جستين غينغلر: حول لغز اعتقال علي سلمان

2015-01-02 - 8:18 م

جستين غينغلر، مدونة الدين والسياسة في البحرين
ترجمة: مرآة البحرين

مرآة البحرين: ترك اعتقال البحرين يوم الأحد زعيم الوفاق الشيخ علي سلمان، في رد على تصريحاته "التصعيدية" الأخيرة ظاهريًا، عددًا من المراقبين "في حيرة"، وفقًا لصحيفة النيويورك تايمز على أقل تقدير. في الواقع، نقلت الصحيفة ما ليس أدنى من قول خليل المرزوق إنه "على الرّغم من تاريخ الحكومة، فإن الاعتقال فاجأه"، وتساؤله "لماذا ينبغي عليهم التسبب بالمزيد من المشاكل من خلال هذا التحرك؟".

من بين هذه "المشاكل" ليس هناك فقط ردة فعل مؤيدي الوفاق، ولكن، بشكل أهم، من وجهة نظر الحكومة البحرينية، ردة فعل المجتمع الدّولي. فالمفوض السامي لحقوق الإنسان، وهو بطريقة ما فرد من العائلة المالكة في الأردن، وجّه تأنيبًا حادّا عقب الإعلان عن اعتقال سلمان، فيما الولايات المتحدة، كالمعتاد، كانت "قلقة جدًا". مع ذلك ابتعدت وزارة الخارجية عن المطالبة بالإفراج عنه، قائلة فقط إنها "تحث الحكومة البحرينية بشدة على اتباع الإجراءات الواجبة في هذه القضية وفي كل القضايا". إذًا، الحكومة الأمريكية تطالب البحرين بإجراء المحاكمة الصورية الأكثر عدلًا  وشفافية.

على الرغم من ذلك، يمكن ببساطة أكثر أن يأخذهم أحدهم بوجهة النظر المعاكسة: أي أنه، خاصة على ضوء تكتيكات الدولة السياسية منذ بدء الانتفاضة، فإن هذه الخطوة مفاجئة قليلًا إن لم يكن هناك مفر منها كلّيا. رسميًا، يتهم المحامي العام في البحرين الشيخ علي بـ"الإدلاء ببيانات تصاعدت بشكل كبير من التحريض وخطاب الكراهية إلى التهديد بالقوة العسكرية ضد الدولة، بما في ذلك الخيار الوشيك باستخدام الطرق التي تستخدمها الجماعات المسلحة العاملة في أماكن أخرى في المنطقة". إذن، فعلى ما يبدو، سرب الشيخ علي خطط الوفاق السرية للقيام بانقلاب على غرار الحوثيين والاستيلاء على المنامة والرفاع، المقر القبلي والعاصمة الفعلية للبحرين.

وبطبيعة الحال، يشك المرء في ما إذا كانت تصريحات الشيخ علي سلمان وخطبه خلال الأسبوع الماضي (أو الشهر الماضي) تختلف نوعيًا عن تلك التي أدلى بها منذ فبراير/شباط 2011، إن لم يكن قبل ذلك التاريخ. وكما هو الحال دائمًا، فإن ظرف وتوقيت الاعتقال يعودان إلى حسابات سياسية مدروسة. وفي هذه الحالة، يبدو أن عدة عوامل تدخل في الحسبان.

"أنت تحتاجنا أكثر مما نحتاجك نحن"

وفقًا لتصريحات خليل المرزوق الأخيرة في مقال النيويورك تايمز، تشعر البحرين بوضوح بالجرأة الكافية لتحدي أو إزعاج حلفائها الغربيين، في وقت تلعب فيه دورًا عسكريًا وسياسيًا مهمًا على المستوى الاستراتيجي (كقاعدة للعمليات) في نزاعات مختلفة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك ضد طالبان في أفغانستان وتنظيم داعش في سوريا والعراق وبمستوى أقل ضد النظام الإيراني.

فقط في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت بريطانيا رسميًا عن توقيع اتفاقية كُلفتها 15 مليون جنيه استرليني لبناء قاعدة عسكرية بحرية في ميناء سلمان، في حين تقوم الولايات المتحدة بتوسيع مهم لنشاط أسطولها البحري الخاص في البحرين. وعلى مستوى المنطقة، تلعب البحرين دورًا في استضافة قوة بحرية مشتركة لمجلس التعاون الخليجي، أُعلِن عنها في قمة الدوحة في ديسمبر/كانون الأول، وستستضيف على الأغلب كلية حرب بحرية جديدة تابعة لمجلس التعاون الخليجي.

لذلك وبما أن شركاءها الإقليميين والدوليين بحاجة إلى كل من إرادتها السياسية للمشاركة في الصراع ضد أعداء عرب ومسلمين، للغرب (في المقام الأول)، وأيضًا إلى حق الوصول الفعلي إلى أراضيها ذات الموقع الاستراتيجي، يمكن للبحرين أن تتحمّل تحدي الولايات المتحدة وأوروبا لمصلحة "أمنها القومي" (ظاهريًا).

الوفاق في جمود سياسي

حتى قبل مقاطعة الانتخابات، كان الشيخ علي سلمان والوفاق تحت ضغط شديد، بما في ذلك تحقيق قانوني رسمي، من قبل وزارة العدل وغيرها من الإدارات، لامتناعهم المستمر عن المشاركة في العملية السياسية الرسمية. ومن وجهة نظر الدولة فإذا استمرت المجموعة في رفض البرلمان والانتخابات، والعمل بدلًا من ذلك خارج القنوات السياسية المعتادة، فكيف يمكنها توقع استمرار الاعتراف بها أو تحملها كجمعية سياسية؟

الآن، مع انتخاب برلمان آخر في نوفمبر/تشرين الثاني، خالٍ من الوفاق ومستعد للبقاء أربع سنوات أخرى، تدرك الحكومة بوضوح الخطر المحتمل من وجود عمليتين سياسيتين فعليا: إحداهما مرتكزة اسميًا حول هيئة تشريعية منتخبة رسميًا، والثانية تتعلق بالحوار و/أو المفاوضات مع حركة احتجاجية خارج البرلمان. مثل هذا المسار المزدوج لن يقوّض فقط أي شرعية قد يتمتع بها البرلمان، بل يمكن له أيضًا إعادة إحياء الآمال السياسية لتلك الحركات السنّية التي امتنعت عن التصويت أو التي هُزِمت في الانتخابات.

ويفترض المرء بأنه ليس مصادفة، أن الشيخ علي سلمان، أعيد انتخابه، قبل يومين من اعتقاله، كأمين عام لجمعية الوفاق، واعدًا الدولة بأربع سنوات أخرى من وجع الرأس. ومن خلال إشغال الوفاق باضطهاد زعيمها، يمكن للدولة أن تضمن أن الوفاق سترفض طوعًا أي فكرة لاستمرار عملية الحوار الوطني الخاصة بولي العهد، وستستطيع هكذا أيضًا الحفاظ على تهميش تلك الجماعات السنية (ناهيك عن ولي العهد نفسه) التي شاركت أيضًا في المحادثات.

رمي عظمة للسنة الغاضبين

مع ذلك، وبحسب تقديري، فإن رغبة الدولة بتبديد أو درء استياء السنّة واسع النطاق، عقب الإذلال الذي شكلته انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، كانت الأمر الأكثر تأثيرا في اتخاذ الدولة هذا القرار، من بين كل العوامل السابقة.

كانت الانتخابات مذلة للبحرينيين السنّة، ليس فقط بسبب النتيجة -الفشل شبه الكامل للمجموعات السنية في الحصول على مقاعد في البرلمان، بشكل رئيسي بسبب الهندسة الانتخابية- ولكن أيضًا بسبب الجو العام الذي يحيط بالانتخابات. فالسنّة، كما وصفهم لي أحد البحرينيين، أُجبِروا على التصويت من قبل الأسرة الحاكمة كما تُجبَر الكلاب على الجلوس. فقد ذهب الكثيرون إلى صناديق الاقتراع رغمًا عنهم، ولم يكونوا قد سجّلوا حتى، وهم يحملون جوازات سفرهم في أيديهم، خوفًا من العواقب التي هُدِّد بها أولئك الذين آلوا البقاء في منازلهم.

الصورة التي رسمها عدة أشخاص سنة عاديين هي لعائلة حاكمة تتحصن في الرفاع في قصورها ومطارها الخاص، وبالكاد تأتي (باستثناء الشيخ خليفة المشغول دائمًا) إلى المنامة أو المحرق، وتراقب كالغرباء استمرار البلاد في التفكك اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا. ومع ذلك، حتى أولئك الذين يرون هذا الأمر، يبقون موالين اسميًا للدولة، كرهًا منهم لمساعدة المعارضة ذات الأغلبية الشيعية، بالتعبير علنا عن عدم الرضا. وهكذا، يتم ترك السنة البحرينيين يغلون غضبًا من إحباطهم، عالقين بين ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حكومة غير مبالية، ومعارضة بغيضة أكثر مع ذلك.

وهكذا، وكما حدث عدة مرات منذ العام 2011، حين تلحظ الدولة الاستياء لدى قاعدتها الداعمة السنية، فإنّها تتّجه إلى أولئك ذوي العقلية الأكثر أمنية فيها (بدلا من ذوي العقلية الإصلاحية الصارمة)، باعتقال أو التهديد بسجن بعض قادة المعارضة أو واحد آخر منهم -سواء كان نبيل رجب، خليل المرزوق، علي سلمان أو الشيخ عيسى قاسم نفسه. ما سيكون إجراء قانونيا طويل الأمد بشكل مؤكّد، هو الاتهامات المحتومة بـ"التدخل الأجنبي" في شؤون البحرين الداخلية، حملة القمع الواسعة التي تستهدف نشطاء يحتجون على اعتقال علي سلمان ومحاكمته المحتملة -- كل هذا لا يقلل من مستوى الدراما أو من الإلهاء عن القضايا السياسية الأساسية. وإذا سارت الأمور بشكل جيد، سينسى البحرينيون كل شيء يتعلق بالبرلمان الجديد وبما أنجزته أو لم تنجزه الحكومة.

 

1 يناير/كانون الثاني 2015

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus