الإندبندنت: تاريخ النفاق السعودي الذي اخترنا تجاهله

2015-01-17 - 9:05 م

روبرت فيسك، الإندبندنت
ترجمة: مرآة البحرين

كان السير وليام هنتر من كبار الموظفين الحكوميين في بريطانيا وفي العام 1871، أصدر كتاب حذّر فيه من ظهور "حشود متطرّفة" من المسلمين السنّة الذين "ذبّحوا رعيّتنا"، مموّلين من "أصحاب الثروات الطائلة"، بينما تجبر الأغلبية من المسلمين على الاختيار "بشكلٍ حاسم ونهائي، ما إذا كان يتوجب عليها لعب دور التابع الملتزم بالإسلام" أو "التابع المسالم".

وحدد هنتر أحد "دعاة الضغينة" كمسبّب لهذا "الإرهاب"، وهو رجل تأثر، خلال زيارة له إلى الجزيرة العربية، بمسلم زاهد يدعى عبد الوهّاب، شكّل أتباعه العنيفون "الوهابيون" تحالفًا مع-بالطبع عرفتموهم-آل سعود. ومن الممكن أن يكون مجلّد هنتر، "المسلمون الهنود"، الذي كُتِبَ منذ 140 عامًا، قد كُتب في هذه الأيام - مع انتشار الحقد العنصري على شبكة الانترنت، وظهور الهجمات القاتلة التي يرتكبها أفراد مسلمون سنّة، وتنفيذ عقوبات على الطريقة الوهابية، وأدلّة معروفة جدًّا على وجود مواطنة من الدرجة الثانية للمسلمين في الدولة المحكومة من قبل أوروبا-.

وحتّى قبل زمن هنتر، احتّل الوهّابيون المدن المقدّسة في الجزيرة العربية -على طريقة تنظيم داعش- وارتكبوا المجازر بحق أهلها. وكتنظيم داعش، اجتاحوا سورية أيضًا. وتجعل عقوباتهم التي كانوا ينفّذونها، وتلك الخاصة بالقوّات العسكرية السعودية الداعمة لهم، الجلد العلني اليوم للمدوّن السعودي رائف بدوي يبدو كجريمة بسيطة. فالنفاق كان عنوان التاريخ العربي والأوروبي كذلك.

وفي تلك الأيّام، لم يكن للنّفط بالطّبع أي معنى. أُرسل الحاكم السعودي إلى القسطنطينية في العام 1818 ليقطع رأسه من قبل القوّة العظمى المحلّية-الإمبراطورية العثمانية-ولم تقدّم الدول الأوروبية أي شكوى بخصوص ذلك. وعاين قائد شاب في الجيش البريطاني عاصمة السعودية المدمرة، الدرعية-القريبة من الرياض المعاصرة-بكل رضا. ولكنّ الحملات المتعاقبة للغزو السعودي-الوهابي، والتحوّل السريع لسائل النفتا الأسود الكريه، الذي كانت الأغنام تغرق فيه بشكل اعتيادي، إلى شريان العالم الغربي النابض ( أي النّفط)، يعني أنّ العنف الوهّابي الأكثر تجرّدًا-الذي تضمّن تدنيس المساجد، وتدمير المراقد القديمة للمسلمين، وقتل "الكفرة"-كان أمرًا يفصله كل من الأوروبيين والأمريكيّين على حدٍّ سواء عن آل سعود، بطريقة تلائمهم، ويتجاهلونه أيضًا.

وتمّ محو آثار التاريخ أيضًا؛ بما في ذلك واقع أنّ محمّد بن سعود، زعيم نجد، تزوّج من ابنة عبد الوهاب.

قد يثير تغاضينا، اليوم، عن الممارسات الوحشية السعودية-الوهابية والارتشاء دهشة السير وليام هنتر. إذ في إمبراطوريته البريطانية، كان عالم دين متمرّد يدعى سيّد أحمد يقود المسلمين الهنود الوهابيين، وكان أتباعه ينظرون إليه على أنّه النبي المقبل، وقد جعله حجّه إلى الجزيرة العربية جعله طاهرًا من الدنس طوال عمره. وقد قدم أتباعه من أفغانستان والهند أيضًا حيث امتدت سلطته إلى ما يسمّى اليوم بباكستان. وفي الواقع، تمّ إعلانه "قائدًا للمؤمنين" في بيشاور. ولعّل رجاله كانوا "طالبان".

وكانت حروب بريطانيا ضد الوهّابيين شرسة كحروب أوروبا اليوم، غير أنّها كانت تكلّف عددًا أكبر من الأرواح. وإذا اعتبر هنتر أنّ تصنيف المسلمين السنّة في الهند بالدرجة الثانية، وغياب التوظيف، وتلقّيهم التعليم المتدني سببًا لهذا التمرّد-يا فرنسا، دوّني الملاحظات-فإنّه أدرك أيضًا أنّه كان يُطلَب من مسلمي الهند الاختيار بين الإسلام الأصيل والملكة فكتوريا. كان الهندوس في الهند والحكّام البريطانيون في حرب ضدّ الذين وصفهم هنتر،مستذكرًا حملات المسيحين في القرون الوسطى على القدس، بـ "الهلاليّين".

اليوم، يجنح الأمريكيون والأوروبيون-وبالطّبع، رئيس حكومتنا- إلى التفريق بين السعوديين "المعتدلين"، الودودين، المناصرين للغرب، وأثرياء النفط، الذين يُمتَدَحون لإدانتهم "الاعتداء الإرهابي الجبان" في باريس، وبين أصدقائهم الوهّابيين "الهلاليّين" الذين يقطعون رؤوس السارقين وتجّار المخدرات بعد محاكماتٍ غير عادلة، إجمالًا، ويعذّبون الأقلّية الشيعية المسلمة، ويجلدون صحافييّ بلدهم الثائرين. السعوديّون الوهّابيّون-فهم، بالطّبع، الجماعة نفسها-يذرفون دموع التماسيح على مقتل رسّامي الكارتون في صحيفة شارلي إيبدو الذين يهاجمون دينهم، بينما يتعاطفون مع الأصوليّين في سورية، والعراق، وأفغانستان الذين يذبّحون الصحافيين وعمّال الإغاثة، ويهدّمون الآثار القديمة ويستعبدون النساء.

كل هذا يُشكّل مأزقًا حرجًا. السعوديّون مميّزون، أليس كذلك؟ 15 من بين الـ 19 خاطفًا الذين نفّذوا هجوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كانوا سعوديين-وقد سارع جورج دبليو بوش إلى تأمين خروج السعوديين (بما فيهم آل بن لادن) من الولايات المتحدة الأمريكية إلى مأمنٍ. إذ كان أسامة نفسه سعوديًّا (وقد تمّ سحب الجنسية منه لاحقًا). وكان السعوديّون يموّلون حركة طالبان ويسلّحونها؛ وفرقة طالبان "للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" مطابقة تمامًا لجهاز الشرطة الدينية السعودية الوهّابية في الرياض وجدة. السعوديون عزيزون جدًّا بالنسبة إلينا، إلى درجة أنّ توني بلير استطاع وقف تحقيق كانت تقوم به الشرطة البريطانية في قضية رشًى إنكليزية-سعودية. كانت "المصلحة الوطنية" في خطر. مصلحتنا، بالطّبع، لا مصلحتهم.

وفي وسط كل هذه الحماقة، نتجاهل انتشار المال السعودي من خلال مؤسّسات الإسلام السنّي في آسيا، ودول البلقان -انظروا إلى المساجد الجديدة التي أنشأها السّعوديون في البوسنة والتي تحاكي الأبنية العثمانية القديمة الرائعة- وفي أوروبا الغربية. ولنُلمّح إلى أن السلطات السعودية- وليس، بالطبع، إخوانهم الوهّابيين- تدعم تنظيم داعش، وأنّه ستتم مواجهة الصحافيين، ليس بالتعاطف مع زملائهم المضطهدين، بل برسائل تهديد من محامين نيابة عن الحكومة السعودية. وحتّى في الشّام، يخاف عمّال الإغاثة من التدريس المدرسي في مخيّمات اللّاجئين السوريّين المموّلة من السعودية.

وكما أشار معلّق صحافي أيرلندي يدعى فنتان أوتول هذا الأسبوع، لا بدّ من قول كلمتين في كل الردود الرسمية حول قتلى شارلي إيبدو: السعودية. إذ كتب: "مئة مليار دولار تشتري الكثير من الصمت". وأضاف أنّ "آل سعود يديرون اضطهادًا وحشيًّا...فبينما قام قاتلي صحافيّي شارلي إيبدو بأكثر أعمال الرقابة تجرّدًا...أقدموا على جلد المدوّن رائف بدوي بطريق بربرية بتهمة الترويج للجدال العلني".

يهدّد هادمو القبور الوهّابيّين بتدمير ضريح الرسول باعتبار ذلك واجبًا دينيًا -كما فعلوا بقبور "الأولياء" في أفريقيا والشرق الأوسط- ولكنّ رسمًا كارتونيًّا عن الرسول استفزازٌ يستحق على ارتكابه الموت.

بالتأكيد، كلّنا يعلم العنوان العريض. يقف السعوديون في الطليعة في "الحرب على الإرهاب"، إذ يعتقلون "الإرهابيين"، ويعذّبوهم (ولكن علينا التريّث بخصوص هذا الأمر)، ويزجونهم في السجون، ويدينون مقاتلي داعش باعتبارهم "إرهابيين"، ويقفون وراء الفرنسيين والأوروبيين في صراعهم مع "الإرهاب"، إلى جانب مصر، وروسيا، وباكستان وجميع "الديمقراطيين" الآخرين في "حربهم على الإرهاب".

لا تتلفّظ بأي كلمة مفادها أنّ المملكة السعودية نظام وهّابي. فمن الخطأ القيام بهذا الأمر. في نهاية المطاف، الوهّابيّون لا يطلقون على أنفسهم لقب وهّابية، بما أنّهم مسلمون "حقيقيّون". وهذا حال السعوديين أيضًا، أليسوا كذلك؟

 

14 يناير/كانون الثاني 2015
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus