في رثاء الشيخ أحمد العصفور

2014-10-13 - 7:48 م

محمد طاهر العصفور

من الصعب جداً أن تكتب عن عزيز، سيما إذا كان يحمل عنوانا أبوياً ذا رحم ومكان تبجيل، تكون حينها مكان اتهام من الآخر أنك تُطري بعين الرضا، غير أن عزاءنا أن شيخنا الراحل - قدس سره الشريف- آثاره أكبر من أن تغمر وتاريخه يستعصي على النسيان، لايفارق الذاكرة، بل يزيده الزمن نضارة كلما علق في الاذهان، وسكن القلوب واستقر في الوجدان، نحن أمام علم امتد سنيا طويلة، واستمر في العطاء دون انقطاع حتى آخر لحظات حياته.

كان متحمسا للإسلام، ما إن انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، حتى سافر على رأس وفد لتهنئة الإمام الخميني بانتصار الثورة، كان متحمسا مؤمنا بتعدد الأدوار، يردد: سكوت السيد الخوئي وقيام الإمام الخميني حمى الحوزة العلمية من الضياع.

يتميز العصفور بروح كبيرة، أسمى خصلة فيها سمة التواضع، ومن تواضع لله رفعه، لا يحتجب عن الناس، أذاب الحواجز بينه وبين مختلف الطبقات، وهذه أولى رافعات الكاريزما- راجع عن ذلك فيما يخص الكاريزما الفيلسوف الألماني ماكس فايبر- لقد مارس الشيخ أعلى درجات الانبساط مع الناس، على مختلف طبقاتهم العلمية والمالية، من هنا كان الجميع يشعر بأبوته وحنانه وعطفه.

لقد ولي - قدس سره الشريف- القضاء زهاء نصف قرن من الزمن ، وعلى الرغم من تغير الأحوال، واختلاف مقاربات الناس في تقييم المواقف وتغير الأمزجة، فإن أحداً لم يستطع النيل من مكانة الشيخ القضائية ودقته المهنية، بل كان ينضح نزاهة وعفة، غير أن الشيخ الذي شغل القضاء مدة مديدة من الزمن، كان يؤثر أن يكون خادماً للحسين، على أية جنبة أخرى من جنبات التخصص والعمل، حتى استطاع أن يتربع على كرسي زعامة المنبر الحسيني في البحرين والخليج، لقد أبدع الشيخ في فن الخطابة الحسينية فأجاد، فأسس منبراً يمتاز عن غيره من المنابر، يدفعه إلى ذلك الإخلاص في خدمة سيد الشهداء، فانتهج أسلوبا واضح المعالم له عدة ملامح:

1- التكرار والذي يعبر عنه في حد ذاته على أنه (بلاغة) اذا انسجم مع المقام، ولقد كان يكرر مكان المناسبة -كما ذكر الاخ الاستاذ زكريا رضي- اذ كان يكرر مكان التفجع ومكان التأمل في مكانة اهل البيت (ع)

2- عنصر التشويق: استطاع الشيخ عليه الرحمة أن يبني عنصر التشويق في خطابته بحيث يهيئ المتلقي لمكان المراد ثم يتسلسل في إعطائه قصد المعنى، قال ذات مرة: وينكم يا موالين قوموا اطلعوا في الشوارع يا موالين، قوموا اطلعوا في الشوارع صيروا مجانين، أنا أسميكم مجانين، وأسميكم مجانين لأن يوم الطفّ طلع واحد أعزل، قال لا تلوموني حب الحسين أجنني .

3- كسر النمطية : كان لا يسير على وتيرة واحدة في المجلس نفسه بل إنه يحاول أن يطعم المجلس بأكثر من نمط شعري، ومقام فني، يلحظ ذلك من خلال الاستماع إلى مجالسه المختلفة.

وبعد فهذا كلام قليل لا يغطي مساحة واسعة امتدت قرابة قرن من الزمان في العطاء، وشكلت ظاهرة كبرى، وصارت مدرسة يسير المريدون على هديها، رحمك الله أيها الشيخ العظيم وخادم الحسين المخلص، نم قرير العين أبا خلف في ذمة الله وفي جوار محمد وأهل بيته.

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus