صفاء الخواجة: "قاسم" حاكمته مدرسته بقسوة السياسة

صفاء الخواجة - 2015-02-28 - 7:31 م

صفاء الخواجة *

الطفل هو إنسان صغير لكنه ابن بيئته، وقاسم محمد يوسف، طفل يبلغ من العمر 10سنوات وهو ابن هذا المجتمع، طالب في الصف الخامس الإبتدائي في مدرسة جابر بن حيان الابتدائية، طالب محب للتعلم ومتعاون مع زملائه في المدرسة برغم مرضه، حيث أن قاسم يعاني منه منذ ولادته من مرض" فرط النشاط " إلا أنه طفل إمتاز بالمثابرة في الدرس، يحاول دائما أن يكون من المجتهدين في دراسته، مرض فرط النشاط "هو فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهو اضطراب سلوكي يصيب الأطفال في سن مبكرة؛ نتيجة لخلل بيولوجي يؤدي إلى اضطراب في النواحي السلوكية والنفسية والاجتماعية للأطفال وينتج منه الكثير من المشاكل. وأنواعه:

نقص الانتباه (Attention deficit (AD.
فرط الحركة (Hyperactivity disorder (HD.
فرط الحركة وتشتت الانتباه (Attention deficit hyperactivity disorder (ADHD

ويختلف أسلوب العلاج تبعاً لاختلاف درجاته في الشدة (خفيفا كان، أو متوسطا أو شديدا)، وهو ما قد يحتاج إلى التدخل الدوائي في الحالة المستعصية".

هذا المرض لم يمنع قاسم من عشق لعبة كرة القدم التي يجد فيها نفسه ليكون معاكسا لحالته ومنتصرا عليها، وهو أيضا رسام مبدع، يشارك في فعاليات عديدة في مأتم الدراز لأنه ابن بيئته.

في يوم من الأيام قررت مدرسة جابر من حيان الابتدائية للبنين القيام برحلة تعليمية إلى "محمية العرين" بتاريخ 23 فبراير/شباط 2015. انطلقت حافلة المدرسة في صباح الإثنين متوجهة إلى محمية العرين وهو مشروع لحماية حيوان المها النادر في البحرين، الرحلة كان يشرف عليها مُدرّس اللغة الإنجليزية، استمتع قاسم كثيرا في الرحلة، استفاد من المعلومات التي جمعها عن الحيوانات وكانت تشغل باله لوحة جديدة يرسمها لحيوان "المها" المسالم، وفي طريق العودة من الرحلة عبّر الأطفال عن فرحهم واستمتاعهم بشكل طفولي مفرح من خلال أناشيد كان يرددها أحدهم في براءة تامة، وبشكل طفولي لا يخرج عن البراءة صدرت هتاف يسمع في بيئه فيه "مساس برموز الدولة" بتوصيف محاكم السياسة، وما إن وصلت الحافلة إلى مبنى المدرسة غادر المعلم المشرف الحافلة وبرفقته سائقها إلى مبنى إدارة المدرسة مع إقفال باب الحافلة على الطلاب ، والإقفال هنا لا يمت إلى العمل التربوي بصلة فكيف تتحول حافلة التعلم إلى حافلة صيد!؟،

أبلغت إدارة المدرسة بالحدث الذي قام به الاطفال أثناء عودتهم. وماهي إلا دقائق معدودة حتى عاد معلمهم الذي أشرف على رحلتهم برفقة السائق وفتح باب الحافلة حيث طلب من الطلاب التوجه إلى الصفوف عدا قاسم، فقد طلب منه التوجه إلى مبنى الادارة، تعجب قاسم من طلب معلمه وبدأت دقات قلبه تتسارع، تغيرت ملامح وجهه وبدأ الخوف يحيط به ويسيطر عليه، والتساؤلات واضحة عليه، استأذن قاسم بالدخول حتى فوجئ بالمدير المساعد، والمشرف الاجتماعي والسائق ومعلمه، في جو يملؤه الخوف والذعر وتناوب عليه الجميع في استجواب لا يحمل عنوان المدرسة وفضاءات التعلم ووُجّهت له تهم "التحريض" التى لا يعي مداها وأخطارها، وهنا بالمناسبة دون محام ونعني ولي أمره، وبعد إنتهاء الاستجواب اتصلت الإدارة بوزارة التربية والتعليم وأبلغتها بتفاصيل الواقعة!، حيث أشارت اليهم الوزارة بإصدار قرار "توقيف الطالب شهرا كاملا وحرمانه من الرحلات الترفيهية التعيليمة، وعدم إشراكه في فعاليات وانشطة المدرسة" .

المعنى القاسي، هو أن تكون المدرسة نسخة معادلة للسياسة وبالأخص حين تصاب الحقيقة بتشويه فيكون قاسم في النسخة الجديدة تلميذا غير محب للمدرسة والدورس، ويملك سجلا متدنيا في الانضباط المدرسي فهو يتأخر عن الدوام ودون عذر، هذا عدا مساسه بالسيادة الوطنية.

هل بهذا نحافظ على بقاء صورة المدرسة نقية ومحايدة ؟

لسنا الان بصدد تقييم الحكم بقدر ما يتركه القرار وانعكاساته على نفسية قاسم البريئة وبدأت عليه ملامح الحزن الشديد، بل وصل إلى حد الاحتياج لمصدر للأمان ليحتمي فيه من بيئته الأخرى وهى المدرسة التي يعتبرها ساحته للإبداع، كان أبواه جاهزَين لتوفير الحماية الطبيعية لأنهما يعلمان مدى الحب الذى زرعاه في مشاعر ابنهما لصورة الوطن. بعد يومين من التوقيف قرر قاسم أن يذهب إلى المدرسة حاملا معه قرار توقيفه وحرمانه من التعلم في مدرسته التي أحبها، وذلك بسبب شوقه إلى مقاعد الدراسة وأصدقائه ومعلميه.

يخاطب قاسم والدته "ماما لقد ظلمتني مدرستي رغم صفر سني!، وحرمتني من دراستي وأصدقائي !، ماما متى سينتهي الظلم ومتى سنعيش بأمان؟" هي أسئلة البراءة !

هنا يحق لنا أن نتساءل "هل معالجة وزارة التربية والتعليم لمشكلة قاسم صحيحة؟ّ وهل دور المدرسة يتمثل في الإبلاغ والإجهاز بدل المعالجة والنصح؟ أين دور أحاديث التربية ونصوص التأهيل؟ ولماذا هنا بالذات، وهل مطلوب من المدرسة أن تكون محكمة سياسية؟ هل اختلط الأمر على التربويين فظنوا أنهم أمنيون؟ كيف لمدرسة أنشاها المجتمع لتعليم أبنائه أن تحاكم قاسم الطفل الذي يبلغ من العمر 10سنوات دون أن يعلم؟ ودون أن يعي التهمة، ودون محامي؟".
السؤال المُحيّر كيف سيرسم قاسم صورة "المها" المسالمة؟!

*ناشطة في مجال حقوق الإنسان

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus