» رأي
لم تنته الحكاية، للتو، تبدأ !
عادل مرزوق - 2011-10-24 - 9:03 ص
عادل مرزوق*
استعرضت في المقالة السابقة ما عنونته بالحساب الختامي للسلطة، وذلك بالرجوع لما تبديه السلطة في البحرين من إصرار على تجاهل حقيقة المطالب التي ينادي بها أغلبية هذا الشعب أولاً، وأمام استمرارها في انتهاج سياسة الكذب الإعلامي، والتضليل، داخل البحرين وخارجها، ثانياً. ولا فارق في هذا السياق بين ما تصدره السلطة رسمياً، أو يخرج به التيار موالاة "المصطنع" هنا أو هناك.
تبدو الخيارات أمام السلطة واضحة وجلية، لكن الذي تجهله أو يتغاضى عنه التيار المتشدد فيها، هو حساب الكلفة الباهضة لخيار التعنت والمكابرة عن الإصغاء لمطالب الناس في تحقيق انتقال ديمقراطي يلبي طموحاتهم، وحجم ما قدموه من تضحيات. وهو في المحصلة ما سيجر الساحة البحرينية نحو المزيد من الصدمات والتبعات والتي لن تكون السلطة في مأمن منها، ومن التورط في تفاصيلها أكثر وأكثر.
يستطيع أن يؤمن خيار الانتقال الديمقراطي - سواء عبر تأسيس هيئة وطنية لصياغة دستور جديد أو التوافق وقوى المعارضة على تعديلات دستورية جذرية تؤمن مطالب المعارضة - فرصة تاريخية للولوج في مرحلة جديدة تستطيع التأسيس لمصالحة وطنية شاملة شبيهة بالأجواء التي عاشتها البحرين إبان العام 2001، وذلك قبل الانقلاب الدستوري الذي شهدته البحرين العام 2002، وقبل الإجهاز على ما سمي بـ "المشروع الإصلاحي " العام 2004 بعد فضيحة تقرير البندر.
وقبالة هذا الخيار وما يؤسسه من إنهاء لأزمة سياسية اختبرتها السلطة بأداة العنف والقمع والقتل لأكثر من ستة شهور فبقت صامدة، يبقى خيار الصقور في الأسرة الحاكمة، وهو خيار اللعب على عامل الوقت عبر إجراء تعديلات دستورية (صورية)، وتخفيف بعض الأحكام القضائية. وتراهن القوى المتشددة في السلطة على هذا الخيار، وتعتبره التكتيك السياسي القادر على إنهاء الاحتجاجات الشعبية في الشارع والقضاء عليها تدريجياً. والأهم من ذلك، تتوهم السلطة أن هذا الخيار يستطيع أن يعيد توزيع موازين القوى الخارجية لصالح السلطة، وأن يخفف من الضغوط الدولية على الحكومة البحرينية.
وتواجه السلطة اليوم جراء هذه المكابرة السياسية والتعنت عديد الإشكاليات التي سترتد عليها بخسارات جديدة تضاف لسجلها المكتظ بالفضائح والجرائم التي يكدسها جهاز الأمن الوطني ووزارة الداخلية دون حساب. ومن أبرز هذه الإشكاليات انتفاء الشرعية السياسية والوصول لحتمية حل الجمعيات السياسية المعارضة، بمعنى أن البحرين ستعود لما كانت عليه قبل العام 2001، وهو ما يعني بالضرورة، الطعن في شرعية النظام السياسي في البحرين، وجعل الخيارات السياسية مفتوحة أمام المعارضة البحرينية. خصوصاً إذا ما أقدمت السلطة على أكبر ما قد تركتبه من حماقات، وهو تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة من القضاء الحكومي تجاه بعض المتظاهرين. وهو ما سيجعل من بقاء الجمعيات السياسية المعارضة داخل النظام غير مجدٍ، بل وهو ما قد يفتح خيار التحول للعمل السياسي "السري" واللجوء كلية للعمل السياسي من "الخارج" على مصراعيه، اليوم أو غداً.
وعلى السلطة أن تستعد للعب مع القوى المجتمعية والسياسية في ملعب سياسي مغاير لما هو عليه الحال الآن. فالقوى السياسية التي تلعب مع السلطة من الداخل ووفق الحسابات الداخلية ستكون مجبرة على حل نفسها، فلا فائدة من بقاء الجمعيات السياسية ضمن "النظام" دون أن تكون قادرة على المشاركة السياسية، أو أن يكون ثمة بارقة أمل للإصلاح السياسي في الدولة من الداخل. وفي حال تم حل جمعية الوفاق وأغلبية جمعيات المعارضة، يكون العمل السياسي في البحرين قد أخذ منعطفاً جديداً، وهو ما سيجعل السلطة مضطرة لمعايشة مجتمع رافض لها، مقاوم لسياساتها، غير مقر بشرعيتها.
ويرافق هذه التحول الخطير، انغماس الدولة في الفوضى الإقليمية التي من أبسط تأثيراتها وانعكاساتها كسر السيادة الوطنية، فالاستقرار في البحرين يترتب عليه ترتيب الخارطة والتوازنات الإقليمية ككل. وليس من مصلحة السلطة في البحرين أن ترمي بنفسها في هذا الملعب الكبير، خصوصاً وأنها تعلم أن لا أدوات حقيقية بيدها لتلعب بها قبالة اللاعبين الكبار في الإقليم، خلاف أنها ستكون مجرد (ورقة لعب) أكثر من كونها لاعباً حقيقياً في هذه التوازنات الضخمة والمعقدة.
من الناحية الاقتصادية، إن مصير بلد كالبحرين محدود الموارد الاقتصادية، موبوء بالفساد وسرقة المال العام، ويصارع للبقاء والوقوف ومواجهة منافسة دول الجوار النائمة على بحيرات النفط والغاز، هو الكساد الاقتصادي لا محالة، وهو السيناريو الأقرب له في حال استمر التوتر السياسي والاجتماعي فيه. الخسائر الاقتصادية التي تقدرها المصادر المحايدة بحوالي المليار ونصف دولار حتى الآن ستكون مضاعفة بالتأكيد مع دخول العام 2012، خصوصاً وأن العديد من الاستثمارات الأجنبية الكبرى تكاد تقترب من إعلان انسحابها الكامل من البحرين فالتطمينات الحكومية طال أمدها، وسقطت أمام اختبار الوقت. بالإضافة لما تشهده سوق الأوراق المالية من انهيار تدريجي. ومع تفرضه حملات المقاطعة الاقتصادية من خسائر كبرى، وكذلك الانحسار في أعداد السياح الخليجيين في البحرين، يبدو المستقبل الاقتصادي للبحرين على كف عفريت.
السلطة السياسية التي أنفقت الملايين لتحويل الصراع السياسي في البحرين لصراع طائفي، عليها أن تتحمل أيضاً كلفة الصراع المجتمعي في حال استمرت في سياسة المكابرة والتعنت. وهو صراع سمتد تأثيراته السلبية نحو العديد من النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية. كما أنه يؤسس لتعطيل حركة الإنتاج الوطنية، وسيعمل على فرز الاقتصاد والجعرافيا السياسية البحرينية لكانتونات متصارعة، لن تجلب للدولة إلا المزيد من الخراب.
الخيارات القائمة واضحة، والسلطة وحدها من تمسك بالخيار اليوم، وهي من تدير تفاصيل المشهد. ومهما كان خيارها فإنها تصنع التاريخ، سواء عبر تهذيب همجيتها وتقديم البحرين وشعبها لمستقبل جديد ديمقراطي حي، أو عبر إعادة البحرين لما قبل العام 2001. لكن الحسابات ليست بهذه البساطة، فالبحرينيون اليوم ليسو البحرينيين في التسعينيات، لا الأفكار نفسها، لا الأشخاص، ولا الأدوات.
يبدو الوقت ضيقاً، فلم يعد من العام 2011 الكثير، تستطيع الدولة أن تطوي صفحة هذا العام عبر ما تبقى منه، فالفرص دائماً موجودة، وإن أبت واستكبرت، فعليها أن تتأكد بأن الحكاية لم تنتهِ بعد، وأن مع العام 2012 تبدأ الحكاية !