خبيرًا، وقد طلب مني  مراجعة تقرير سبب وفاة المجني عليه (ماجد أصغر).
وفي الحقيقة لم أشرِّح الجثة، بسبب نقلها إلى باكستان بعد تشريح زملائي الأطباء بساعتين. ولكن بالاستعانة بأوراق وصور الجثّة، تمكّنتُ من التوصّل إلى الحقيقة المقنعة.
أمام قاضي المحكمة كشفتُ بأنّ المجني عليه قفز من سيارة الشرطة بعد أنْ اشتعلت النياران فيها، ولسوء حظّ المجني عليه سقط على الرّصيف وارتطم رأسه بالحافّة؛ ممّا أدّى إلى وفاته على الفور.وعلى أثر رأيي في ملابسات الحادث، أصدر القاضي حكم ببراءة المتهمين الـ19 جميعا.

ودخلت بعدها في دائرة الاتّهام من بعض أعضاء النيابة العامّة والداخلية بسبب رأيي وتحليلي لسبب الوفاة.

في الحقيقة لم أقل غير كلمة الحقّ، ولم أميّز بين باكستاني أو بحريني أو سنّي أو شيعي، ورغم أنِّي أعلم بأنّه باكستاني، وحصل على الجنسية البحرينية، إلا أنّ ذلك لم يؤثّر على قناعاتي.

والكثيرون لم يستطيعوا انتقادي مباشرة؛ بسبب شهرتي وخبرتي العريقة في هذا المجال، ولكنّهم أصيبوا بـ(غصّة) بسبب رأيي الخاصّ.
وقيل الكثير بعد صدور رأيي في القضيّة، ومن أبرزه إنّ النّيابة العامّة استغنت عن خدماتي، ولكنّ هذا غير صحيح، فإنهاء عملي من النيابة العامّة جاء بناءً على رغبتي الشخصيّة، ولأسباب خاصّة، لا علاقه لها بالعمل.
 
مرآة البحرين: اطّلعنا على تقارير كثيرة أصدرتها أنت تؤكّد تعرّض بعض المتهمين للتعذيب، فما طبيعة هذا التعذيب؟
التعذيب على جسم المتهم لا يسقط مع مرور الزّمن، والنيابة العامّة مع الأسف في كثير من الأحيان تلعب دورًا في تأخير عرض المنتهكة حقوقهم على الطبيب الشرعي؛ كي تتيح  للآثار الظاهريّة على جسم المعذَّب أن تطيب بنفسها، ولا يخفى عليكم أنّ أغلب الذين يتعرّضون إلى التّعذيب هم من المتورطين بقضايا سياسية بالدرجة الأولى، في مقابل ذلك نلاحظ عدم تعرُّض المتهمين الجنائيين إلى أيّ انتهاك جسدي يذكَر.

والتعذيب بطبيعته قد يحصل  في أيّ دولة في العالم حتى لو كانت متقدّمة، ولكنّ الفرق بين الدّول المتقدمة والدول المتخلّفة، هو أنّ الدولة المتقدمة تسجّل الانتهاك وتوثقة، وتحاكم المعذِّب، وفي مقابل ذلك فإنّ الدول المتخلفة يضيع فيها حقّ المتهم نهائيًّا، وربما يجازى المعذِّب.
والتعذيب إنْ دلّ على شي فهو يدلّ على ضعف المحقق في انتزاع المعلومات من المتهم، أو حقده على المتهم في موقفه، وكلاهما يصنّفان ضمن قائمة الانتهاكات المخالفة لحقوق الإنسان.

وطبعا هناك انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب التعذيب، أو الممارسات غير الإنسانية؛ ولأنّ الوضع في تلك المرحلة (2003-2009) في البحرين كان شبه مستقر، كانت الانتهاكات ضعيفة، ولا تقارن بأيّ دولة دكتاتوريّة أخرى. ولكن في النهاية تبقى هذه انتهاكات لحقوق الإنسان، وبطبيعة الحال هذا أمر مرفوض.

وبالإضافة إلى ذلك فإنّ النيابة تلعب دورًا - في بعض الأحيان - في تأخير عرض المتّهم (السياسي ) على الطبيب الشرعي؛ كي تختفي عن جسده آثار التّعذيب، وهذا نوع من التّلاعب والاحتيال على القانون، وهذا غير مقبول بتاتًا. وفي الحقيقة القضايا التي تردنا متأخرة للفحص لا تزيد عن 20 إلى 30 في المائة من مجمل القضايا الجنائية.

مرآة البحرين: نسمع من المتهمين السياسيين والنشطاء بأنّهم تعرضوا إلى صعق كهربائي، هل هذا صحيح ؟
التّعذيب بالكهرباء لم يعد كما هو في السّابق، عندما كان المعذب يضع سلكين كهربائيين على جسم المتهم، ويظهر أثر واضح كحرق محل التماس الأسلاك بالجسد.
في الوقت الحالي التقنية اختلفت كثيرا في الصعق الكهربائي، فحاليًّا يستخدمون الجهاز الذي يباع في الأسواق بحجم الكفّ، وهو يسبب ألمًا فظيعًا جدا.
نعم هناك حالات كشفتُ عليها شخصيا تعرّضت إلى صعق كهربائي، وخصوصا في بداية تأسيس النّيابة العامّة في عام 2004م تقريبًا. ويتركّز موقع الصّعق في الصدر والخصية، وهما أكثر مكانين حساسيةً في جسم الإنسان.

مرآة البحرين: علمت بأنّك كشفت على الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة أكثر من مرّة؛ لتعرّضه للتعذيب، ماذا كشفت خلال ذلك؟
 
نعم فحصت الخواجة أكثر من مرّة جراء تعرضه للضّرب من قبل قوات الأمن في عدد من المحافل والاعتصامات، وما تعرض له الخواجه حينها، هو استخدام مفرط للقوة أثناء المظاهرات، وهذا يختلف كثيرا؛ ممّا يعرف بالتعذيب في السّجن.

والحق يقال إنّ الخواجة من أنشط البحرينيين المطالبين بحقوق الإنسان، وهو يتواجد في كل المناسبات والمظاهرات باستمرار ويبحث عن الحقّ.

مرآة البحرين: هل تتخيل نفسك حاليا في البحرين  وسط كلّ أنباء القمع والتعذيب والقتل التي تمارسها السّلطات الأمنية منذ أحداث 14 فبراير 2011م حتى الآن؟
وأتصوّر أنّي لو كنت موجودًا في هذه المرحلة الامنية، لما تحملتني السلطة البحرينية، لأنني سوف أقول الحقّ في كلّ تفاصيل التعذيب أو الانتهاك الحاصل.

لدي وجهة نظر خاصّة بالبحرين، وهي أنّ من قمع وعذّب واضطهد وقَتل هي القوات السعودية بالدرجة الأولى. ومهما اختلفنا مع المتظاهرين، إلا أنّهم أصحاب حقّ وينبغي إعطاؤهم حقوقهم؛ لتسير مصلحة البلد على أكمل وجه، عدا ذلك لن تهدأ البحرين.

أمّا بالنسبة إلى موضوع السنة والشيعة، فهذا درع تلبسه الأنظمة، فليس من المعقول أن نقول كلّ شيعة البحرين تابعين لإيران أو حزب الله. وشيعة البحرين عرب 100٪ ووطنيون 100٪، وكذلك الأمر بالنسبة للسنة، لا داعي للتفرقة بينهم فجميعهم بحرينيون، لماذا يحرم الشيعي من أن يكون ضابط شرطة؟ ولماذا لا يكون في الجيش؟ ولماذا لا يتولّى المناصب العليا؟ من حقه أنْ يكون ما يكون، وسيخدم بلده على أحسن وجه.

وعلى العكس ينبغي أن تعلم السلطة البحرينية أنّ وجود الطائفتين في الشرطة، أفضل من وجودهم في الشارع كمتظاهرين شيعة ورجال أمن سنة، ففي الشرطة سوف ينصاع لأوامرك، وقبضتك عليه تكون أقوى.

والشعب البحريني يريد أن يكون في مستوى باقي شعوب الخليج العربي في مستوى المعيشة والحياة الكريمة. ومع احترامي للمهن لكن في باقي دول الخليج لا تجد كويتيا أو إماراتيا (فراشًا) أو زبالًا، أو ماسح سيارات ....إلخ، ولكن مع الأسف تجدها في البحرين ضمن طائفة معينة.
بعض الأحيان أكشف على شباب في سنّ الزّهور مدمنين مخدرات أو كحول، تركوا دراستهم وأهاليهم، للأمانة أشفق عليهم وأتمنى لو أدفع لهم من مالي الخاصّ، في الوقت الذي هم فيه مواطنون في دولة نفطية وخليجية كالبحرين. وذلك يعود إلى سوء التوزيع للثروة، بالإضافة إلى الضغط اليومي الذي يتعرض له الشباب بسبب مخاوف المستقبل المجهول.

وأنصح السلطات البحرينية بالتعامل مع الشّعب بصفتهم مواطنين لا فرق بينهم على أساس مذهب أو عشيرة أو قبيلة أو عائلة، فإن طبّقوا ذلك فسيجدون البحرين تعمر وتزدهر في غضون سنوات قليلة.

مرآة البحرين: بالنسبة إلى الجهاز الأمني غير البحريني، ولك تعاملات كثيرة مع هذا الجهاز، ما رأيك الشخصي فيه؟
هذه إحدى الإشكاليات التي تجعل نسبة عالية من السّكان يعارضون النّظام، ففي الحقيقة هناك نسبة عالية من طائفة معينة لا تدخل الشرطة ولا المخابرات ولا الجيش، في الوقت الذي تستخدم السلطة قوات أمن لا تتحدث العربية، ولا تعرف الثقافة البحرينيّة، وأغلبهم من باكستان والهند، ودول لا نعرفها نحن العرب.

لذلك نرى الشرطة غير محبوبة في أوساط هذه الطائفة أو الفئة من النّاس، فمثلا في بعض الأحيان تحتاج إلى اللغة غير العربية لتقديم بلاغ عادي في أيّ مركز شرطة.
وبطبيعة الحال هم عناصر مرتزقة تعمل على المال، ولا يهمها مصير البلاد إلى أين يتّجه، وهم (المرتزقة) ينفذون أوامر صادرة من جهات عليا لا يناقشونها، وهذه طبيعة النظام العسكري.


مرآة البحرين: سمعت أنك خضت صدامات مع زملائك الأطباء الشرعيين المصريين في النّيابة العامّة البحرينية؛ وذلك لعدم اتّفاقك معهم في تقاريرهم المنحازة لوجهة نظر الحكومة؟
نعم هذا صحيح، فهم يبالغون كثيرًا في تقاريرهم خصوصا لصالح النّظام، أمّا أنا فمن الذين ورثت هذه المهنة من والدي، وتعلّمت طوال حياتي بأن أقول كلمة الحق ولا أخشى من أيّ شيء.

هم يعتقدون بأنّهم على صواب عندما يقفون في تقاريرهم في صفّ السّلطة، على أمل أن يستمرّوا في وظيفتهم، ولكن من وجهة نظري إنّهم على خطأ؛ فكلما كنت صادقًا مع نفسك ومع الآخرين زاد احترامهم لك.

وإنّ تجربتي الطويلة علّمتني بأنّه لا يمكن لأحد أن يقطع رزقك، ولا إيقاف قدرك، ولا حرمانك من العيش.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus