» رأي
الملك في خطابه للبرلمان: الديمقراطية لم يحن وقتها
عباس بوصفوان - 2011-10-10 - 11:08 ص
عباس بوصفوان*
في أكثر من موقع من خطابه الذي افتتح به البرلمان أمس الأحد، قال الملك حمد بن عيسى آل خليفة إن الديمقراطية في البحرين لم يحن وقتها.
وبرر الملك رفضه للديمقراطية، بعدد من الحجج:
1ـ الديمقراطية ضد الخصوصية البحرينية
اعتبر الشيخ حمد أن "نظام الدولة المدنية النابع من طبيعة التكوين الثقافي والسياسي والاجتماعي والديني هو الذي يناسب بلادنا".
وفي ذلك إعلان ملكي واضح بأن النظام الراهن، الذي تحتكر فيه العائلة الحاكمة القرار السياسي والثروة القومية، هو الذي "يناسب بلادنا".أما الديمقراطية، بما هي تداول للسلطة، فإنها لا تتناسب والخصوصية البحرينية.
لم يستخدم الملك لفظ الخصوصية، لكنه يعنيها حين يشير إلى ما يراه تكوينا متمايزا للبحرين يجعل من تشكيل حكومة منتتخبة وقضاء نزيه ومؤسسة أمنية تمثل الشعب وتحميه، خارج إطار منظومة البحرين الثقافية والاجتماعية والدينية.
وأجدني مضطرا لمصارحة للملك، بأن مقولة الخصوصية قد سقطت عالميا، وباتت مفاهيم المساواة وحقوق الإنسان وحق الشعوب في أن تحكم نفسها بنفسها، معطى انسانيا ثابتا، تقوم عليها مبادئ الأمم المتحدة والمواثيق الدولية الملتزمة بها ممكلة البحرين، والعديد منها صدق عليها الملك بنفسه.
نعم، تستخدم كلمة الخصوصية في مختلف البلدان، دون أن تخل بأسس الديمقراطية وأطرها القانونية وتطبيقاتها الفعليه، بما هي صراحة حكم الشعب لنفسه.
إن الثقافة الخاصة بالشعوب والأمم ستظل ترفد التجارب الانسانية، بما يعطي كل نموذج/ دولة نكهة خاصة، نراها واضحة في اختلاف النموذج الأميركي عن البريطاني عن الدنماركي عن البرازيلي عن التركي.
أما الإطار الذي يجمعها فهو واحد: انتخابات دورية شفافة ونزيهة تضمن تداول سلمي للسلطة.
2ـ الديمقراطية تهدد الوحدة الوطنية
يقول الملك في خطابه أمس ان نظام الدولة الراهن "هو الذي يناسب بلادنا ويعزز اللحمة الوطنية"، ومعنى ذلك أن النظام الأحادي/ الديكتاتوري هو الذي يصون الوحدة الوطنية.
وبهذا المعنى أيضا، فإن تطبيق أسس الملكية الدستورية بما هي أحزاب تحكم بحسب أغلبيتها البرلمانية، يضر بالوحدة الوطنية. ويعمق من الشق الوطني، ويعزز الطائفية، وقد يقود للحرب الأهلية.
وفي الحقيقة، فإن أي مراجعة للخطاب الرسمي، منذ 14 فبراير الماضي، بما في ذلك خطاب الملك، يلحظ بوضوح ربط الديمقراطية بالحرب الأهلية. وبهذا، تقول العائلة الحاكمة للقطاعات المعارضة بأن عليها الاختيار بين أمرين: الديكتاتورية أو الحرب الأهلية.
وقد أجرت السلطة بروفه للنزاع الأهلي في فبراير ومارس الماضيين، حين حركت بلطجيتها للهجوم على المناطق التي تقطنها قطاعات شعبية تطالب بالديمقراطية.
وبصراحة، سيظل فك الكماشة هذا (الديكتاتورية أو الصراع الأهلي) حاضرا دوما، تستخدمه السلطة كلما حققت الحركة الاحتجاجية نجاحات، بل بمقدار ما تحقق من نجاحات ستجر السلطة البلد للنزاع الأهلي.
ويبدو من الصعب تفادي ذلك من دون تفاهمات وتوافقات لاتمام حالة الانتقالة للديمقراطية.لكن ما غاب عن الخطاب الملكي، هو أن الصحيح والثابت، هو أن فكرة الديمقراطية تم بناؤها في أوروبا عصر الأنوار كي يتم تفادي الصراع الأهلي، وليس العكس.
فإذا كان المجتمع أمام مجموعة من الرؤى المتباينة التي تعتقد كل منها أنها أولى أن تسود/ تحكم بلد ما، فإنه يتم العودة للشعب للاختيار من بينها، وبذا ينتقل الصراع من الشارع: بالسيف والدبابة، إلى حلبة البرلمان: بالكلمة والقانون.
إن أهم ما تضمنه الديمقراطية التداول السلمي للسلطة، وتمكين الشعب من إزاحة أي فصيل سياسي موجود على سدة الحكم في انتخابات نزيهة.
إذا، بعكس ما يروج الخطاب الملكي، من أن الديمقراطية تقود للصراع، فإنها ـ حقيقة ـ تقنن النزاعات في أطر سلمية، وتحيلها إجراءات تتبارى في كسب ثقة الشعب، وتكون المؤسسة البرلمانية معتركها، لا الشارع.
وبدلا من البندقية، تتمثل أدوات الصراع في ظل الديمقراطيات في البيانات والخطب والاعتصامات والانتخابات الدورية والأسئلة البرلمانية والاستجوابات للوزراء وطرح الثقة فيهم، والإطاحة بالحكومات، إضافة إلى الدور المحوري للإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.
3ـ نعم للتطوير لا للديمقراطية
يتضمن الخطاب الملكي تعبيرا آخر يدل على رفض الشيخ حمد التحول للديمقراطية، حين يقول: "سنساند من يعمل على التطوير الثابت الواثق كسنة تاريخية"
إن ذلك يعني أن المطالبة بالديمقراطية، بالمفهوم السائد عالميا، لا يحظى بمساندة الملك، ذلك أن الشيخ حمد يدعو للتطوير وليس الديمقراطية. ورغم أن الملك يقول إن التطوير سنة التاريخية. فإنه لا يحدد ماذا يعني بهذه الكلمة. هل يقصد حكومة أكثر فاعلية، ومجلس شورى أكثر اختصاصا؟ أو أنه يعني صيغ أكثر تقدما؟ ذلك لا يبدو جليا.
وإذا كان القياس على التجربة، فإن الملك خط بنفسه دستورا، في 2002، يحيله حاكما مطلقا. ما يجعلنا نعتقد بأن التطوير في نظر الملك هي هذه الصيغة التي تحيل الشعب هامشيا في صنع القرار السياسي، وفي أحسن الأحوال "مشاركا" في صنعه، كما في نماذج مجالس الشورى المتعاقبة ودستور 2002.
ورغم أن صيغة "الشراكة في القرار" باهتة، والتفافية على مطلب الديمقراطية، فإنها لم تطبق أصلا في السنوات العشر الأخيرة، ولأن الثقة معدومة في إمكانية تطبيقها على هوى الحكم ومزاجه، فإنها لم تعد على الطاولة أصلا.
لقد أسقطت ثورات الربيع العربي الصيغ الضبابية تلك، وهي تطالب بالقرار كله، ما ينهي كليا مفهوم التطوير الملتبس المستخدم في الخطاب الملكي.
4ـ الانتقال للديمقراطية يعني حرق المراحل
جاء في خطاب الملك أمس، أنه يساند التطوير "دونما قفز على المراحل".
والإشكال هنا أن العائلة الحاكمة تريد هي، ولوحدها، أن تحدد المراحل التي يجب أن تقطعها البحرين كي تتطور، أو حتى تنتقل للديمقراطية، إذا ما افترضنا ان الملك يقصد بالتطوير الديمقراطية مثلا.
إن المعارضة، ومنذ أكثر من عشر سنوات، تتحدث عما يسميه إبراهيم شريف تزمين الإصلاح، ذلك أن القوى السياسية الوطنية لا تقول، عموما، بأنه يتوجب انتخاب رئيس الوزراء غدا. إنها تدرك صعوبة ذلك وكلفة الدم الذي تريد التقليل من دفعه، لذا تراها تتحدث عن أهمية الحوار للاتفاق على مسار يضمن انتقالة سلسة، في إطار سقف زمني معلوم ومحدد، من نظام أحادي إلى نظام تعددي.
لكن الحكم يفضل مشي السلحفاة فيما يسميه تطويرا. وبسبب ذلك لم تتغير معادلة انفراد العائلة الحاكمة بالسلطة ومقدرات البلد بعد مضي أربعين عاما على نشوء الدولة الحديثة.
وفي السنوات العشر الأخيرة التي سميت مشروعا إصلاحيا تكرس الانفراد بالسلطة على نحو أخل بمفهوم الدولة اصلا كبنية دستورية وقانون ومؤسسات وشعب، على نحو أفرز، في 14 فبراير 2011، انتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخ البحرين.
وإذا سرنا على هذال المنوال من "التطوير"، و"عدم حرق المراحل"، فقد نحتاج قرن من الزمان لنصل إلى تشكيلة برلمانية معبرة عن الشعب.
حسنا، إن هذه المقولات الملكية لم تعد مقبولة أو مستساغة حتى. فالتذرع بالخصوصية لم يعد يقنع أحدا، وبصراحة فإنه بات نغمة ماضوية وقديمة.
أما التلويح بالنزاع الأهلي، فذلك ما يمكن للسلطة أن تجر البلاد إليه، بيد أنه ليس في صالح البحرين، وليس في صالح العائلة الحاكمة نفسها، كما تقول تجارب الحروب الأهلية في الإقليم. فيما تنضم الديمقراطية اصلا الاختلافات وتحيلها صراعا داخل حلبة مقننة.
وبشأن مسألة حرق المراحل، فقد اتضح بعد أربعين سنة من نشوء الدولة الحديثة أنه كلام حق يراد به باطل.
ادرك أزمة الخيارات عند النظام، واستوعبها تماما، لكن يبدو أسلمها التوافق على الانتقال للديمقراطية!