جون لوبوك: صناعة بطل: اعتقال نبيل رجب

2014-10-13 - 7:57 م

جون لوبوك، موقع ميدل إيست مونيتور

ترجمة: مرآة البحرين

بعد أقل من 24 ساعة من عودته إلى البحرين للمرّة الأولى منذ إنهائه مدة سنتين في السجن في مايو/أيّار وسفره إلى الخارج لمتابعة نشاطه في مجال حقوق الإنسان، يجد نبيل رجب نفسه وراء القضبان مرّةً أخرى.

ولنكون منصفين. علينا الإقرار أنه على الرّغم من ظلم الحكومة البحرينية، فإنّها لا ترغب في جعل رجب شهيدًا؛ لأنّ الثّمن سيكون غاليًا بالنّسبة إليها. ولكن بالمعنى الغربي المجازي للكلام، إنّها تحاكمه في العلن لأنّه يُشكّل إزعاجًا لها. وتكمن المشكلة في أنّه كلّما زجّته السّلطات في السّجن، يذيع صيته أكثر فأكثر، وتصبح قضيته أكثر شهرة أيضًا، ولم يبقَ إلّا خطوة واحدة تُتّخذ من أجل تحويله إلى أقرب ما يكون من نيلسون منديلا القرن الواحد والعشرين.

فعندما سأل ستيفان كولبرت،المدير التّنفيذي لمنظّمة هيومن رايتس ووتش كينيث روث في يناير/كانون الثّاني عن أفضل مُرشّح لخلافة نيلسون منديلا، ذكر نبيل رجب والمعارض الصّيني ليو شياوبو. ففي مايو/أيّار، خرج رجب من السّجن بعد قضائه سنتين وراء القضبان بتهمة "التّشجيع على الاحتجاجات،" وعلى الفور، ناشد المجتمع الدّولي طالبًا منه الدّعم، وتواصل مع وسائل الإعلام، والمنظّمات الحقوقية، وفي الأسبوع الماضي تكلم في مجلس الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان أيضًا.

وعقب عودته إلى البحرين هذا الأسبوع، تم استدعاؤه على الفور من قبل قسم الجرائم الإلكترونية التّابعة لإدارة التّحقيقات الجنائية، حيث تمّ استجوابه واعتقاله بسبب تغريدات نشرها على موقع تويتر، واعتبرها القسم إهانة لوزارة الدّاخلية.

ولا نجد في البحرين قوانين "الخيانة العظمى" بتهمة الإساءة إلى الملك، والتي تعود إلى القرون الوسطى فحسب، وهي قوانين يمكن إيجادها في تايلاند أيضًا، بل تُعتبر الإساءة إلى المؤسّسات الحكومية الأخرى جريمة أيضًا، لأنّه من الواضح أنّ ذلك يجرح مشاعرها. وملك البحرين حسّاسٌ جدًّا عندما يتعلّق الأمر بالحديث عنه بالسّوء، إلى درجة أنّه يحمي المؤسّسات الحكومية التي يستخدمها لقمع الذين قد يتجرّأون على إهانته بالقوانين التي تُجرّم حريّة الرّأي والتّعبير.

وبالطّبع، يشكّل هذا كلّه ذريعة للزّج بالنّاشطين في السّجون. إذ عند عودة النّاشطة البارزة مريم الخواجة إلى البحرين في نهاية أغسطس/آب، تمّ اعتقالها ويتم محاكمتها بتهمة إهانة الملك من خلال دعوتها أفراد العائلة الحاكمة للخضوع للعدالة فيما يتعلّق بدورهم في قمع المعارضة.

ومن بين مجموعة من أفراد الشّرطة تمّت ملاحقتهم قضائيًّا لقتلهم المتظاهرين في خلال انتفاضة البحرين في العام 2011، تمّت إدانة عدد قليل منهم فقط. إذ حُكم على الشرطيّين اللّذين تمّت محاكمتهما بتهمة تعذيب علي صقر حتّى الموت، بالسّجن لمدّة عشر سنوات، ولاحقًا تمّ تقليص المدّة إلى سنتين بعد الاستئناف، لأنّه لم يكن لديهما "نيّة للقتل". فلنفهم الوضع تمامًا؛ بإمكانك أن تقتل متظاهرين في البحرين ويُحكم عليك بالسّجن لمدةّ أقل من مدّة الحكم على مَن يجرح مشاعر المؤسّسات الرسمية غير الحسّاسة.

ومشكلة نبيل هي أنّه بالفعل محاورٌ جيّد قادرٌ على الإفصاح عن الحقائق المُرّة. ومن الصّعب تجاهل الحقائق الكامنة في كلامه، عندما يصرّح لوسائل الإعلام بأنّ "البحرين تشتري صمت بريطانيا بصفقات أسلحة،" وأنّ الصّراع السّنّي-الشّيعي المبني على استراتيجة "فرّق تسد" يُناسب الحكّام الاستبدايّين كأولئك الذين في البحرين والسّعودية أو سورية الأسد كي لا تتوحّد الشّعوب للإطاحة بالحكّام الظّالمين. إنّه شخصٌ مقدامٌ، يتمتّع بالحماس والكاريزما، ويرتدي الكوفية على الدّوام.وهو من ذلك النوع الأشخاص الذين يخرجون من السّجن ليعودوا مباشرة إلى أفعالهم السّابقة التي سبّبت لهم المشاكل في المقام الأوّل، ولكن بزخمٍ أكبر.


ويبدو أنّ السبب وراء دخول نبيل رجب إلى السّجن بالتّحديد هذه المرّة هو تغريدة يسخر فيها من حقيقة أنّ الكثير من المقاتلين البحرينيين في ما يُسمّى بالدّولة الإسلامية في العراق والشّام (داعش) كانوا أفرادًا من الشّرطة:

"لم تُستخدم قوانين الإرهاب في #البحرين و #الخليج ضد #الإرهابيين أو #داعش بل ضد المدافعين عن #حقوق الإنسان ومعتقلي الرّأي والضّمير."

ومع الأخذ بالاعتبار أنّ البحرين تُشارك الولايات المتّحدة حاليًّا في حملتها الجوّيّة على مواقع داعش، يبدو أنّ البعض في الحكومة شعر بالإهانة عند معرفته بأنّ الأشخاص الذين توظّفهم الحكومة لترويع مواطنيها قد تلوح في بالهم فكرة الذّهاب إلى العراق وسورية وفعل هذا الأمر نفسه بهذين الشّعبين.

وأصبح من المعلوم منذ زمنٍ طويل أنّ عناصر سنّيّة متطرّفة في البحرين سافرت للمشاركة في القتال مع الجماعات الإسلامية المتطرّفة ضد الأسد، وقد نشر مؤخّرًا بعض البحرينيين الذين انضمّوا إلى صفوف مقاتلي داعش فيديو على موقع يوتيوب يدعون فيه السّنّة في البحرين إلى الإطاحة بحكم "الطّاغوت".

ويبدو أنّ النّظام لا يريد تحمّل أي مسؤولية بخصوص هذا الأمر، كما كان يفشل، من قبل، في تحمّل تبعة الفوضى السّياسيّة القائمة في البحرين، ويُفضّل، على الدّوام، توجيه أصابع الاتّهام إلى إيران، أو الأحزاب المعارضة التي يزعم أنّها مرتبطة بطريقة ما بالحكومة الإيرانية. فالنّظام أشبه بالمدمن على الكحول الذي لا يبادر إلى اتّخاذ الخطوة الأولى والاعتراف بأنّه يعاني من مشكلة الإدمان. ويحتجّ النّظام قائلًا "نقوم بالإصلاح؛" ولكن لا دليل على ذلك. ولا تزال ممارسة التّعذيب والتّمييز السّياسي مستمرة ويبدو أنّ الفريقين فقدا الأمل من الحوار الوطني ومحادثات التّسوية.

وقد قدّمت الحكومة البحرينية الكثير من العون في الحملة ضد داعش، على الرّغم من أنّها تملك سلاح جوٍّ محدود الإمكانيّات. ولعلّها سئمت من شراء كل الأسلحة الأمريكية والبريطانية التي نستميت لبيعها لهم وأرادت استخدامها على سبيل التّغيير. أو لعلّ ذلك إلهاء مفيد يصرف النّظر عن مشاكل البحرين في الدّاخل:

فالانتخابات المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني، الفارغة من أي معنًى ستُقاطعها المعارضة مجدّدًا، وهذا سيجعلها فارغة أكثر وستجعل احتمال تحقيق أي حل سياسي بعيد المنال.

يُعاقب نبيل مرّةً أخرى لأنّه يُحذّر النّاس من حقيقةٍ مُرّة؛ وهي أنّ القمع الوحشي الذي يُمارس على البحرينيّين، من السّنّة والشّيعة، سواء كانوا من ضحايا أعمال العنف أو من مرتكبيها، يُنمّي التطرّف لدى كلا الفريقين. وأصبحت البحرين مماثلة لتجربة سجن ستانفورد، حيث يُعطى زي السّجّان لأحد الطرفين، ويُعطى الطّرف الآخر زي السّجين. فالعنف الذي يُمارسونه ضد بعضهم البعض ينتقص من الإنسانية الكامنة في كلا الطّرفين، ويُعمي أبصارهم عن رؤية المضطَهِد الحقيقي، وهو النّظام نفسه.

لقد قلب نظام آل خليفة البحرينيين ضد بعضهم البعض من أجل الحفاظ على حكمه المستبد. ولكن تحويل أشخاص كنبيل رجب إلى شهداء سياسيين، لن يجعل منه إلّا شخصيّة يتم التّعاطف معها أكثر، ويُنذر عددًا أكبر من الأشخاص حول الحقائق التي يحاول الكشف عنها.

التّاريخ: 3 أكتوبر/تشرين الأوّل، 2014

النّصّ الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus