الشرطة البحرينية تحاصر الشهيد في قبره.. فكم مرة سيقول: آه!

2011-11-07 - 7:10 ص


مرآة البحرين (خاص): ليست الحكاية ذاتها، رغم أن الملحمة واحدة: شعب يطلب الكرامة وظالمون!  كان الشيخ حسين الديهي نائب أمين عام "الوفاق" ونجل المتوفى علي حسن الديهي (78 عاماً) والذي قضى الخميس في مستشفى السلمانية بعد تعرضه إلى الضرب المبرح على يد قوات الأمن، يجثو على قبر والده ويرفع الأكف بالدعاء.
كان يطمئن الآلاف التي توافدت منذ الصباح لمواساته، ومعايشة اللحظة المشهدية الأخيرة عند شاهدة قبر الشهيد الذي ما زال رمله رطباً بعد منذ أن أهيلت عليه باقات المشموم وقطرات ماء الورد الندية: لن ننسحب من الميادين حتى تحقيق مطالبنا!
فجأة دوى صوت عنيف مالئاً أرجاء المقبرة التي كانت، حتى ما قبل دقائق معدودة، غارقة في طقس جنائزي وحزن عميم، صراخاً وضجيجاً. انتهت الحكاية وأتى وقت الملحمة! أبت قوات الأمن أن تمنح عائلة الشهيد لحظة وداع أخيرة. فاجأتهم، كان الطلق عنيفاً.
اختصرت المشهد صورة تم تداولها للشيخ الطاعن في السن ورجل الدين علي بن أحمد، وهو مغمىً عليه، فيما راح عدد من المتظاهرين ينتشلونه من الأرض، ويخفّون مسرعين. حين أراد صحفي أن يسوق تعليقاً على ذلك، لم يجد إلا السخرية المرة: "برأيي، إن عملية إخلاء المقبرة من المشيّعين؛ هي ثاني أنظف عملية للقوات بعد إخلاء الدوار"، مضيفاً "الإخوة البواسل يشرّفون وزيرهم بحقّ" في إشارة إلى قوات الأمن.
لم يكن المشهد منذ الصباح يشي بنهاية غير هذه. كما لم يكن مثل أي يوم عيد أضحى. اصطبغت معظم قرى شارع البديع، أو قل أُحكم حصارها، بلون بزات عناصر الأمن العنيف الصارخ. لون أزرق واحد يلغي ذاكرة شعب بعدة ألوان! سُدت المنافذ المؤدية إلى جدحفص، المنطقة التي ووري فيها جثمان الفقيد، والتي كانت تتأهب لاستقبال المعزين في مراسم العزاء الأخيرة.
لم يكن ثمة منفذ. كما أي وقت، أمام إرادة الإصرار العنيدة، لم يكن ذلك حائلاً في يوم دون وصول أعداد كبيرة. وهو ما كان اليوم، حيث توافد الآلاف، نفذوا من الأزقة والطرق الداخلية. كثر كانوا، حين باغتتهم قوات الأمن، كانوا كمن يترقب سيناريو معتاد. اندلعت الصدامات. كانت خشية قوات الأمن أن يتقدموا باتجاه دوار اللؤلؤة قرب نقطة معرض "راكان". وهي الرغبة الدفينة التي غدت حلماً ماثلاً ما انفكوا يسعون من أجله، آخرها كان قبل 3 أيام.
لذا فاجأتهم قوات الشرطة، ومعظمها من الأجانب، بهجوم استباقي. أمطرتهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والشوزن والقنابل الصوتية. انسحبوا من المقبرة، أعادوا تموضعهم، سرعان ما عاودوا الكرّ من الجيوب. نقطة: في الديه أمام مجمع البحرين (جيان). نقطة: من النعيم على مسافة أمتار من دوار اللؤلؤة. نقطة: من السنابس. نقطة: من منطقة المصلى في جدحفص. سرعان ما تداعات بقية النقاط في المناطق البعيدة: الدراز، عالي، أبو صيبع،سلماباد، الجفير بمحاذاة من القاعدة الأميركية.
بدورها، أعادت قوات الأمن انتشارها. مُدّت بتعزيزات إضافية: عناصر شغب راجلين، مدنيين مقنعين، عربات، وباصات "كوستر". كان المتظاهرون قد أزمعوا على التجمع في الساحة المحاذية إلى سوق جدحفص: حوصرت! الساحة المقابلة لها في سنابس عند مدخل مروزان: حوصرت! نادي الشباب: حوصر! مدخل جيان: حوصر! ساحة مجمع الدانة: حوصرت! تقاطع كرباباد: حوصر! لم تكن أجواء يوم عيد.
 
نفذت عناصر أمن راجلة تمشيطاً إلى قرى سنابس الدية وجدحفص، عبر التوغل في الأحياء السكنية ودهم البيوت. أعلنت وزارة الداخلية اعتقال 3 أشخاص: أحدهم في الثالثة عشرة من العمر، اسمه ميثم محمد علي، وهو من قرية أبي صيبع. آخر، شيخ طاعن، الحاج عبدالحسين المادح، وهو من منطقة جدحفص. آخر أيضاً شاب من الديه، لم يكتفوا باعتقاله، أعدموا طيوره!
سجلت حالات اعتقال أخرى، لم تكشف أسماؤهم حتى الساعة. صرح شاهد عيان "أمام عيني شاهدت اعتقال طفلين لا يتجاوز عمرهما العشر سنوات في كرانة. تم سحبهم من الشارع العام". شاهد آخر روى محاولة متظاهرين في النعيم الوصول إلى دوار اللؤلؤة: قُمعوا! شاهد أيضاً، قال "رأيت طفلاً يخط صحيفة الأحرار (الكتابة على الجدران) بجانب كراجات عين الدار وسيارة مسرعة تحمل شاباً مصاباً".
أكثر حوادث اليوم إيلاماً قيام قوات مكافحة الشغب بحصار بيت الشهيد في الديه. لم يكتفوا بقتله، كانت أعدادا كبيرة. سجلت إصابات وحالات اختناق كثيرة. عاودت دوريات الأمن تكتيكها في دهس المتظاهرين. أعنف الصدامات كانت في الديه عند شارع المدارس على بعد أمتار من "جيان". نفذ متظاهرون من كرانة والدراز وبني جمرة والشاخورة ومقابة إغلاقاً محكماً، بالإطارات، إلى شارع البديع، احتجاجاً.
على المقلب الآخر، في الأحياء الغنية الوادعة لم يكن الحال بأفضل. أظهرت الصور مجمع "السيتي سنتر"، أكبر مجمعات التسوق التجارية، وهو خال تماماً من المرتادين اليوميين كما يفترض أن يكون في أي يوم عيد. لم يكن الحال في "الدانة" بأفضل، وأيضاً في "جيان". وأيضاً في "المارينا مول". فرض الهاجس الأمني نفسه.
قالت وزارة الداخلية إن "حوالي 600 شخص خرجوا في مسيرة غير قانونية بعد كسار فاتحة المتوفى علي الديهي وأغلقوا الشوارع كما ألقوا الحجارة والمولوتوف على رجال الأمن، ما استدعى تدخل قوات حفظ النظام". ما انفكت الوزارة تكذب، لا أحد يصدق!
جمعية "الوفاق" الوطني أصدرت بياناً شديد اللهجة أدانت فيه الهجوم على المعزين، وصفته ب"الوحشي". اعتبرت  "ما قامت به قوات الأمن من استخدام مفرط للقوة بأنه يتنافى مع أبسط القيم الإنسانية". قالت "من غير المنطقي مهاجمة المشاركين في التعزية بوفاة مواطن ومن غير المنطقي مهاجمة الرجال والنساء". ورأت أن "الحل الأمني في البحرين سقط وانهار بعد ان استخدمت السلطة كل أدوات الترهيب والقمع على مدى أكثر من ثمانية شهور دون أي جدوى".
ائتلاف 14 فبراير/ شباط دعى أنصاره إلى "رفع شعيرة التكبير في كافة المدن والمناطق في الساعة التاسعة مساءً". كرر نداءه إلى "مواصلة التظاهر المفتوح وقطع الشوارع العامة والحيوية وتجنب قطع الشوارع الداخلية". وقال "ندعم فعالية (العيد الحزين) وندعو لتصفير المجمعات والحدائق في أيام العيد تضامناً مع عوائل الأسرى والشهداء والجرحى والمفصولين".
الأكيد أنها ليست الحكاية ذاتها، بيد أن الملحمة واحدة: شعب يطلب الكرامة وظالمون!

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus