لماذا يخجل تجمع الفاتح من كونه موالاة؟

عباس بوصفوان - 2011-10-02 - 3:34 م



عباس بوصفوان*

 
على مستوى الخطاب والتنظير، يواجه تجمع الفاتح تحديات مهمة ليتمكن من أن يتموضع سياسيا، في بلد ذي نشاط سياسي عال المستوى، تاريخيا المعارضة فيه معروفة كما الموالاة.

سنبدأ بفكرة الموالاة التي يتهرب منها تجمع الفاتح، وهو أمر محير، من ناحية نظرية وعملية. إن عنصري الموالاة والمعارضة في أي دولة تبدو أمرا طبيعيا. لكن طالما شعر الموالون في البحرين، عموما، بالحرج من تعبير كهذا. ينطبق ذلك على جمعية الميثاق، ذات الحضور الضعيف شعبيا، والتي دفع الديوان الملكي بتأسيسها.

كما ينطبق على التجمعات الإسلامية السنية الأخرى، بما في ذلك المنبر والأصالة، التي تصل إلى المقاعد النيابية بفعل الدعم الرسمي المباشر والمعلن بل والفج، ولا يختلف في ذلك أحد، فيما أعرف.

كما ينطبق الكره لكلمة الموالاة على تجمع الفاتح، حديث التأسيس، والذي يفضل تعبير المعارضة الرشيدة.صار لفظ الموالاة معيبا، مع أنه قريب من لفظ الأكثرية الذي تفاخر به جماعات الموالاة  الحكومية داخل البرلمان: المستقلين والمنبر الإسلامي والأصالة، وهي الجماعات نفسها التي شكلت تجمع الفاتح، وإن تبدلت بعض الوجوه.

وقد تبنت صحيفة الوطن، التي يديرها الرجل القوي في الديوان الملكي أحمد عطية الله، لفظ الأكثرية، للقول بأن الموالين/الجماعات السنية هم الأكثرية، التي تشكل الأغلبية في البرلمان والبحرين، وليس الوفاق، التي فازت بـ 65% من الكتلة الانتخابية، والتي تعتبر أكبر كتلة في البرلمان (18 مقعدا)، لكنها أكثرية مجهضة، بحكم تركيبة البرلمان، وشكل الحكم في البلد.

تتهرب الموالاة من واقعها واسمها الحقيقي، مع أنه يفترض أن يهرب المعارضون من اسم كهذا في ظل استهدافهم أمنيا وسياسيا.يختار تجمع الفاتح لفظ المعارضة، لكن ليس أي معارضة، وإنما المعارضة الرشيدة.

وتضع كلمة "الرشيدة" تجمع الفاتح مباشرة في قبال المعارضة "غير الرشيدة" والمتمثلة في خطاب التجمع نفسه في الجمعيات السبع المعارضة، التي ساهمت في حركة 14 فبراير، وكذا التجمعات الشبابية وتلك القوى الشعبية غير المسجلة ضمن قانون الجمعيات السياسية.

وبدل أن تكون المعارضة للحكومة، كما هو المنطقي والمتعارف عليه، فإن معارضة الفاتح تصبح في وجه المعارضة الفعلية، كما تعرفها النظريات السياسية. ربما لأن المعارضة "الرشيدة" تحالفت مع الحكومة "الرشيدة" ضد الخونة، كما هو الخطاب الرسمي للتجمع والمشير!

في القاموس السياسي، تعرّف المعارضة على أنها "أية جماعة أو مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة على أساس ثابت وطويل الأمد عادة (...) ويطبق المصطلح على نحو أكثر تحديدا على الأحزاب في المجلس النيابي التي تختلف مع الحكومة وترغب في الحلول محلها".(1)

والسؤالان الموجهان إلى تجمع الفاتح هما:

1.   هل سجلت الأحزاب التي يتشكل منها تجمع الفاتح أي معارضة "على أساس ثابت وطويل"؟ الجواب سلبي طبعا، وعلى الأقل هي لم تكن جزءاً رئيسيا في أبرز الحركات السياسية المطلبية في العقود الأربعة الأخيرة، بل أن كثيرا من هذه القوى وقفت ضدها.

2.   هل ترغب الأحزاب التي شكلت تجمع الفاتح، والتي خاضت ثلاث دورات انتخابية برلمانية، في الحلول مكان الحكومة؟ وأزعم إني على معرفة بتفاصيل العمل النيابي، ويمكن الجزم بلا تردد أن المنبر والأصالة والمستقلين اتخذوا عادة مواقف ضد زيادة الصلاحيات للمجلس النيابي وتقليص صلاحيات المجلس المعين. (راجع، مضابط جلسات تعديلات اللائحة الداخلية مثلا).

وقد يبدو للمراقب أن تجمع الفاتح يريد استمرار الشيخ خليفة في منصبه رئيسا للوزراء، إلا إذا قرر ولي الأمر شيئا آخر، وأن يظل هذا المنصب حكرا لآل خليفة ويتحكم في تعيينه الملك.. وتجمع الفاتح يتخذ هذه المواقف في ظل الأزمة السياسية والدستورية المستفحلة في البلد، ذلك أن فكرة الحكومة المنتخبة هي بالنسبة للتشكيلات المؤتلفة في التجمع هي أصلا خارج اطار المفكر فيه.

أما المعارضة، المتمثلة في الوفاق ورفيقاتها فإنها تعلن صراحة أنها تؤيد تشكيلا حكوميا يعبر عن إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات.
الوفاق، وعد، المنبر التقدمي، أمل، التجمع القومي، وجهات أخرى، ينظر إليها ـ عادة ـ على أنها معارضة "على اساس ثابت وطويل"، باختلاف درجات المعارضة، وارتفاع وانخفاض سقفها بين محطة وأخرى.

وطوال عقود، ظلت الوفاق والجماعات التي تمثلها والقريبة منها والمتحالفة معها في جبهة المعارضة، ليس حبا في ذلك، لكن بسبب غياب تداول السلطة.
بمعنى أنه لو كانت البحرين ديمقراطية فإن الائتلاف الداعم للوفاق أو المتحالف والقريب منها، قد يكون في الحكم، الذي يمكن أن يكون في يد هذا الطرف مرة، ويكون في يد طرف آخر مرة أخرى، اعتمادا على الأكثرية التي ستفوز بأغلبية المقاعد النيابية، إذا افترضنا أن الحكومة ستكون على الصيغة البرلمانية (النموذج البريطاني مثلا).
في الواقع، أن تكون في الموالاة فهذا يعني أن تكون في الحكم أو شريكا فيه، وأن تكون في المعارضة يعني أنك تريد أن تصل إلى الحكم أو تشارك فيه.
والأرجح أن موقع الفاتح هو الأول. وحين تكون في الموالاة وتنعم بخيراتها، لا يمكن أن تكون في نفس الوقت في المعارضة. بالمناسبة، ليس إشكالا أن تكون في الموالاة، بل إنه محل فخر أن تحكم أو تساهم في حكم البلد، لكن ذلك في الدولة الديمقراطية، التي تكون فيها الموالاة  أكثر شعبية منتخبة.

طبعا، بالنسبة لكثير من منتمي تجمع الفاتح فإن الحديث عن موقع المعارضة هو أقرب إلى المناورة واللعب بالألفاظ. لكن بعض الشخصيات الهامشية في الفاتح ربما ترغب في  الاستقلال في الرأي على الاقل، بيد أن هؤلاء إذا ما كانوا جادين فعلا في لعب دور معارض، فإن ذلك لا يمكن أن يتم من خلال تجمع الفاتح، للأسباب التي ذكرت.

وفي تقديري، ليس إشكالاً أن تكون في الموالاة، بيد أن الإشكال الأخلاقي الذي يواجهه تجمع الفاتح ضخم حقيقة، خصوصا في ظل الفساد واحتكار السلطة والعبث بالتركيبة السكانية والانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان التي مارستها وتمارسها السلطة، والتي بدا التجمع مشجعا لها، وهو أمر معيب سياسيا وأخلاقيا، مهما كانت التبريرات.

*صحفي بحريني.

1. راجع الموقع الإلكتروني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus