الرادود حسين سهوان... "قال للمستضعفين لا تخافوا الظالمين"

2014-10-31 - 10:40 م

مرآة البحرين (خاص): كان عمره 13 عشر عاما، حين بدأ أولى مشاركاته في حسينية الحاج أحمد بن خميس بالسنابس، ولاحقاً في مواكب الشباب التي كانت تخرج من المآتم الأخرى في قريته مثل «مأتم عبدالإمام». ومثل أخيه جعفر فحياته لم تكن هادئة. إذ اعتقل في سن السادسة عشرة، بتهمة نشر صور رجل الدين السيد أحمد الغريفي، الذي توفي في حادث غامض أثيرت حوله كثير من الاستفهامات، خصوصاً للدور الحركي الذي كان يلعبه الغريفي. كان نشر صوره يعتبر جريمة آنئذ، وتم توقيفه يوما وحدا، تعرض فيه إلى تعذيب شديد على الرغم من صغر سنه، بما في ذلك تعليقه «الفلقة» وضربه على ظهره ووجهه وأذنيه، ما سبب له ذلك عاهة مستديمة في الظهر عبر مرض «الديسك» الذي لما يزل يعاني من تأثيراته حتى الساعة. 

في العام 1987 منعت السلطات موكب عزاء حسينية بن خميس بالسنابس من الخروج في ذكرى وفاة الإمام علي الهادي، الإمام العاشر لدى الشيعة تحت سطوة قانون أمن الدولة. إلا أن أهالي القرية، وخصوصاً الشباب المتحمس، على رأسهم حسين سهوان، رفضوا الانصياع إلى هذا القرار، فأخرجوا بروح مفعمة التحدي موكب عزاء من مسجد يقع في شرق القرية «السيف». وجاءت القصيدة التي ألقاها «ياعلي الهادي حرمنا .. إحياء ذكرى .. لخير عترة»، لتمثل صرخة التحدّي ضد إرادة السلطات التي بنت جداراً من الرعب بسبب اليد المطلقة التي منحها قانون الطواريء لأجهزة الأمن. وتضمنت أبيات القصيدة إسقاطات على فلسطين المحتلة، وقضايا الظلم والاضطهاد التي يتعرض لها المسلمون، وخصوصا في البحرين.

وما هي إلا أيام، وحلّت مناسبة دينية أخرى، وهي ذكرى وفاة الإمام محمد الجواد، الإمام التاسع للشيعة، لتتدخ السلطات مرة أخرى بمنع موكب عزاء حسينية بن خميس. ومثل المرة السابقة، كان مسجد «السيف»، الملاذ للشباب الثوري المتمرد على إملاءات السلطة. وكانت «شيلة» حسين سهوان الحماسية "ارفعوا اليوم رايات الشهيد ... يا دماء تتفجر ... اهتفي الله أكبر" ذروة في الرفض، بما تضمنته أبياتها إشارات إلى هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وإسقاط الطائرة المدنية الإيرانية في مياه الخليج 1988 من ركاب مدنيين والذين ناهزوا 290 راكباً، لقي جميعهم الحتف. وجاء في أبياتها: «طائرات تحلق في أمن الفضاء/ كيف تضرب فينا بنار الأدعياء/ أبرياء بها هل يموت الأبرياء/ساحة الحرب ميدان قتل وفناء/ أعطوا الإسلام "فيتو" يفك الزعماء/ هيئة الأمم لا تحامي الضعفاء». كما ألقى حسين سهوان، في المناسبة إياها هذه القصيدة التي تدعى «الوقفة»، وهو فن عزائي يقترب من الموشح ويمتاز بالسرعة «حرروها كعبة الدم، وانصرونا»، في إشارة إلى مقتل الحجاج الإيرانيين في خلال موسم الحج على يد القوات السعودية، أثناء خروجهم فيما كان يعرف بـ«مسيرة البراءة من المشركين» التي كان دعا لها الزعيم الروحي للثورة الإيرانية آية الله الخميني.

وشكلت تلك «الشيلات» دافعاً للسلطات لاعتقال سهوان؛ حيث داهمت منزله باديء ذي بدء، إلا أنه لم يكن موجوداً في المنزل. وبقي متخفيا لعدة أيام، قبل أن يضطر إلى تسليم نفسه. وقد صادر جهاز الأمن قصيدة "ارفعوا اليوم رايات الشهيد» من منزله لدى مداهمته؛ ليتركز التحقيق معه في المخابرات على أبياتها. ماذا قصدت عنا؟ ولماذا تطرّقت إلى؟ وهلمّ جرا.

نال وجبة غليظة من التعذيب تفوق بكثرة المرة السابقة؛ إذ تم تعليقه «الفلقة» مرات عديدة. أثناء ذلك، كان المعذبون يعمدون على تدوير الخشبة التي جرى تعليقه فوقها، يمينا وشمالا، إمعانا في إيلامه، وهو أسلوب في التعذيب يعرفه كل من زار أقسام المخابرات في تلك الأوانات. ثم ألقي به في زنزانة انفرادية لمدة 20. حين أطلق سراحه لاحقاً، صادف ذلك ذكرى وفاة الإمام علي بن الحسين زين العابدين، الإمام الرابع لدى الشيعة، فما كان منه إلا أن طلب المشاركة مرة أخرى في الموكب العزائي. لكن، مثلما يروي مطلع على حيثيات تلك الفترة «رجاه الرواديد عدم المشاركة». وقد حصل ما أرادوا، لكن ما هي إلا أيام وعاد لمشاركاته في مواكب العزاء من جديد.

بنفس الروح، بنفس القصائد السياسية المتحدية، عاد حسين سهوان إلى موكب حسينية بن خميس نهاية ثمانينات القرن الماضي، إضافة إلى عزاء «مأتم الشهيد» في العاصمة المنامة الذي لم يكن يخرج بإذن من السلطات، وكذلك عزاء البلاد القديم، التي كانت تشكل مركزاً للروح الثورية الجديدة. وكانت ذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس لدى الشيعة، مناسبة لإلقائه هذه القصيدة التي ذاع صيتها جداً في تلك الفترة «إنه للدين قائد... قال للمستضعفين... لا تخافوا الظالمين»، في إشارة إلى الخميني. وفي هذه المناسبة أيضاً ألقى قصيدته التي تقول: «قد بدت كل نوايا الكفر من تحت اللثام/ حينما أمريكا شنت حربها ضد الإمام/ ورأى العالم جوراً كل ظلم للأنام/ يد أمريكا عليه مهما أخفي الظلام/ عاود الإجرام سفكاً للدماء الطاهرات/ أيتم الأطفال ظلماً وأباح الحرمات/ ملأ الدنيا صراخاً من أنين الثاكلات/ وكذا البحر دماء عبر قصف الطائرات/ إن أمريكا بلاء ودمار وفساد/ كل شبر منها في العالم يشكو الاضطهاد/ تقتل الأطفال ظلماً وجحوداً وعناد/ إننا لا نرتضي وجودها في ذي البلاد».

كان لحسين سهوان الدور الأكبر في تطوير موكب عزاء السنابس، وتحويله إلى موكب مركزي يتقاطر على المشاركة فيه المعزّون من القرى المجاورة، وكان من رواديد الصف الأول على مستوى البحرين في خلال فترة الثمانينات. داهمت السلطات منزله مرة أخرى، ولم يكن موجوداً، فاعتقلت أخويه جعفر ومهدي سهوان. مما يرويه مهدي في هذا الصدد؛ حيث أبقي في السجن بسبب أخيه لأسبوع، هذا السؤال الغريب الذي قال إن أحد أفراد المخابرات سأله إياه «بم يفكر أخوك حسين سهوان؟». لا أعلم، قال. وهو السؤال نفسه الذي وجه بإلحاح لحسين، عقب تسليم نفسه تحت ضغط استمرار اعتقال أخيه: «بم تفكر!؟». وقد أحضرت له أخته في مبنى المخابرات؛ حيث تمت إهانتها أمامه والبصق في وجهها، في مسعى لتحطيمه نفسياً.

ثم استأنفت معه أساليب التعذيب السابقة تحت إشراف المعذب خالد المعاودة، والإيقاف لأيام حتى يسقط مغشياً عليه، وأخذه للمستشفى ثم معاودة إيقافه وتعذيبه. وهكذا استمرت مدة توقيفه حوالي الثلاث سنوات، ليتم الإفراج عنه... ثم لينال بعدها حكماً بالبراءة!


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus