شاكوري-مشيمع: فضيحة نواف عبيد... رجل المهمات القذرة في المخابرات السعودية (2-3)

2011-10-30 - 8:17 ص


مرآة البحرين (خاص): في الحلقة الأولى كشفنا أن الرواية التي تم الترويج لها حول محاولة اغتيال السفير السعودي من قبل الضابط الإيراني شاكوري، كانت صناعة سعودية بامتياز، وتمّ فيها استخدام (ديفيد إغناتيوس). في هذه الحلقة نتتبع شخصية نواف عبيد صانع أسطورة شاكوري، وحضوره في الإعلام الغربي عبر علاقته برئيس المخابرات السعودية، وسفيرها السابق في الولايات المتحدة.
 
 
نواف عبيد: "شاكوري" اتصل هاتفيا بالمتظاهرين ودعاهم لمحاصرة السفارة السعودية

مرآة البحرين (خاص): ليس غريبا ألا يذكر الكاتب في صحيفة واشنطن بوست ديفيد إغناتيوس اسم "المسئول السعودي" في مقالاته السابقة عن مؤامرة (شاكوري-مشيمع)[1]، فأغلب مقالاته التي تابعتها مرآة البحرين في موقع الصحيفة، تعتمد على "مصادره السرية"، من يسميهم عادة "مسئولين" هنا وهناك، والمعلومات التي يحوزونها حكرا عليه فقط، هم قد لا يتحدثون بها إلا إليه!

لكن هذا المسئول ظهر بنفس الأسلوب، وفي نفس اليوم، 12 أكتوبر، في لقاء مع صحيفة ماكلاتشي[2]، ليردد نفس المعلومات، متحدثا باسم المخابرات السعودية والأمريكية والباكستانية، وحتى المخابرات البحرينية هذه المرة!

 
الأمير تركي الفيصل
(نواف عبيد) زميل ديفيد في الكتابة بصحيفة واشنطن بوست، ورجل الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات وسفير السعودية السابق في الولايات المتحدة.

يكرر(نواف عبيد) الذي يظهر باسمه هذه المرة لصحيفة ماكلاتشي ذات الادعاءات "شاكوري كان معروفا بالفعل للحكومة السعودية باعتباره واحدا من الضباط الذين وجهوا الدعم الإيراني للشيعة في البحرين عندما انتفضوا ضد النظام" بحسب عبيد فالمخابرات السعودية نشطة جدا في قضية البحرين، ومنذ زمن طويل على ما يبدو!

يوضح عبيد مزيدا من التفاصيل هنا "إنه ضابط موجود، وهو عقيد[3]، وكانت لدينا معرفة به لفترة من الزمن" معلومات قناة العربية ستختلف قليلا بخصوص رتبة شاكوري العسكرية، فهو بحسب تقرير ثان نشرته عنه "ضابط برتبة عميد" وليس عقيد! ربما لم يكن عبيد على علم بترقيته مؤخرا!!!

وماذا فعل شاكوري تحديدا؟ يجيب عبيد "لقد حث المتظاهرين للذهاب إلى السفارة السعودية، كما وقف خلف خطة للسيطرة على تلفزيون البحرين" بالمناسبة، فكل السفارات السعودية في العالم مستهدفة من قبل إيران، وهي مع ذلك، تبقي على سفيرها في طهران، ربما لدواع استخباراتية!

على خلاف ما يدعيه (عبيد) فالمسيرة التي نظمت قرب مبنى تلفزيون البحرين كانت في أوج تظاهرات 14 فبراير، وجاءت احتجاجا على التحريض والازدراء الطائفي الذي مارسه التلفزيون ضد المتظاهرين في ذلك الوقت، وقد انتهت المسيرة بشكل سلمي، ودون تدخل الأمن!

أما المسيرة المتجهة إلى السفارة السعودية بالبحرين، فقد جاءت في منتصف مارس احتجاجا على دخول قوات درع الجزيرة لقمع المتظاهرين، وهي أيضاً انتهت بسلام، ودون تواجد أمني! العجيب، كيف كل هذه الأفكار السلمية الخارقة كانت من إبداع وتحريض ضابط في "الحرس الثوري الإيراني".

يطرح عبيد أدلته على الصحيفة: "بناء على مراقبة الاتصالات الهاتفية وعلى معلومات استخباراتية أخرى، فإن الحكومتين البحرينية والسعودية على يقين من هذه المعلومات"

تتحدث الصحيفة لمسئول أمريكي يربط هو الآخر بين الحرس الثوري وعمليات أخرى ضد أهداف أمريكية كأحداث الخبر في 1996، وما يحصل في العراق، لكنه...لا يذكر شيئا عن البحرين!

تثير فقرة عبيد هذه صحيفة نيويورك تايمز، فتضع تقريرا خاصاً عن هذا التصريح الغريب، عبر الصحافي المتألق روبارت ماكي، تحت عنوان "ادعاءات سعودية بوقوف (المتآمر المزعوم) خلف اضطرابات البحرين وتدبيرها أيضا"[4] مع رابط للتقرير الأصلي المعد من صحيفة ماكلاتشي والذي كان موضوعه مؤامرة الاغتيال بشكل عام!

نيويورك تايمز: هل هي مؤامرة أمريكية أم إيرانية؟

تقدم نيويورك تايمز تقريرها بهذه العبارة "في حين لم يقتنع عدد من الخبراء البارزين في الشئون الإيرانية أن الحكومة الايرانية أذنت حقا بتنفيذ مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، فإن أحد أكثر "المصرحين" السعوديين الذين يحظون بعلاقات واسعة يصر على أن المخطط كان حقيقيا، وأنه جزء من مؤامرة أوسع نطاقا بكثير ضد بلاده"

وتلفت الصحيفة نظر القارئ إلى أن (عبيد) نقل هذه المعلومات الجديدة إلى صحيفة ماكلاشي من مصادر "سرية" لم يحددها، وتذكر بأنه قد أيد سابقا النظرية التي تقول إن التظاهرات في البحرين كانت جزءا من مؤامرة إيرانية مدبرة.

وتصل الصحيفة القول بأن كلا المسؤولين في إيران والولايات المتحدة يتفقان على وصف تظاهرات الربيع العربي في البحرين بدعوة حقيقية لإصلاحات ديمقراطية، إلا أن موالي الأسرة الحاكمة في البحرين لا زالوا يصرون على أنها مؤامرة إيرانية، على شاكلة ما يقول نواف عبيد.

ولا تخفي الصحيفة استغرابها من التناقض بين هذه المزاعم، ونظريات أخرى، تحدث عنها تقرير سابق[5] للصحفي نفسه في يونيو/حزيران الماضي، وهي ما روجه موالون من أن الاحتجاجات في البحرين مؤامرة "أمريكية إيرانية مشتركة" لزعزعة الاستقرار في البلاد! وربما كانت الصحيفة تريد أن تتساءل: هل كان شاكوري متآمراً مع الأميركيين ضد البحرين هو الآخر؟

في متابعات القراء لهذا التقرير المنشور في إحدى أكبر الصحف الأمريكية، ستجد عشرات التعليقات الساخرة والمتهكمة من تصريحات عبيد، يقول أحدهم "بالنظر إلى سجله الحافل، لقد فوجئت أن عبيد نسي أن يذكر العلاقة الواضحة بين "المؤامرة" و"انتفاضة البحرين" وظاهرة الاحتباس الحراري؟!!" ويقول آخر "افتراءات السعودية مثيرة للشفقة بحيث تجعل من نفسها أضحوكة لكل واحد منا"
لماذا لا يصدق أحد نواف عبيد؟

نواف عبيد: الورقة المحروقة

 
نواف عبيد بزيه السعودي
يختار عبيد هذه المرة ألا يكتب هذه المعلومات المضللة بنفسه عبر مقال خاص[6]، كما فعل في 2006، حين صرح في مقال أثار ضجة كبيرة ونشر في واشنطن بوست، أن السعودية تخطط للتدخل في العراق عبر ميلشيات تدعم "السنة" في الصراع الطائفي الذي قد يدور هناك، بعد مغادرة القوات الأمريكية. تبرأ تركي الفيصل من هذه التصريحات، وأقال عبيد الذي كان مستشاره الخاص للشئون الأمنية، لكن ذلك لم يكفِ الولايات المتحدة التي عبرت عن انزعاج كبير، فاستقال الفيصل وغادر أمريكا بعد أسبوع واحد من المقال.

نواف أحمد عصام عبيد، المولود لأم لبنانية، وخريج جامعات هارفارد، جورج تاون، وMIT، بقي في واشنطن، استكمالا لدوره الذي بدأ قبل أحداث 11 سبتمبر، كرجل المهمات القذرة في المخابرات السعودية، التي لا تعدو جهاز إعلام يدرأ فشل الدبلوماسية السعودية في الغرب.

لم يكن نواف يحمل منصباً رسميا، لكنه بمظهره الغربي ولغته المنطلقة، كان يتصنع دور المثقف السعودي المفوض من حكومته ليتحدث إلى الغرب عن سياستها وبرامجها وأمنها، ولو بشكل غير رسمي! ظهوره الفعلي كان في المشاركة في (جلسات الحوار السعودي الأميركي)، وكتابة عدد من التقارير والدراسات والمقالات في الصحف الأمريكية مثل صحيفة واشنطن بوست، نيويورك تايمز، وفاينانشال تايمز وهيرالد تريبيون الدولية، لكن دوره سيكون أبعد من مجرد مثقف وكاتب سعودي!

قبل أن يجرد من مناصبه و"تستهلك سمعته بين الطبقة الإعلامية والأكاديمية الأميركية" كان باحثا متعاونا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (WINEP)، وكان زميلا متعاونا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) (وهو أحد أكبر مجموعات "التفكير والبحث" في واشنطن ويرأسه موظفون سابقون في CIA كما ينتقل بعض موظفيه للعمل لاحقا في وكالة المخابرات[7]).

منذ التسعينات، لم يكن أحد يعرف وظيفة عبيد على وجه التحديد، لكنه منذ تسلم الأمير تركي الفيصل منصب السفير السعودي في واشنطن (بدلا من بندر بن سلطان) صار يعرّف نفسه تارة كمستشار أمني للحكومة السعودية أو مستشار الحكومة لشئون الطاقة أو محلل أمني سعودي.

برزت العديد من المقالات الناقدة والفاحصة في شخصية عبيد وتحولاتها الدرامية منذ مقاله الفاضح في 2006، والذي وصفه الكاتب ديفيد نفسه بأنه كان "ورقة مساومة"، فيما حذر مسئول بريطاني تحدث لإيلاف مقللا من أهمية تصريحاته "كون أذنه ليست في تمام البعد عن أفواه صناع القرار السعوديين" حسبما قال، ليضيف "نشعر وكأن مقالاته بالون اختبار لمشروع ما" ورغم إقالته، فإن ذلك لم يمنع المراقبين من وصفه ب"الرجل الزوبعة" أو وصف تصريحاته ب "رمية بلا رام"

يصف النقاد مشكلة عبيد بأنه يعتبر نفسه مستشاراً في كل شيء (على غرار مستشار تجمع الوحدة الوطنية وخبيرها الاستراتيجي  عادل عبد الله) فيما يذهب صحافي سعودي إلى أنه يعاني من الانفصام الداخلي حيث ينقلب فجأة من الليبرالية إلى الأصولية، في حين كان تعاونه السابق مع مراكز البحث الأمريكية هو أساساً في سبيل "إصلاح البنية التحتية للأمن الوطني في السعودية بما في ذلك التصدي للإرهاب الإسلامي المتطرف"

وفي حين وصفته إحدى الصحف الأمريكية وقتها بالمستشار الحاذق، فإن الصحافي الأمريكي ستيفان شوارتز يصفه باللغز المحير، مذكرا بأنه أحد ممثلي السعودية المنطلقين في حديثهم، والذي عرف منذ التسعينات كشخص مزعج في واشنطن، لكنه ينقل عن منشقين سعوديين وصفهم له بالأخرق المتعجرف والمزهو بذاته.

يضيف شوارتز في عام 2006 بأن نواف عبيد قد يكون كُشف بعد هذا المقال لكنه يتنبأ بأن "الاستغراب الذي يواكب تحركات السعوديين في الغرب سيصبح على العكس أكثر شيوعا" ثم يحذر من تصديق المبالغات والتضخيم السعودي للأحداث.

هي ليست المرة الأولى التي يمارس فيها عبيد نوعا من التضليل الإعلامي الساذج بأدواره المتعددة كباحث ومستشار وكاتب ومحاور
 
نواف عبيد في زيه الأمريكي
ورجل مخابرات أيضاً، في واشنطن التي يتمركز فيها طوال الوقت ودون صفة رسمية!

فبعد أحداث سبتمبر، ادعت المخابرات السعودية برئاسة  الأمير تركي الفيصل أنها أبلغت CIA مسبقا بأن اثنين من خاطفي الطائرات كانا مراقبين من قبلها بعد أن وضعتهما ضمن قائمة الإرهابيين السعوديين، وأنها كانت تتعقب تحركاتهما من خلال رجلين يعملان لحساب الأمير تركي في واشنطن، أحدهما كان نواف عبيد! المفاجأة: أن وكالة CIA اضطرت لنفي ذلك علناً!

يشغل عبيد مدير ما يسمى بمشروع تقويم الأمن الوطني السعودي، ولا يزال يعمل تحت ظل الأمير تركي كباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الذي يرأسه الأمير نفسه، رغم أنه ادعى إقالته سابقا وسخر من تصريحاته. كلا الشخصين لا يحملان أي مناصب رسمية في الدولة الآن، لكنهما الأكثر تمثيلا للملكة في الغرب!

منذ 2006، وبعد أن استقال تركي الفيصل، اختفى عبيد، لم تعد هناك دراسات، ولا كتب، ولا مقالات، ولا تعاون مع المراكز البحثية الأمريكية، ولا ظهور إعلامي على شاكلة برنامج بي بي سي الشهير Hard Talk الذي استضافه في إحدى حلقاته، لم يكن له سوى بضعة مقالات وهذه المرة باللغة العربية وفي صحف سعودية.

لكنه فجأة عاد للظهور، وتحديدا مع الربيع العربي! وصفته صحيفة ماكلاتشي بالمستشار الأمني من جديد، ونشرت له صحف أمريكية متعددة منها واشنطن بوست وفورين بوليسي لتستشف موقفا أوضح من الدبلوماسية السعودية تجاه قضايا الربيع العربي.

ماذا تريد الدبلوماسية السعودية ونواف عبيد من البحرين؟

هوامش:
  1.  انظر الحلقة الأولى من التقرير.
  2. Saudis don't name Iran in condemnation of alleged murder plot
  3. رابط التقرير الثاني عن غلام شاكوري في موقع العربية نت.
  4. Saudi Claims Alleged Iranian Plotter Also Orchestrated Bahrain Unrest
  5. Crackdown on Dissent Continues in Bahrain, on the Streets and Online
  6. مؤخرا، نشر نواف عبيد مقالته الأصلية عن هذه المزاعم في مدوّنة تابعة لصفحة CNN، بعد أن رفضت الصحف الأميريكية نشرها على ما يبدو، لما فيها من افتراءات ساذجة، ولتجاربهم السابقة مع هذا الكاتب. ورغم أن القائمين على مدونة CNN عنونوا المقال ب"وجهة نظر سعودية في مؤامرة الاغتيال الإيرانية المزعومة" حتى لا يتسبب في تضليل القراء، إلا أن الصحف الصفراء في البحرين واصلت وبشكل مضحك خطة الكذب المبرمج، إذ نقلت هذه المعلومات على أنها "تقرير" من شبكة CNN! بينما أثارت المقالة صدى واسع بين القراء الذين سخروا بشدة من هذا الهراء، واعتبروه تلاعبا ساذجاً على العقول، في حين وضع الموقع بشكل متعمد، صورة لدخول القوات السعودية إلى البلاد، ليكتشف القارئ المسافة بين الواقع الماثل على الأرض في (التدخل السعودي المباشر عسكريا في قضية البحرين)، وبين مجرد معلومات وادعاءات استخباراتية هزيلة حول (اتصالات هاتفية بين المتظاهرين وضابط إيراني)!
    رابط مقالة عبيد في مدونة CNN
  7. فيما عدا فروع للمراكز الأمريكية في الدوحة، فإن هذه المراكز البحثية لا تتواجد في العالم العربي، لكنها تتواجد في إيران!

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus