توبي ماثيسن: مطلوب: عقد اجتماعي بحريني مبني على الإشراك

2014-11-25 - 1:18 ص

بدلًا من صرف الأموال على الانتخابات التي تبدو غير نزيهة، لعلّ البحرين ستكون أفضل حالًا إن أقدمت على إعادة البحث في إبرام عقد اجتماعي دائم ونظام سياسي مبنيين على الإشراك.

توبي ماثيسين، أستاذ جامعة كامبريدج، ومؤلف كتاب "الخليج الطائفي"

توبي ماثيسن، ميديل إيست آي

ترجمة: مرآة البحرين

سيُدلي البحرينيون بأصواتهم نهار السّبت لانتخاب المجالس البلدية، والغرفة الدنيا في برلمانٍ ثنائي التّمثيل، يعيّن الملك الغرفة العليا منه.

إنّ الانتخابات التشريعية في البحرين تُجرى منذ عام 2002، وتحمل هذه المجالس المنتخبة صلاحيات أكثر من أي مجلس مشابه في الكثير من الدول في الشرق الأوسط.

عند مشاهدة برامج تلفزيون البحرين الرسمي، تعرض مقابلات مع مواطنين فرحين يعبّرون فيها عن ترحيبهم بهذه الخطوة باعتبارها نقطة مهمّة في العملية السياسية نحو تأمين مستقبل مستقر ومزدهر اقتصاديًّا في البحرين. فلماذا يقاطع ائتلاف المعارضة، الذي يشمل الإسلاميين الشيعة وما تبقّى من القوميّين العرب والحركات اليسارية، هذه الانتخابات؟

أوّلًا، تبرز مسألة حدود السلطة التي تتمتّع بها الغرفة الدنيا في الواقع. وبما أنّ أكثر الأشخاص الذين يتم تعيينهم في الغرفة العليا موالون للحكومة-محافظون في القضايا السياسية و"متحررون" في القضايا الاجتماعية- فإنّهم سيختلفون مع المرشحين المنتخبين.

لذلك، حتّى في حال حظيت المعارضة بالأكثرية في الغرفة الدنيا، قد يتم إبطالها من قبل الغرفة العليا والمرشحين المنتخبين الموالين للنظام.

تدّعي الحكومة أنّها منحت المرشحين المنتخبين صلاحيات جديدة في عام 2012، ولكن يبقى هذ الخلل الأساسي قائمًا في المؤسسات التمثيلية. وعلاوةً على ذلك، غيّرت الحكومة في أواخر سبتمبر/أيلول 2014 حدود الدوائر الانتخابية.

وعلى الرغم من أنّ معالجة الخلل في التوازن بين الدوائر لطالما كان مطلبًا للمعارضة (ففي بعض الدوائر كان يتم انتخاب الممثلين بمئات الأصوات فقط، بينما يتم انتخابهم في دوائر أخرى بأكثر من 10,000 صوت)، فإنّ التّغيرات الحالية لم يتم تنفيذها من دون اعتبارات سياسية مسبقة.

ويبدو أنّ هذه التغييرات أبقت فرص المعارضة الإسلامية الشيعية على حالها تقريبًا. ولكنّها تعارض مصالح المرشحين السّنّة اللّيبيراليين واليساريين المنضمين إلى المعارضة، وكذلك الجماعات السنية اليمينية. وقد دعمت الحركة الأخيرة الأسرة الحاكمة في قمعها للانتفاضة التي قادها الشيعة منذ عام 2011، ولكّن التغييرات قصدت إضعاف جماعة الإخوان المسلمين في البحرين، التي لطالما كان لها ممثلون في الغرفة الدنيا وحافظت على علاقةٍ وطيدة مع أفراد في الأسرة الحاكمة.

وبما أنّ قادة الحملة المضادة لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، كالسعودية والإمارات العربية المتحدة هما أكثر الدوّل دعمًا للأسرة الحاكمة، فقد مثّل تحالف البحرين مع الإخوان المسلمين إزعاجًا لهاتين الدولتين لبعض الوقت.

لذا، فإن السبب الرئيسي لمقاطعة المعارضة، والجمود السياسي في البلاد، هو عدم قيام الأسرة الحاكمة بأي إصلاحات سياسية حقيقية من شأنها أن تغيّر، بشكل أساسي، توازن السلطة في البحرين.

وفي أعقاب انتفاضة شعبية في فبراير/شباط 2011 تطالب بحقوقٍ ديمقراطية، قضى القمع العنيف للقوات الأمنية على معيشة آلاف البحرينيين الذين تمّ طردهم من وظائفهم أو نفيهم إلى الخارج.

وقد أودى هذا القمع بحياة ما يفوق المائة بحريني، وكذلك بعض عناصر الأمن البحرينيين والأجانب، وأدّى إلى زج الآلاف في السجون لأسباب سياسية. وقد فشل الحوار الوطني، الذي كان يهدف إلى جمع جميع الأطراف في البلاد وحث المعارضة على المشاركة في الانتخابات، في تحقيق هذه الغايات.

وفي الحقيقة، كانت الحكومة تخبر المعارضة أنّها لن تناقش معها الإصلاحات إلّا إذا شاركت مجددًا في العملية السياسية. ولكن هذا يجبر المعارضة على الرجوع إلى نقطة الصفر وإلى وقت ما قبل الانتفاضة، إلى 2010، عندما فازت الوفاق، وهي أكبر تكتل إسلامي شيعي، بـ 18 من أصل 40 مقعدًا معرّض للسلب في انتخابات الغرفة الدنيا.

ولكنّ الانتفاضة نفسها كانت تعبيرًا عن عدم الرضا واسع النطاق من السياسة المتّبعة في الجزيرة، ومن الصلاحيات المحدودة الممنوحة للأعضاء المنتخبين في الغرفة الدنيا.

ولم يغب عن بال الدّوائر التي تمثّلها المعارضة ما حدث على مر السنوات الأربع الماضية، والمعاناة التي واجهتها من القمع والتمييز.

وعلى الرغم من كل السلبيات المتأتية عن المشاركة في الانتخابات، لم يكن اتّخاذ قرار المقاطعة سهلًا. فقد رأى البعض في الوفاق أنّ على الجمعية المشاركة. إذ كان خوفهم من النتيجة الأخرى، حيث يصبحون خارج نطاق العملية السياسية، مّما قد يبعدهم فعلًا من عملية صنع القرار- في ظل فشل الحوار الوطني- الأمر الذي قد يكلّف الجمعية وأتباعها ثمنًا غاليًا.

وقد حدث هذا الأمر إلى حدٍّ ما، وبما أنّ الوفاق ووعد، وهي جمعية يسارية علمانية، أصدرتا بيانًا مشتركًا يعلن مقاطعتهما في أكتوبر/تشرين الأوّل، تمّ توقيف ترخيص الجمعيّتين ويتم عمليًّا إبطال شرعيّتهما.

وقد يكون ثمن ذلك كبيرًا، وقد نرى المزيد من القادة يشاركون مصير أمين عام وعد، إبراهيم شريف، وهو سنّيّ يقضي المدّة التي حكمت عليه بالسّجن بسبب مشاركته في الانتفاضة.

بإمكان المتشدّدين في البحرين المقرّبين من النّظام، وأتباعهم أيضًا، أن يعيشوا بشكل جيد مستفيدين من هذه المقاطعة وهذا التّحوّل، ممّا يعني أنّه يوجد المزيد من المقاعد لتُشغل والمزيد من العروض لتُمنح، غير أنّ هذه المنافع ستبقى ضمن دائرة النّظام وقاعدته الشعبية الموالية له.

وفي الوقت نفسه، المتشدّدون في جانب المعارضة (التحالف من أجل الجمهورية الذي يتضمّن ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير) لطالما دعوا إلى المقاطعة وأصرّوا على التزامهم بإسقاط النّظام بأيٍّ من السبل المتاحة. وبعدم تقديم أي تنازل إلى المعارضة المؤيّدة للحوار، دفعتهم الحكومة إلى مقاطعة الانتخابات.

ولأنّ الوفاق هي البديل الأقل تشدّدًا، التي وعدت بضمان حقوق الشيعة من خلال العملية السياسية، من الممكن أن تصبح الجمعية على المدى الطّويل من دون فائدة إذا كان يُرى أنّ العملية السياسية لا تأتي بأي نفع على النّاس. وقد تُظهر المقاطعة انفصالا الشّيعة الأكثر اكتمالا عن العملية السياسية، وعن الفكرة عينها التي تقول إنّ الدولة البحرينية يحكمها آل خليفة.

ولكن يشارك في الانتخابات بعض الشيعة المستقلين، تعود أصول أكثرهم إلى الأسر العريقة التي عملت في القضاء الشيعي وقامت بصفقات تجارية مع آل خليفة لأجيال عدّة. غير أنّ هذا دليل ضعف النّظام، لا سيّما أنّ المرشحين الشيعة هؤلاء في المناطق الشيعية مستهدفون من حملة إثارة الرعب، التي يقودها شباب الثورة الذين أحرقوا سيّاراتهم وخيام حملاتهم.

وفعلًا، لقد خيّم جو ثوري إلى حدٍّ كبير في البلدات والأحياء الموالية للمعارضة، حيث لم يعد يشكّك في شرعية النّظام بل يتم إنكارها بكل بساطة. بإمكان قوّات الأمن البحرينية إغلاق منافذ هذه المناطق من خلال نقاط التّفتيش والحواجز الأمنية، ولكنّ موقف سكّان هذه المناطق تجاه النّظام وأي شخص يتعامل معه أصبح أكثر شدّة.

وعلى مرّ العام الماضي، بدأ النّاشطون باستهداف البنى التحتية الاقتصادية للنّظام والمحلات التجارية للأشخاص الموالين للنّظام عن قصد، فأحرقوا المصارف والمتاجر، واعتدوا على المؤسّسات الحكومية. فلا تعكس الإعلانات البرّاقة التي تتحدّث عن بحرين تريد أن تصبح دبي ثانية هذه الحقيقة، في ظل خطر تحوّلها إلى نموذج مشابه للدول الخاسرة التي التهمتها النّزاعات الطّائفية.

فالنّخبة الحاكمة تستميت لتمويه هذا الاختلاف وعرض البحرين على أنّها حليفة للغرب، سائرة نحو الدّيمقراطية. وتعتبر الانتخابات ركنا أساسيا لهذه الصورة المغلّفة بالشعارات "المشجّعة على التّجارة" التي كانت سائدة في زمن ما قبل الانتفاضة.

غير أنّ البقاء على طريق دعم التّجارة كالعادة، واستخدام الانتخابات لترويج الالتزام بالتّغيير، لا طائل منه عندما يعتقد الكثيرون أنّ الحكومة لا تزال مواظبة على الترويج لنظامٍ مبني على الهندسة الانتخابية، وسياسات الهوية، والمحسوبيّات.

فبدلًا من صرف الأموال على تحسين صورة البحرين في الخارج، لعلّ البحرين ستكون أفضل حالًا إن أقدمت على إعادة البحث في إبرام عقد اجتماعي دائم ونظام سياسي مبني على الإشراك لا الإقصاء وتسنيد الأصول. وللأسف، تهدف هذه الانتخابات إلى فعل الأمر الأوّل لا الأخير.

 

21 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

النص الأصلي

توبي ماثيسين: هو باحث في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في بجامعة كامبردج. كتابه الأول "الخليج الطائفي: البحرين والمملكة العربية السعودية، والربيع العربي الذي لم يكن" نشرته مطبعة جامعة ستانفورد في عام 2013، ويتضمن وصفا تفصيليا للانتفاضة البحرين. كتابه الجديد "السعوديون الآخرون: التشيع، المعارضة والطائفية"، الذي يحدد تاريخ الحركات السياسية للشيعة في المملكة العربية السعودية وعلاقتهم مع الدولة السعودية، سوف ينشر من قبل مطبعة جامعة كامبريدج في يناير/كانون الثاني عام 2015.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus