هل سقط النظام في فخ على سلمان؟

محمد نجم - 2015-01-05 - 5:09 ص

محمد نجم*

لم يعد أمام النظام بعد اعتقاله الشيخ علي سلمان أي خيار للتراجع دون كسر هيبته، وحتى لو أفرج عنه بحكم محكمة فالجميع يعلم ألا قضاء مستقل هنا، وأن أحكام القضاء تدور في فلك النظام السياسي وما يريد.

ولن يقول العالم مثلًا ها هو القضاء قد مارس العدالة بحق فأفرج عن الأمين العام لجمعية الوفاق، مثلًا لعدم كفاية الأدلة أو لبراءته من التهم المنسوبة إليه، فالحق أن سمعة القضاء في البحرين سيئة لدرجة أن إدانة المتهمين ينظر إليها كوسيلة ضغط على المعارضين، وتبرئة المتهمين ينظر إليها كعلامة علي رضوح النظام للضغوط. وفخ الشيخ علي سلمان يبدو فعلًا أنه أطبق علي النظام ولا نجاة له دون كسر الهيبة، لذا فإن المتوقع هو مزيد من البطش بالوفاق إلي حد الحل أو التجميد ثلاثة أشهر، كما هو حكم المحكمة الأخير في ديسمبر 2014، وهو ما يستلزم رفض الاعتراف بنتائج مؤتمر الوفاق التصحيحي، والذي كانت وزارة العدل نفسها هي من دعت الجمعية لعقده، وشجعت علي إتمامه أملًا في أن ينقذ ماء وجهها تغيير وجوه قيادة الوفاق، وعلى رأسها الأمين العام أسوة بما حدث لجمعية وعد.

غير أن التأييد الكاسح الذي حصل عليه الشيخ علي سلمان بتزكيته أمينًا عامًا لدورة أخرى جعل المهلة التي منحتها المحكمة للوفاق، بضغط من وزير العدل نفسه علي المحكمة لتصحيح الوفاق أوضاعها "المخالفة"، جعلها مهلة عبثية، وجعل وزير العدل محلًا للسخرية، مما دفعه للانتقام.

والحق أن النظام لو كان أكثر تعقلًا وتريثًا لما أقدم علي خطوة الاعتقال، ولاكتفي بالنصر الجيد الذي حققه قانونيًا بإلزام الوفاق بعقد مؤتمر يلغي نتائج مؤتمرها السابق حديث العهد، وهو مكسب للنظام، خاصةً وأن هذا المؤتمر غير في أعداد العضوية، واستبعد من عضوية الجمعية حتي من لديهم أحكام جنائية، تفاديًا لأية إشكالات قانونية، وكان يمكن للنظام أن يكتفي بذلك، فهو مؤتمر تقليم أظافر الوفاق وضغط حجم عضويتها، لئلا يقال أنها تملك الشارع البحراني.

وحتى لو خرج خطاب الأمين العام علي النص، فمن الواضح أن تصعيد الخطاب جاء لاستدراك ما قد يفهمه البعض من أن الوفاق قد طأطأت الرأس للوزارة وقبلت بإلغاء مؤتمر صحيح وحشد وعقد مؤتمر تصحيح بديل، وحتى ما قبل اعتقال الشيخ بلحظات، لم تكن محدودة ولا قليلة تلك الملاحظات التي وجدت في رضوخ الوفاق للوزارة وعقد مؤتمرها في دالية معزولة تنازلًا غير مقبول، وهو شعور لم يخفف منه نارية خطاب الأمين العام.

ولو تركت الحكومة الوفاق بعد هذا المؤتمر لكانت تداعيات الأمور قادت إلي تغييرات، وربما حتى إلي استقطابات بين المدافعين عن شرعية المؤتمر السابق، وبين المنادين بشرعية جديدة تنسجم مع اشتراطات مكتب الجمعيات السياسية بوزارة العدل.

غير أن السماء تأبي إلا أن تكون كريمة مع الوفاق فتمنحها فرصة ثمينة برعونة لا تصدق من النظام، حيث إن إقدامه علي اعتقال غير مبرر، خاصةً وأن ما قاله علي سلمان هذه المرة يعد لا شيء قياسًا لما قاله في مرات سابقة، وخاصةً أن قبول الوفاق بتصحيح أوضاعها استجابة لحكم المحكمة وطلبات وزارة العدل أظهرها بمظهر المتعاون، وأسقط مبررات التصعيد ضدها في نظر الكثير من المراقبين. وقد وحّد هذا الاعتقال ليس فقط الوفاقيين المختلفين يمينًا ويسارًا حول مؤتمرهم، بل أيضًا وحّد الشارع حول علي سلمان بحيث استعاد أكثر فأكثر وجه التسعينيات، بعد أن سلبت جزءًا منه انشقاقات المعارضة الشيعية بين المسايرين والممانعين.


وعلى أي حال فإن قرار الاعتقال لا يمكن فهمه ولا تبريره، حتي بحسابات النظام السياسية، إلا أنه تخبط وعدم رشد وخفة لا مثيل لها في التعامل مع مشهد سياسي معقد.

من هنا، ولأن النظام لم يتعود أن يتراجع ويمارس نقدًا لذاته، فالمتوقع هو المزيد من القفز للأمام خطوات أخرى أشد، مثل حل أو تجميد الوفاق، وسحب جنسية الشيخ علي سلمان وتسفيره، جريًا علي تجربة التسعينيات، وهي إجراءات ظاهرها القوة وباطنها أن الحرج والارتباك بلغ بالنظام مبلغًا يجعله غير قادر علي اتخاذ الخطوة الصحيحة التي تخدم وجوده واستقراره، بل يستسلم لقرارات ارتجالية غير مدروسة، بل ويعتبر التراجع منها ضعفًا وانتكاسًا لا يليق به.

*كاتب بحريني.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus