الدولة البحرينية: مسلسل التواطؤ مع التنظيمات المتشددة "ألف ليلة وليلة".. وغاراتنا على العراق وسوريا وعلى "نبيل رجب"

"داعش" بيننا: من الإنكار الطويل إلى الاعتراف "عندنا 100 مقاتل" «4»

- استقبال رئيس الوزراء البحريني لوفد من جمعية "الأصالة" السلفية المقربة من الحكومة - 2012 «أرشيفية»
- استقبال رئيس الوزراء البحريني لوفد من جمعية "الأصالة" السلفية المقربة من الحكومة - 2012 «أرشيفية»

2014-11-22 - 2:15 ص

مرآة البحرين (خاص): ظلت السلطات البحرينية تعتمد مقاربة تقوم على الإنكار لما يتعلق بمشاركة مواطنيها في العمليّات الخارجية للتنظيمات المتشددة أو أن يكون لها موطيء قدم في المجتمع المحلّي. "ليس هناك مؤيدون لتنظيم داعش بيننا".هذا واحد من "الموشورات" التي عمل مسئولو الدولة على ضخها بشكل متكرّر في الإعلام المحلي رداً على التقارير التي تتحدّث عن ظهور رايات "داعش" في عدد من المناطق البحرينية. ويقول نائب رئيس مجلس الوزراء البحريني محمد بن مبارك آل خليفة في تصريح 10 أغسطس/ آب 2014 قبل أسابيع قليلة من إعلان بلاده المشاركة في الحرب على التنظيم المتشدد "ليس صحيحا ما يشاع حول رفع علم داعش في أحد مساجد البحرين ولا وجود لمؤيدين للتنظيم بيننا".

وأعاد السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة تركي الفيصل الذي أصبح لبلاده نفوذ كبير على صناعة القرار في البحرين منذ تدخل قواتها لقمع احتجاجات العام 2011 الاستثمار في "موشور" الإنكار إيّاه خلال ندوة في واشنطن 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. قال "لا وجود لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في البحرين".وواصل حديثه الذي أراد به تبرئة ساحة حليفه الصغير بعد توالي الأنباء التي تتحدث عن مصرع شبّان بحرينيين والمكانة الرمزية اللافتة التي أخذ يحتلّها كثير منهم في التنظيمات المتشددة "البحرين خالية من فاحش (داعش) وأخواتها ولكن هناك عنف تمارسه أطراف شيعية"، على ما عبّر.

إلا أن سياسة الإنكار ليست المقاربة الوحيدة التي يمكن العثور عليها في معالجة البحرين لملفّ الجماعات المتشددة المحلية. هاكم المقاربة الواهية الأخرى التي صاغتها المتحدثة باسم الحكومة البحرينية وزيرة الدولة لشئون الإعلام سميرة رجب، عقب استيلاء تنظيم "داعش" على أراض واسعة في العراق يونيو/ حزيران الماضي. إذ صرّحت "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش هو اسم للتغطية على إرادة الشعب العراقي".

وقدمت رجب في سلسلة تصريحات 11 يونيو/ حزيران 2014 مطالعة مشبّعة بالسذاجة للتطورات الإقليمية قائلة "هناك من يؤكد أن داعش اسم يتردد في الإعلام للتغطية على إرادة الشعب العراقي في الحرية والكرامة"، معتبرة أن "أحداث الأنبار ثورة ضد الظلم والقهر الذي ساد العراق لأكثر من عشر سنوات"، على حد تعبيرها. كما أدلى المندوب الحكومي لمملكة البحرين في اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، سعيد الفيحاني، بمطالعة شبيهة معتبراً في تصريح 16 أغسطس/ آب 2014 أن تقدم قوات "داعش" في العراق ما هو إلا تعبير عن "ثورة عشائر".

لكن فيما كان الخطاب السياسي الرسمي يغرق في مطّ مفردات "الإنكار" وسوق التبريرات الواهية للتغطية على الجماعات المتشددة التي أحكمت القبضة على حواليّ ثلث العراق وشارفت الوصول إلى "بغداد"، إضافة إلى أراض واسعة في سوريا، كان يتكشّف في المقابل المشهد الأثير لحجم مساهمة المواطنين البحرينيين في هذه التطوّرات:

■ إن واحداً من أبرز قياديي "داعش" اليوم الذين يتربعون على عرش "الفتيا" في التنظيم، هو البحريني تركي بن مبارك البنعلي الذي يتحدّر من قبيلة وثيقة الصلة بالعائلة الحاكمة البحرينية وكان يقيم في البحرين متمتعاً بحرية الحركة والسفر منها وإليها تحت العديد من الأسماء المستعارة كأبي سفيان السلمي، وأبي همام الأثري، وأبي حذيفة محمد بن عبد الرحمن البحريني، وأبي حزم السلفي، وأبي الحسن الأزدي، وحاتم المقبل، وأبي الفداء، وأبي ضرغام وغيرها من الأسماء. ويتبيّن من جدول رحلاته الدعوية في العامين الأخيرين عن قيامه بالسفر إلى العديد من البلدان بينها سوريا مرتين وليبيا واليمن والمغرب لغاية فبراير/ شباط 2014.

داعش

- الضابط في وزارة الداخلية محمد البنعلي

■ إن واحداً من أبرز قياديي"القاعدة" الذين لقوا حتفهم هذا العام هو البحريني أحمد عبدالرحمن شهاب أحمد شهاب، الملقب بـ"عبدالرحمن الشرقي". وقد أعلن التنظيم في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2014 عن مقتله في العراق في عملية خاصّة لقوّات التحالف؛ ليتبيّن غضون ذلك - وفق الإفادات التي أدلى بها رفاقه عقب مقتله - أنه كان يشغل منصب مسئول العمل الخارجي في تنظيم "القاعدة" بأفغانستان. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد أدرجت اسمه العام 2012 على لائحتها السوداء للإرهابيين، كما قامت وزارة الخزانة الأميركية بإدراجه على لائحة المشمولين بالعقوبات الاقتصادية 2014.

■ إن واحداً من أبرز المنضوين الأجانب الذين احتفى تنظيم "داعش" بشكل خاص بضمّهم إلى صفوفه في يوليو/ تموز 2014، كونه آت من مؤسسة أمنية، هو الضابط في وزارة الداخلية البحرينيّة محمد عيسى البنعلي الملقب بـ"أبي عيسى السلمي" الذي ظلّ مسجلاً ضمن كادر الوزارة لغاية سبتمبر/ أيلول 2014؛ أي حتى بعد إعلانه الرسمي عن الوصول إلى العراق وانضمامه إلى "داعش". قبل أن تقرّ وزارة الداخلية بانضمام أحد ضباطها إلى التنظيم المتشدد، زاعمة في بيان 4 سبتمبر/ أيلول 2014 بأنها "كانت قد أنهت خدماته من قبل إثر تخلفه عن العمل".

■ إن اثنين من أبرز الذين أدرجتهم وزارة الخارجية الأمريكية على قائمتها لمموّلي الحركات الجهادية والمجاميع المسلحة هذا العام 2014 والتي ضمت نحو 131 أكاديميا وناشطا ورجال دين من 31 دولة، هما الداعيتان البحرينيان شوقي بن عبد الرحمن المناعي وعادل بن علي الشيخ.

■ إن واحدة من أقوى حملات "تجهيز غازي" على مستوى الخليج التي أقيمت بشكل علني تحت عنوان "دعم الجهاد في سوريا" كانت البحرين منطلقاً لها. وقد أديرت من قبل جمعية مرخصة من السلطات البحرينية، وهي جمعية "الأصالة" السلفية، بدعم من دعاة خليجيين متطرفين كانوا يترددون بانتظام على البحرين حتى أواسط هذا العام 2014 لأغراض جمع المال كالشيخ عثمان الخميس والشيخ حجاج العجمي والشيخ محمد العريفي والشيخ عدنان العرعور والشيخ صالح الفايز وغيرهم. فيما لقيت الثناء الضافي من قبل الفصائل الجهادية بسوريا كما اتضح ذلك من عديد الفيديوهات التي ظلت تتدفق بين عاميّ 2012 و2013 مثنية - بشكل خاص لاترقى له أية دولة خليجية أخرى - على مموليها البحرينيين.

■ إن 13 من المقاتلين الأجانب الذين لقوا حتفهم في سوريا والعراق بين عامي 2013 و2014 مع تنظيمي "داعش" و"النصرة" كانوا من الرّعايا البحرينيين بينهم اثنان من العاملين في قوة الدفاع البحرينية، وهما عبدالعزيز العثمان وعبدالرحمن العثمان. وقد تمكن أحد هؤلاء، وهو إبراهيم العوضي، وفق ما روى رفاقه، من مغادرة البحرين إلى العراق؛ حيث قتل في 29 سبتمبر/ أيلول 2014 رغم وجود مذكرة سابقة صادرة من السلطات تقضي بمنعه من السفر. وتطالعنا الوقائع المتعلقة بمشاركة البحرينيين في القتال مع التنظيمات المتشددة بتفاصيل لافتة حول انسيابيّة ترددهم على أماكن الصراعات والعودة ثانية إلى البحرين، واستئناف سفرهم مرة ثانية وثالثة. ويتحدث رئيس جمعية "العدالة" محيي الدين خان عن تفاصيل رحلة ابنه إبراهيم (18 عاماً) إلى القتال في سوريا؛ إذ يقول "مكث شهرا ورجع للبحرين في منتصف رمضان وبقي مع عائلته حتى منتصف شوال، ثم سافر مرة أخرى، وأخبرنا أن هذه المرة لن يعود حتى النصر أو الشهادة". كما تروي صحيفة "الأوبزرفر" البريطانية قصة أحد المتجنسين البحرينيين وهو الشاب السوري أبو المعتصم (18 عاماً) الذي "ترك والديه اللذين يعملان في البحرين وعاد إلى بلاده، حيث انضم للجيش السوري الحرّ بضعة أشهر قبل أن ينضمَّ إلى جماعة أحرار الشام". وتقول الصحيفة في تقرير 17 أغسطس/ آب 2014 إنه "عاد بعد ذلك لزيارة أهله في البحرين، فمنعوه من العودة إلى سورية للمشاركة في القتال، لكنه بعد ذلك عاد، وانضم إلى تنظيم داعش".


اعتراف متأخر مع "حذلقة"

داعش 22

- عبدالعزيز العثمان أحد منتسبي قوة دفاع

 البحرين بسوريا


أمام توالي التقارير التي تتطرّق إلى حوادث من هذا النوع اضطرّت الحكومة البحرينية تحت الضغط الإعلامي إلى كسر سياسة الإنكار لأول مرّة عبر تطوير مقاربة مخاتلة تتسم بـ"التحذلق". وهي تقوم على الإقرار الضمني بالدور المتنامي للمتطرّفين البحرينيين في سوريا والعراق، لكن استناداً إلى تكتيكات "المشاغبة المحلية" مع جماعات المعارضة الشيعية.

ففي لقاء تليفزيوني مع قناة "روتانا خليجية" (12 يوليو/ تموز 2014) صرّح وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة رداً على سؤال في هذا السياق بأن "هناك من أبناء البحرين الشيعة ذهبوا إلى جانب أحزاب تقاتل مع النظام في سوريا، وهناك ناس من أبناء السنة يقاتلون مع جهات تقاتل النظام، ونحن لسنا مع هذه الجهة أو تلك". وهي المزاعم التي لم تتوافر أية مؤيدات مادّية داعمة لصحتها - حتى وقت كتابة هذه السطور -.

لكن فيما كان ذلك كذلك كان المستوى الفاقع لتورط البحرينيين في العمليات الخارجية للتنظيمات المتشددة قد بلغ مداه من التضخم على نحو تغدو "الحذلقة" معه نوعاً من "الكوميديا". وجاء إعلان الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول من هذا العام 2014 عن بدء شن غارات على معاقل تنظيم "داعش" في العراق وسوريا ليمثل حافزاً للسلطات البحرينية لإدخال "انفراجة خطابية" على مسلسل الإنكار الطويل جعلتها تبوح بكل ما ظلّ مكتوماً في إطار تقديم بعض الالتزامات ونفي شبهات "التواطؤ".

وقد عاد وزير الخارجية الذي كثف من إطلالاته الإعلامية على نحو غير مسبوق عقب إعلان البحرين عن مشاركتها في الغارات على تنظيم "داعش" للتصريح في 25 سبتمبر/ أيلول 2014؛ ولكن هذه المرة كي يمحض اعترافاً كاملاً بعد طول إنكار بأن "أعداد البحرينيين المنتمين لما يعرف بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) يصل إلى 100 شخص".

كما قامت المتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب هي الأخرى بتطوير مقاربتها الساذجة لتطوّرات الأحداث في العراق إثر مقطع فيديو أظهر 4 من المقاتلين البحرينيين في صفوف تنظيم "داعش" وهم يتوعّدون فيه الحكومة بالويل. وأكدت في تصريح 30 سبتمبر/ أيلول 2014 المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية في هذا السياق بأن "البحرينيين المقاتلين في صفوف داعش بالعراق وسوريا يصل عددهم إلى 100"، مشيرة إلى أن "هذه كل المعلومات التي نمتلكها الآن ولا توجد غيرها أدق"، وفق تعبيرها.

"ويكيليكس" وقلق السفير

الحقيقة أن التتبع التاريخي لتعاطي السلطات البحرينية مع التطرف السلفي الآتي من الداخل يكشف عن صورة أثيرة من "التواطؤ" مقارنة مع سياسة الحزم التي تعتمدها مع جماعات المعارضة التي تطالب بالديمقراطية. فخلال الأعوام التي تلت الحرب على أفغانستان (من 2002 إلى 2012)، أعلنت السلطات على فترات إلقاءها القبض على خمس خلايا على الأقل للاشتباه في صلة أعضائها بتنظيم "القاعدة"، بينهم عدد من قدامى المجاهدين في أفغانستان.

لكنّ أقسى العقوبات التي نالها أفرادها ممن تمكن القضاء من إدانتهم فعلياً في جرائم موصوفة (قضيتان على الأقل) لم تجاوز الخمسة الأعوام، فيما تدرّجت بقية الأحكام تنازليّاً إلى سنة واحدة. قبل أن ينالوا إثر قضائهم مدداً محدودة في السجن على "مكرمات ملكية" بالعفو.

ففي فبراير/ شباط 2009 قضت المحكمة الكبرى الجنائية بسجن مواطن بحريني أدين بتمويل تنظيم "القاعدة" لمدة سنة فيما عرف بـ"خلية الخمسة". كما قضت بسجن مرافقيه، أحدهما سوري، غيابيا لمدة 5 سنوات. وفي مارس/ آذار 2010 صدر عن المحكمة نفسها حكم بالسجن 5 سنوات لمتهمين، أحدهما أردني يحمل الجنسية البحرينية والآخر بحريني يعمل موظفا في جهاز الجمارك والموانئ، بعد أن أدانتهما بــ"محاولة استهداف القاعدة الأميركية في الجفير".

وحول ذلك تطالعنا وثائق "ويكيليكس" بتفاصيل لافتة عن الكواليس المتعلّقة بالقضيّة الأولى "خلية الخمسة" المتهم فيها البحرينيّ أحمد شهاب، مسئول العمل الخارجي في تنظيم "القاعدة" بأفغانستان والذي أدرجته الولايات المتحدة على قائمتها السوداء للإرهاب.

إذ تكشف مراسلة سابقة بين السفارة الأمريكية في المنامة ووزارة الخارجية الأمريكية مؤرّخة في 11 مايو/ أيار 2009 عن تعبير السفير الأمريكي آدم إيرلي في اجتماع مع النائب العام البحريني علي فضل غانم البوعينين عن القلق من "إمكانية إصدار عفو ملكي بحق المتهمين في خلية الخمسة، وخصوصاً البحريني أحمد شهاب والسوري خطّاب، كما حصل مع عادل صالح المتهم معه في نفس القضية".

وأشارت المراسلات إلى أن السفير الأمريكي واصل بإلحاح لقاءاته مع مسئولين بحرينيين من الصف الأول بين أبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2009 للتعبير عن قلق الولايات المتحدة من العفو الملكي الصادر بحق عادل صالح. وقد اجتمع مرتين خلال شهر أبريل/ نيسان 2009 مع وكيل وزارة الخارجية البحريني وقائد قوة دفاع البحرين ووزير التجارة ووزير المالية للهدف نفسه.

وعاد مرة أخرى في 10 مايو/ أيار 2009 ليجتمع مع النائب العام علي فضل البوعينين لسؤاله "عما ستفعله الحكومة البحرينية لاحقاً مع صالح. كما استفسر عن وضع الرجلين المتهمين غيابياً، وهما أحمد شهاب وخطّاب". وتمضي المذكرة شارحة بأن النائب العام طمأن السفير بأن "صالح الذي خرج بعفو ملكي من السجن سيبقى ممنوعاً من السفر وأن جهاز الأمن الوطني صادر جواز سفره، ويقوم بمراقبة تحركاته وأنشطته".

وعلّق السفير الأمريكي في آخر المراسلة بعبارة ذات مغزى، إذ قال "من خلال خبرتنا مع الحكومة البحرينية فإنها تستطيع التحكم في المجموعات السنية المتطرفة"، على ما أظهرت الرسالة التي نشرها موقع "ويكيليكس" تحت الرمز الموسوم (09MANAMA281_a).


حسابات المشير و"رجاله"

حسابات المشير ورجاله

- استقبال قائد الجيش لوفد من جمعية الأصالة


إن عبارة "التحكم في المجموعات السنية المتطرّفة" توجز العديد من الحقائق اللاحقة حول مغزى تهرّب السلطات عن مساءلة مسئولي "الأصالة" حول نشاطهم العلني في حملات "تجهيز غازي" التي ظلت تقام في الجوامع البحرينية نحو العام الكامل (من أغسطس/ آب 2012 إلى أغسطس / آب 2013) تحت عنوان واضح "دعم الجهاد في سوريا" وتسللهم غير مرّة؛ حتى مطلع هذا العام إلى الداخل السوري والاجتماع بمسلحين من تنظيمات إسلامية متطرّفة.

لقد صاغ قائد قوة دفاع البحرين خليفة بن أحمد آل خليفة بشكل مبكر ما يشبه "برنامجاً للتحكم" عبر سلسلة تصريحات أدلى بها في حوار مع صحيفة "الرأي" الكويتية (16 يونيو/ حزيران 2013) اعتبر فيها أن "الثورة السورية هي الوحيدة التي يمكن أن يطلق عليها ثورة شعب، وما حصل في البلدان العربيّة الأخرى من تونس إلى مصر إلى ليبيا فاليمن والبحرين فهو مؤامرة غربيّة"، داعياً إلى "إرسال قوات عربية موحّدة إلى سوريا لوقف المجازر، ولا مانع من تدخل قوات خليجية أيضا حتى لا تقع حرب إقليمية".

في نفس الإطار عاد وزير الخارجية خالد بن أحمد آل خليفة ليعلن التمسك بالبرنامج إيّاه، قائلاً في حوار مع صحيفة "الحياة" (30 سبتمبر/ أيلول 2013) "نحن لا نزال مع تسليح الشعب السوري للدفاع عن نفسه".

إن هذه التصريحات يمكن للتيارات المحلية المتطرّفة أن تترجمها على النحو التالي: "يدنا طليقة"، وهكذا كان. وليس مستغرباً أن تكون "الأصالة" التي اعترفت تنظيمات إسلامية بأنها "تلقت منها مضادات للطيران" هي أول من يتلقى بالتثمين الشديد والثناء هذه التصريحات. إذ علق رئيسها عبدالحليم مراد في بيان (16 يونيو/ حزيران 2013) قائلاً "يجب تنفيذ دعوة المشير بتقديم الدعم العسكري، عربيا وخليجيا، لمساعدة الشعب السوري في مواجهة حزب الشيطان والحرس الثوري والجيش الروسي".

يمكن الملاحظة هنا أن مواقف التيّار السلفي في البحرين بشتى أطيافه تتساوق هبوطاً وصعوداً مع الموقف الرسمي في نوعيّة الاقتراب من الأحداث في المنطقة. وعلى ذلك يمكن قياس مستوى انخراطها.

إن قيام "الأصالة" بإحلال الإعلانات "المواربة" التي تركز على استنهاض العناوين الإنسانية لتحصيل التبرعات مكان إعلانات حملات "تجهيز غازي" يتوافق زمانيّاً إلى حد ما مع بدء الدولة البحرينية في تطوير مقاربة أخرى إزاء ملفيّ سوريا "؛ حيث اقتنعت الآن - ومعها بقية الدول الخليجية - بانسداد أفق الحل المسلّح" وملف الجماعات المتشددة "؛ حيث أحلّت الاعتراف الآن مكان سياسات الإنكار".

على هذا قامت الجماعات السلفيّة بتطوير نموذج للتأقلم مع خطاب الدولة البحرينية بشكل متزامن مع "انعطافتها" إزاء الملف السوري.

إن التدقيق المتمعّن في اتجاهات السلفية في البحرين يمكّن الملاحظ من استخلاص حقيقتين: أولاهما، أن جميعها تورّط في مرحلة ما في دعم "الجهاد السوري" بالمال أو البشر أو التحريض. ولا يُستثنى من هذا إلا اتجاه أقلّي يمثله الشيخ فوزي الأثري الذي ينشط في مجال الدعوة الدينية من منطقة قلالي ويتبنى التحريم المطلق للعمل السياسي. وثانيتهما، أن جميعها تدين بعلاقات الولاء تاريخيّاً إلى الدولة البحرينية؛ حتى تلك الموصومة بـ"الجهادية".

ويجري ضبط إيقاع هذه العلاقات من خلال سياسة "التخادم المتبادل" التي تمكّن الجماعات السلفيّة من الحصول على بعض المنافع بينها حرية واسعة في الدعوة والتمتّع بمزايا الموارد. كما تمكّن الدولة في المقابل من الحصول على نوع من الشرعيّة التقليدية "الدينية" أو "العصبيّة" القابلة للاستثمار كأداة غليظة في وجه جماعات المعارضة.

وقد لاحظ المؤرخ البحريني بشار الحادي الذي تمثل مدوّنته على شبكة "الإنترنت" مرجعاً لمعرفة الضغوطات التي تتعرّض لها الجماعات الأزهرية "المعتدلة" على يد السلطات، أن دائرة "الأوقاف السنية" في البحرين التي يُعيّن أعضاؤها بمراسيم ملكية تدرِّس الكتاب نفسه الذي يدرِّسه تنظيم "داعش" في الأماكن التي احتلها في سوريا والعراق، مشيراً في هذا السياق إلى الكتاب الموسوم "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" الذي وضعه مؤسس الحركة الوهابية محمد بن عبدالوهاب (1703م - 1791م) ويعد بمثابة "المعتمد" لدى الجماعات التكفيرية المتشددة. ويعلق الحادي على ذلك في تصريح 30 يونيو/ حزيران 2014 قائلاً "إن الفرق الوحيد هو أن دائرة الأوقاف السنية قد درَّست هذا الكتاب في العام 2012، أما (داعش) فقد درّسته في العام 2014".

book 4

- نماذج من إصدارات قوة دفاع البحرين «التكفيرية»

إن هذا التوجه يتأكد على نحو أشدّ عمقاً لدى النظر إلى تحوّلات المؤسسة العسكرية في البحرين عقب احتجاجات 14 فبراير/ شباط، خصوصاً فيما يتعلق بعقيدتها القتالية. وقد توقفت تقارير عدّة هذا العام 2014 عند عيّنة من الكتب الصادرة حديثاً (2013) عن "مديرية الإرشاد الديني" التابعة إلى قوة دفاع البحرين التي حوت عبارات صريحة تذهب إلى تكفير الشيعة "الروافض" والإسماعيلية والدروز والنصيريّة واليهود والنصارى، وبينها كتابان لمؤلف اسمه نصير القحطاني: "نور التوحيد وظلمات الشرك في ضوء الكتاب والسنة" و"نور السنة وظلمات البدعة في الكتاب والسنة". ويتوسّع الكتاب الأخير الذي يجري توزيعه داخلياً على منتسبي قوة دفاع البحرين عارضاً نماذج لـ"كفر" الشيعة بالإشارة إلى معتقداتهم الدينية في زيارة قبور وأضرحة النبي محمد وأئمة أهل البيت الموجودة في المدينة المنورة بالسعودية والعراق وإيران. كما نص على أن من بين أعمال الكفر "الطواف بالقبور تقرّباً إلى أصحابه".

وينعت الكتاب من يسميهم "الرافضة"، وهو الاسم التحقيري الذي تستخدمه الجماعات المتشددة لوصف "الشيعة"، بأصحاب البدع وبأنهم من "الفرق الضالة" في اعتقاداتهم والتي "تدخل فيها أيضاً الإسماعيلية، النصيرية والدروز وغيرهما".

واعتبر الكتاب احتفالات "الرافضة" وبعض الفرق الدينية الأخرى بالمولد النبوي "واتخاذه عيداً فيه تشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وقد نُهينا عن التشبه بهم"، مشيرا في ذات السياق للاحتفال بالإسراء والمعراج والاحتفال بالنصف من شعبان.


قرار سعودي و"صدى" بحريني

داعش 4

- علم «داعش» في مسجد الفاتح أكبر الجوامع البحرينية بالمنامة


جاء قرار الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في 3 فبراير/ شباط 2014 القاضي بـ"معاقبة السعوديين الذين ينخرطون في أعمال قتالية خارج المملكة" ليحدث نقلة "ظاهرية" في أساليب معالجة الدول الخليجيّة للتطرّف السلفي القادم من الداخل. ففي 7 فبراير/ شباط 2014 أعلنت الحكومة البحرينية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "بنا" عن تأييدها "القرار السعودي القاضي بمعاقبة المشاركين في أعمال قتالية في سوريا". وتبعتها وزارة الداخلية في بيان آخر 25 فبراير/ شباط في التحذير من "تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي للتيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة".

تبعاً لهذه التطوّرات فقد استحدثت الجماعات السلفيّة تكتيكات جديدة هي الأخرى على نمط حركتها تتلافى الإشارة فيها إلى أيّة أنشطة داعمة ذات طابع عسكري؛ حتى وإن ظلّت متمسّكة بها في المضمون. لقد اختفت فجأة كل الإعلانات التي تتحدث عن "تجهيز الغزاة" التي وسمت الطبيعة التدخلية لجمعية "الأصالة" في سوريا، وتمّ استبدالها بالإعلانات التي تداور اللعب على الرّأسمال الإنساني. كما اختفت بشكل موازٍ، كل حكايا "الجهاد" التي ظلّ الشيخ عادل الحمد، أبرز رموز التيّار الجهادي الموالي لـ"القاعدة"، يلهج بها في خطبه طيلة الأعوام 2011 و2012 وبداية 2013.

أما تركي البنعلي، رمز التيار الجهادي الآخر الموالي لـ"داعش"، فقد أعلن في هذه الفترة تحديداً بعد نحو الأسبوعين من بيان الحكومة البحرينية (27 فبراير/ شباط 2014) عن الهجرة النهائية من البحرين و"النفير إلى بلاد الشام".

لكن على عكس ما يبدو الأمر للوهلة من اتباع السلطات البحرينية سياسة جديدة عقب البيان السعودي تتسم بنوع من الحزم إزاء ملفّ الجماعات المحلية المتورّطة في القتال بالخارج، إلا أن معطيات الأسابيع القليلة اللاحقة توضح تفاصيل مثيرة بهذا الصدد.

ففي 26 مارس/ آذار 2014 أعلن نجل وزير الديوان الملكي ناصر بن خالد بن أحمد آل خليفة الذي يعمل ضابطاً في الجيش البحريني، كما يشغل منصب رئيس مجلس إدارة نادي الرفاع الشرقي عن مساع يقوم بها شخصيّاً وآخرون "لاستصدار رخصة رسمية من الدولة لجمع الأموال للجهاد في سوريا". وأضاف معللاً ذلك بأن "الهدف من إصدار رخصة رسمية هو لطمأنة المتبرعين وفي الوقت نفسه إبطال حجج المطبلين الموالين لإيران" على حد تعبيره.

و في 18 يونيو/ حزيران 2014 كشفت صحيفة "غلف ديلي نيوز" البحرينية في تحقيق عن "مجموعة متطرفة في البسيتين تحاول تجنيد الشباب البحرينيين بهدف إرسالهم للمشاركة في القتال الدائر في العراق وسوريا". وعرضت المزيد من التفاصيل المثيرة عن "صالة رياضية (Gym) جديدة في المحرق يتم استخدامها من قبل مؤيدي (داعش) كمركز لتجنيد الجهاديين"، لافتة إلى "مجموعة معروفة في البسيتين تعمل على تجنيد الشباب البحريني للقتال في سوريا والآن في العراق بسبب الاضطرابات الحاصلة هناك". وذكرت بأن المجموعة "بدأت بالفعل زيارة المدارس الإعدادية للبنين بهدف إقناع الطلاب بالمشاركة في القتال في النزاعات الإقليمية".

وقد تزامن ذلك مع انتشار كتابات (4 يوليو/ تموز 2014) على منازل في منطقة البسيتين شمالي البحرين معلنة تأييد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش".

بدورها فقد لاحظت صحيفة "الحياة" المموّلة من العائلة المالكة السعودية في تقرير (31 يوليو/ تموز 2014) رفع أعلام "داعش" في مسجد "الفاتح"، أكبر المساجد في العاصمة المنامة خلال صلاة العيد. 

لكن تعليقاً على ذلك، اكتفى مصدر أمني بالتذكير أن "الحكومة تضع المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تحت عين الرقابة". وراح مستخفّاً بالأمر عبر تصريح للصحيفة قائلاً إن "العناصر البحرينية المنضمة إلى (داعش) تمثل فئة قليلة جداً".

ولاحظت وسائل الإعلام أن بيانات التعزية بالمقاتلين البحرينيين الذين يلقون حتفهم خلال معارك مع تنظيم "داعش" يجري نشرها على وكالة أنباء البحرين الوطنية "بنا". وتمثل حادثة إعلان "داعش" عن مقتل الجهادي البحريني عبدالعزيز الجودر، بما رافقها من تفاصيل درامية، أحد أبرز الأمثلة شديدة الدلالة. إذ سجّلت الصحف المحليّة قيام الوكالة التي تعد المنصّة الرسمية الرئيسة لبث البلاغات الحكومية وإجراءات وأنشطة الدولة ويجري تعيين مديرها بقرار من مجلس الوزراء البحرينيّ بنشر إعلان تعزية في (10 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) للجهادي البحريني عبدالعزيز الجودر بعد ورود أنباء عن مقتله في العراق - في القصف الجوي الذي تشارك فيه البحرين - مع تحديد وقت ومكان تلقي التعازي بالشاب. ولم تقم الوكالة بسحب الإعلان من على موقعها على "الإنترنت" إلا بعد نفي عائلته صحّة الأنباء التي تحدثت عن مقتله مشيرة إلى أنها "تلقت اتصالاً منه من مكان تواجده في العراق فيما كانت تهم بإقامة مراسم العزاء عليه".

لقد أدّى إعلان البحرين عن الانخراط في الجهد الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا إلى رفع "الدوز" الخطابي لمسئولي الحكومة ضدّ الجماعات المؤيدة له. فقد توعد وزير الخارجية في تصريح 20 سبتمبر/ أيلول 2014 بأن "البحرين ستواصل مراقبتها الدقيقة من أجل منع الأفراد من السفر والانضمام إلى الجماعات الإرهابية". وشدّد على أن الأجهزة الأمنية "ستقوم باعتقال كل من يثبت انتماؤه إليها فور وصوله إلى البلاد". كما تبنّت البحرين في هذا السياق استضافة مؤتمر دولي في العاصمة المنامة لبحث سبل تجفيف مصادر تمويل الإرهاب في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014.

إلا أن هذه الصورة تصطدم إلى حدٍّ كبير مع تراخيها في التعاطي مع الأخطار الآتية من الجماعات المحلية بمن فيها تلك التي ترتبط بصلات حقيقيّة مع "داعش". إن مراجعة إجراءات الحكومة بحق هذه الجماعات، خصوصاً تلك التي انخرطت بشكل مباشر في دعم "الجهاد" في سوريا والعراق طيلة السنوات الثلاث الماضية تكشف عن الحصيلة الآتية:

■ إيقاف الشيخ عادل حسن الحمد عن الخطابة بناءً على مراسلات بين وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف خالد بن علي آل خليفة ووزير الداخلية راشد آل خليفة (7 أغسطس/ آب 2014).

■ إيقاف 7 مركبات قامت بوضع ملصقات تنظيم "داعش" (14 أغسطس/ آب 2014). وصرح المتحدث باسم وزارة الداخلية البحرينية العقيد محمد بن دينة بأن "أصحاب المركبات لم يكونوا يعلمون أن الشعار يعود إلى داعش".

■ استدعاء عدد من المواطنين البحرينيين العائدين من القتال في سوريا بين "4 يوليو/ تموز و30 أكتوبر/ تشرين الأول و9 نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام 2014" إلى مركز التحقيقات الجنائية والإفراج عنهم.

فيما لم تشهد أروقة القضاء تحريك أية قضيّة بحق المتورّطين في التنظيمات المتطرّفة أو المسئولين عن تجنيد الشباب البحريني للقتال في الخارج. في الواقع إن القضيّة الوحيدة التي عرضت على المحاكم المحلية والتي لها صلة بذلك أقامتها السلطات ضد رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب إثر تغريدات نبّه فيها إلى مسئولية "المؤسسات الأمنية" في البلاد في توفير "حاضنة" للعديد من البحرينيين الذين انضموا إلى ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وقد تولى قائد قوة دفاع البحرين المشير خليفة بن أحمد آل خليفة إقامة الدعوى ضدّه. الرجل العبوس ذو الملامح القاسية يعرف كيف ينتقي خصومه جيداً. لكن انسوا "داعش"!

النسخة الانجليزية

اقرأ أيضاً:

 "داعش" بيننا: تحوّل نوعي في تكتيكات "الأصالة" «1»

 "داعش" بيننا: من ألعوبة بيد الدولة إلى التمرّد عليها «2» 

 "داعش" بيننا: من علم "الجولاني" إلى علم "البغدادي" «3»

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus