عليكم بحل (آنا هازاري)

أنور الرشيد - 2011-10-24 - 7:44 ص



أنور الرشيد*


قناعتي المترسخة، أن تقرير لجنة التحقيق الملكية التي شكلها الملك حمد للتحقيق بالأحدث الإجرامية التي أُرتكبت منذ 14 من فبراير الماضي، أنها لو أجلت إصدار تقريرها ليس شهرا بل حتى لو أجلته سنة كاملة، فإنها لن تستطيع تقديم تقرير محايد.

لقد استفز قلمي تأجيل إصدار التقرير للشهر القادم، في الوقت الذي لازال شباب البحرين في جميع قراها يتظاهر يوميا منذ الرابع عشر من فبراير الماضي ويواجه آلة القمع بصدور عارية، وقبل ذلك عاش الشعب البحريني عقودا طويلة من الاستبداد والكبت والقهر والتشرد بالمنافي. قبل صدور التقرير أؤكد للقراء بأن هذه اللجنة وجدت للضحك على الذقون وتميع وتسويف الوقت، وإعطاء صورة جميلة بأن الحكومة حريصة على شعبها بكشف الحقيقة أمام الرأي العام المحلي والأقليمي والدولي المتخاذل.
 
نعم أقول متخاذل لأنه غض النظر عما حدث وما زال يحدث من إجرام بحق هذا الشعب الطيب، أنا شخصيا لا أعرف عن أي حقيقة تبحث لجنة تقصي الحقائق، الحقيقة الوحيدة التي أعرفها أن قوات الأمن وقوات مكافحة الشغب هجمت على المعتصمين بدوار اللؤلؤة في جنح الليل، وأثناء ما كان المعتصمون نياما وبدون إنذار، واستخدمت في هجومها كافة أنواع الأسلحة المحرمة بما فيها الشوزن (السلاح الذي يطلق رصاصا انشطاريا) وسقط على إثرها الكثير من الجرحى والشهداء ولم يراعوا في هجومهم الإجرامي النساء والأطفال الذين بين المعتصمين النيام.
 
هذه هي الحقيقة التي أعرفها ويعرفها المجتمع الدولي ويعرفها كل منصف، ولست أدري إن كانت لجنة بسيوني ستكتشف لنا حقيقة غير التي نعرفها، لكن مهما كان هذا الأمر أو الحقيقة فيجب أن يوجه أصبع الاتهام لأحد، لأن من غير المقبول والمعقول أن يدحرج الاتهام في هاوية التميع والتسويف، ليصل إلى عدم توجيه اتهام لأحد.
 
من المتوقع أن التقرير سيكون كلاما إنشائيا طويلا ومملا، يحتوي على آلاف الصفحات وباللغة الإنجليزية وبخط صغير جدا وبكلمات متراصصة لا يستطيع فك طلاسمها إلا خبراء من المتخصصين بمهنية عالية، ويمكن أن تقلب الحقائق رأسا على عقب من خلال عدم توجيه اللوم لأي طرف أو في أحسن الأحوال، سينسب كل العنف الذي حصل في كافة مراحل التظاهرات على المتطرفين الذين اندسوا بين طرفي الصراع أو كما يقول أخونا (بشار) عصابات مسلحة. أنا أجزم بأن اللجنة لن تستطيع أن توجه اللوم للمحتجين، لأنهم رفعوا الزهور بشكل واضح و جلي، ورصد ذلك في كافة وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، لذا فإلقاء اللوم على المعتصمين والمحتجين، سيكون الطعن به سهلا بالإضافة إلى التقارير الأخبارية المصورة وتقارير الصحفيين وتقارير المنظمات الدولية ذات المصداقية والمهنية العالية، فقد نقلت صورة واضحة من دوار اللؤلؤة ، وأيضا لن تستطيع اللجنة أن توجه اللوم أو تحمل الطرف الحكومي مسئولية ما حدث من انتهاك واضح لحقوق الإنسان، لأن اللجنة شكلها الملك وصرف عليها وهو من وفر لها الميزانية، بفلوسي وتُدينني ما ترهم !!! 
 
كيف يمكن للجنة التحقيق الذي دار حولها لغط كثير في الآونة الأخيرة وبعد عدد من التجارب التي  مرّ بها ضحايا الرابع عشر من فبراير مع تلك اللجنة أن تستطيع تقديم تقرير محايد يوجه به أصبع اللوم و الاتهام لأحد ما في هذه الأزمة؟

إزاء هذا الموقف الشائك والمعقد أو هذه الورطة التي أمام تلك اللجنة، و بكل تأكيد ونتيجة لما تخلل عمل اللجنة من مواقف أدخلت الشك على تقريرها قبل صدوره، حتى أصبحت الشكوك تزداد يوما بعد يوم لدرجة أننا نستطيع بحسنا التحليلي أن لا نتوقع شيئا من هذه اللجنة.
 
لذا أقولها للسيد بسيوني، بالفم المليان بالألم والحسرة والقهر، هناك من يستعد لكم ويقف لكم بالمرصاد منتظرا صدور تقريركم، وحسب معلوماتي فإنه لن يسكت عن نتائج هذه اللجنة و لا عن أعضائها، وسيطاردكم بالمحاكم الدولية وسيوجه لكم أصبع الاتهام بالتعاون مع الجلاد ضد الضحية وسيكشف للعالم مدى الظلم الذي ارتكبته لجنة بسيوني تجاه الضحايا من النساء والأطفال وسيطالبكم بتعويضات تفوق ما صرف عليكم وما أخذتموه كرواتب و مخصصات مالية، بدعم من الخيرين من أهل الخليج و هم كثر والحمد الله.
 
ولن يُسكت عن هذه الجريمة مهما كانت العواقب، هذا ما نما إلى علمي وحسب مصادري التي أخبرتني بأن هناك من يعد وأعد بالفعل وحَضّر  لهذه المهمة، وأنه ينتظر صدور التقرير بشكله النهائي، وأخيرا ولكي نختم هذه التراجيديا السوداء المستمرة منذ عقود لأهل البحرين الطيبين، ماذا يمكن أن نفعل لنصل لحل لهذه المعضلة المستمرة منذ عقود طويلة، وأمام صدور تقرير لن يشفي غليل الأم التي فقدت ابنها ولا الأب الذي ذاق مر العذاب من استشهاد ابنه ولا الزوجة التي ترملت بعز شبابها ولا الطفل الذي حفرت بذاكرته مشهد مقتل أبيه على قارعة طريق الحرية.
 
وأمام التعنت الواضح في السياسات القمعية التي حاولنا على مدى الشهور الماضية أن نطالب ونترجى ونناشد ولا أحد مجيب، ومع وصول هذه الأزمة لطريق مسدود، لم يتبق لي إلا أن أقول إن على مدى العقود الطويلة  المليئة بالألم والحسرة وضياع عمر الشباب في السجون والمنافي والبطالة، جرّب الشعب البحريني كل الوسائل للحصول على حقوق مشروعة ولا زال إلى اليوم يتظاهر ويلاحق ولم يصل لنتيجة، لذا ليجرب هذه الوسيلة التي لم تستخدم قط في ظل هذا الصراع المستمر منذ زمن طويل، وهي وسيلة مجربة و أتت بثمار عظيمة.

إنها تجربة الناشط الهندي لمكافحة الفساد (آنا هازاري، مواليد 1937) الذي أدخل  النظام الهندي في أزمة بإضرابه عن الطعام مدة 13 يوماً.
هازاري المعجب بالمهاتما غاندي، كان اعتقل في وقت سابق ثم قررت السلطات الهندية الإفراج عنه غير انه رفض ذلك ما لم يسمح له (بالصيام حتى الموت) في حديقة راميلا العمومية بدلهي، كوسيلة ضغط سياسي. الناشط الهندي يطالب بإعادة النظر في مشروع قانون قيد الدرس في البرلمان، يعفي رئيس الوزراء وكبار القضاة من الملاحقات القضائية في حال الاشتباه بضلوعهم في قضايا فساد.


وافق (هازاري) في أغسطس الماضي على وقف إضرابه عن الطعام بعد أن حصل على تنازلات من البرلمانيين بشأن قانون مكافحة الفساد. وقال هازاري مخاطباً المحتشدين «إن هذه التظاهرة شكلت درساً للجميع».


يمكن أن نطور تجربة (هازاري) ونجعل الإضراب عن الطعام بشكل جماعي، تشرف عليه الجمعيات السياسية الموقعة على وثيقة المنامة في يوم العاشر من ديسمبر القادم وهو يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كل في جمعيته وعلى رأس المضربين عن الطعام زعماء الجمعيات السياسية وفي مقدمتهم الشيخ على السلمان، وأيضا على الجالية البحرينية في أوربا وأمريكا وأستراليا أن يشاركوا في هذا الإضراب التاريخي أمام السفارات البحرينية في تلك العواصم، لكي يدون بتاريخ البشرية أن شعب بغالبيته أضرب عن الطعام للمطالبة بحقوقه المشروعة، وهذا لم يحدث بتاريخ البشرية أن شعبا بغالبيته، يعلن عن إضراب عام عن الطعام للمطالبة بحقوقه المشروعة، وسيكون الحدث الأبرز لدى العالم بذلك اليوم.
 
Zwayd2007@gmail.com

* الأمين العام لمنتدى مؤسسات المجتمع المدني الخليجي
**‪.ينشر بالتزامن مع منتدى حوار الخليج


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus