جستين لينش: مملكة المرايا: طُرِدت من البحرين وهذه هي القصة التي أردت روايتها

2015-03-05 - 7:43 ص

جستين لينش، موقع Medium
ترجمة: مرآة البحرين

عندما قررت السفر إلى البحرين مؤخرًا كان لدي قصص أردت روايتها

أردت معرفة المزيد عن هذا البلد وخاصة عن المعارضين -الذين يدافعون عن حقوق الإنسان مع حفاظهم على التواصل، ربما بداعي الحاجة، مع جماعات وفعاليات قد نعتبرها، نحن في الولايات المتحدة، عدوانية. وأردت أن أعرف طبيعة وتفاصيل هذه الضّرورة. وما أردته فعلًا، أدرك ذلك الآن، هو أن أفهم البحرين من وجهة نظر بحرينية.

أول ما وقع نظري عليه في البحرين عندما حطّت الطائرة هو جسر الملك فهد الذي يربط أرخبيل هذه الجزيرة الصغيرة بالمساحة الكبيرة نسبيًا للمملكة العربية السعودية. وناتئًا من الساحل السعودي، يبدو الجسر ذو الـ16 ميلًا كحبل سري ينتظر أن يتم قطعه من الأعلى.

يمثّل الجسر الآن الطريق البري الوحيد للدخول إلى البحرين أو الخروج منها. وعندما اندلعت الاحتجاجات في البحرين في ربيع العام 2011 وهددت استقرار الأسرة الحاكمة، شكّل هذا الجسر وسيلة لنقل 1200 وحدة دعم من السعودية لقمع هذا الاضطراب.

البحرين مركز للحرب الباردة القائمة بين إيران والمملكة العربية السعودية. وكونها بين البلدين، فهي بمثابة مركز العمليات لأسطول الولايات المتحدة البحري في الشرق الأوسط.

ولكن لأن البحرين تشغل موقعًا استراتيجيًا مماثلًا، يقول كثيرون إنها تحظى بترخيص عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان. وكما أخبرني مسؤولٌ في وزارة الخارجية، فإن هذا البلد يمثل بالنّسبة للغرب مقايضة "كلاسيكية" بين المصالح والقيم.

كان هذا المسؤول واحدًا من بين كثيرين تكلمت معهم قبل صعودي إلى متن الطائرة متوجهًا من ألمانيا إلى البحرين مع استراحة في الإمارات العربية المتحدة. كنت أصبحت مفتونًا بالبحرين قبل أن أقرر السفر إليها. خلال فترة الأعياد، أمضيت أسبوعًا في الطابق الخامس من مكتبة جامعة جورجتاون منكبًا على الوثائق والخلفية التاريخية للبلد، وكنت في الوقت ذاته أستمع إلى مايلس دايفيس.

علمت أن الأسرة الحاكمة سنّيّة، ولكن غالبية الشعب من الشيعة. يمكنك الشعور بتأثير ثورة العام 1979 الإيرانية على البلد حتى اليوم بين السكان والتي تظهر من خلال أعلام حزب الله التي قيل لي بأنها تملأ الأحياء الشيعية.

سافرت إلى البحرين لأنني أردت أن أعلم المزيد عن الناشطين في مجال حقوق الإنسان هناك ولكنني أردت أيضًا أن أفهم بشكل أفضل كيف تجسد البحرين المخاوف والتوترات الأوسع نطاقًا في المنطقة، لذا قررت التّحقيق عبر القيام ببحث شخصي عن البؤر الأكثر توترًا في المنطقة: هذا الانقسام بين السنة والشيعة والمراكز الوطيدة المتزايدة لداعش في المكان الذي يبلع فقط 3.5 أضعاف العاصمة واشنطن.

ولكنني لم أرَ الكثير عن داعش أو عن بقية البحرين من أجل هذه المسألة. أثناء مروري في الجمارك في مطار المنامة، نُحيت جانبًا وطُلِب مني الانتظار. تجمع حولي تسعة رجال عسكريين يرتدون قمصان بيضاء، أرخوها فوق بناطيلهم، ما جعلهم يبدون كطيارين متعبين. أرسلت رسالة نصية إلى زميلي في واشنطن، وأخبرني أن السلطات البحرينية كانت ربما تراقب هاتفي فسارعت إلى حذف الرسائل الإلكترونية والتطبيقات. فجأة، تبادرت إلى ذهني مشاهد من فيلمي أرغو (Argo) وزيرو دارك ثيرتي (Zero Dark Thirty).

أثناء احتجازي في غرفة الإنتظار، طُلب مني تدوين أسماء جميع الأشخاص الذين كنت سأقابلهم داخل البلد. تجمّد عقلي. فاختلاق الأسماء هو أمر صعب. وبدلًا من ذلك، استخدمت أسماء شخصيات من برنامجي المفضل ذا ويست وينغ (The West wing).

كنت قد أمضيت أسابيع أتكلم فيها مع أكبر عدد ممكن من الخبراء البحرينيين، لذا كان من المنطقي، والمرجح، أن البحرينيين علموا بقدومي. وفي اليوم الذي تلا حجزي لتذكرة الطائرة إلى البحرين، قامت جمعية الصحفيين البحرينيين بمتابعتي على تويتر. وبصفتي المنسق الإعلامي الاجتماعي لمؤسسة أمريكا الجديدة، فأنا لا أغرّد غالبًا من حسابي الخاص. لقد كان توقيتًا غريبًا.

وبعد ما ظننت أنه أربع ساعاتٍ من الإنتظار، أصبح الأمر رسميًا: لن يُسمح لي بالدخول إلى البحرين. تقدّم ضابط باتجاهي وسلّمني جواز سفري وتذكرة سفر إلى تركيا وقال لي "اصعد على متن هذه الرحلة". ولدى ذهابي إلى مكتب شركة الطيران الألمانية (لوفتهانزا) لأحاول تغيير تذكرتي، ظهر هذا الضابط أمامي مجددًا ليرافقني إلى منطقة المغادرة المخصصة لرحلتي. وعندما أقلعت الطائرة، نظرت من النافذة مجددًا. كنا في فترة الصبيحة، وظهر جسر الملك فهد مجددًا من النافذة ولكن هذه المرة لم أعد معجبًا به كما في السابق. وفي حين كانت البحرين تتلاشى خلفي، بدا الجسر رماديًا وبشعًا.

منذ سنتين، عرض تركي البنعلي، أمام السفارة الأمريكية في البحرين، أفكاره عن الفقه الإسلامي.

مرتديًا جلابية بيضاء، مع قلم ظاهر في جيبه الأمامي، ظهر البنعلي في فيديو على اليوتيوب يتكلم بنفوذ ناقد ملسن. وكان محاطًا برجال مقنعين يحملون أعلامًا إسلاميةً سوداء. قال تركي إن "النصر الحقيقي للرسول سيكون عبر تطبيق قانون الشريعة". وأضاف "يا أوباما، يا أوباما! كلنا اليوم أسامة".

عندما خطّطتّ لرحلتي إلى البحرين، كان تركي من الأشخاص الذين كنت أحاول أن أقابلهم. في عمر الثلاثين، مثّل تركي الجيل الجديد للإسلاميين الذين انضموا إلى داعش: شاب ومتعلّم ومتعصّب. ينحدر تركي من عائلة سنّية عريقة في البحرين. في القرن الثّامن عشر، تحالفت قبيلة البنعلي مع آل خليفة لدعم حكمهم. وما زالت معظم السلطة التي تحظى بها حكومة آل خليفة الحاكمة اليوم تعتمد على هذا النوع من الدعم القبلي.

حين كان تركي شابًا يافعًا، أصبح تلميذًا لشيوخ محافظين في مناطق البحرين مثل البسيتين وفقًا لما ورد في سيرة ذاتية له. وبدأ بالوعظ في بلدان الخليج، وساءت سمعته بما يكفي بحيث أعادته السلطات في أغلب تلك البلاد إلى البحرين.

وفي الوقت الذي اكتسبت فيه داعش مراكز ثابتة في سوريا والعراق، انضم تركي إلى صفوفها مع اثنين من أسرة البنعلي وذلك بحسب فيديو آخر عُرض على اليوتيوب وعلى حساب تركي على تويتر. وأخبرني جورجيو كافييرو، المؤسّس المشارك لشركة الخليج للتحليلات الدوليّة، أن مؤيدي داعش تباهوا بامتلاكهم حرية فريدة من نوعها في البحرين. وقال كافييرو إنّ "البحرين تتفرد بكون حكومتها تسترضي هؤلاء العناصر (السّنّة) في الوقت الذي اعتقدت فيه أن المعارضة الشيعية شكلت تهديدًا أكثر خطرًا على الملكية الحاكمة" وأن الحكومة "لا تريد اتخاذ تدابير من شأنها تعريض قاعدة الدعم الإسلامية السّنّية للخطر".

يدهشني تركي بالتحديد لأنه يبدو حالة نموذجية لدراسة السّنّة المتطرفين في البحرين. في حال لم يكن من عائلة مرموقة شكلت قاعدة دعم للحكومة، هل كان سيتم سجنه عند ترحيله وقبل انضمامه إلى داعش؟ هل كان سيُسمح له بالاستمرار كي يتمكن آل خليفة من لعب دور الوسطاء بين السّنّة المتشددين والأغلبية الشيعية؟

لا يمكن الإجابة عن أي من هذه الأسئلة الآن لأن تركي هو رادار وكالات الإستخبارات الغربية. هو واحد من أبرز الشيوخ في صفوف داعش و"عالم في الأسلحة" موكل بكتابة السيرة الذاتية لزعيم داعش، أبو بكر البغدادي. وخلال المباحثات بين عملاء مكتب التحقيق الفيدرالي وداعش بشأن إطلاق سراح عامل الإغاثة، بيتر كاسيج، لعب تركي دور المفاوض الرئيسي نيابة عن داعش.

برايان فيشمان، وهو زميل باحث حول مكافحة الإرهاب في مؤسسة أمريكا الجديدة، قال لي: "فكر بأشخاص مثل البنعلي كمقدمين ذوي تأثير في برنامج حواري موالٍ". وأضاف أن "داعش تقدّر الأشخاص مثل تركي البنعلي لأنها تحتاج إليهم لتعبئة المجتمع (الإسلامي) الأوسع نطاقًا".

عندما فكرت أكثر بالبحث الذي أجريته قبل رحلتي عن داعش في البحرين، أدركت أنه على الرغم من عدم لقائي بأشخاص مثل البنعلي وعلى الرغم من أنني لم أخرج من المطار، إلا أنني التقيت فعلًا بجماعة من البحرينيين المتطرفين الذين يشكلون أهدافًا موظفة محتملة وواعدة لداعش.

لقد كانوا الرجال الذين يشعرون بالملل ويقومون بحراستي في المطار، ويلعبون دور الغاضبين عند الساعة الرابعة فجرًا، وينتظرون الأوامر بشأن مصيري.

ولأن غالبية الشيعية البحرينيين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية ويحرمون من بعض الوظائف المعيّنة، تتألف الشرطة والجيش في البحرين بغالبيتها من أجانب؛ أردنيين وباكستانيين وسوريين. وبعد حوادث عنف مشهورة مثل الحادثة الأخيرة لمقتل الضابط السني، بدأت الأقلّيّة السّنّيّة تتجنب تولّي مناصب في الجيش أو الشّرطة.

ووفقًا لجستين غينغلر، وهو باحث كبير في جامعة قطر، فإن الجيش والشرطة معرضان على نحو كبير لخطر التطرف، لكون موظفي الأمن الأجانب يفتقدون إلى الولاء الحقيقي لحكومة آل خليفة الحاكمة أو للبحرين نفسها. وقال غينغلر إنهم مُنِحوا الجنسية البحرينية مقابل خدماتهم.

وفي نهاية المطاف، هم فقط مرتزقة.

وفي فيديو كان قد نُشر على يوتيوب وحُذف منذ ذلك الوقت، يظهر عنصر سابق من الجيش وهو يشجع زملاء آخرين له على الانضمام إلى داعش. وكان هذا الشخص الملازم أول محمد عيسى البنعلي، ابن عم تركي البنعلي.

وكتبت آلاء الشهابي، في صحيفة الفورين بوليسي، أنه "بعيدًا عن مطالبتهم المتوقعة بالانضمام إلى جهادهم، فإن الهدف الأساسي من هذا الفيلم هو تشجيع الأفراد العاملين في قوات الأمن في وطنهم على الانضمام إلى داعش". لهذا الأمر أهمية كبيرة، إذ يعني أنه في حين يشن الجيش البحريني هجمات جوية ضد الدولة الإسلامية، يساهم بعض عناصره في وصول داعش إلى القوة.

اللون الطبيعي لريف إسبانيا أحمر، أنا مقتنع بذلك. فبعد ليلة غير متوقعة في إسطنبول وبعض الليالي في مدريد، توجهت مع بعض الأصدقاء إلى جنوب إسبانيا.

خلال النهار، قد يبدو المنظر الطبيعي أخضر أو برتقاليًا حتى، ولكن عندما تبدأ الشمس بالمغيب وتتلاشى من المشهد الإسباني، تمتزج السماء مع التلال لتشكّلا محيطًا أحمر لا يمكن تمييز تفاصيله. عندما نظرت من النافذة، بدا لي كأنني أرى دون كيشوت مع درعه يلمع بعيدًا باحثًا عن الطاحونة التالية ليقاتل قبل أن يحل سواد الليل.

وفي الطريق، فكّرت في سمعة دون كيشوت بسبب سذاجته المجنونة التي اكتسبها بالتفكير بأنه يمكن له أن يصبح فارسًا. هل كنت أقوم بالمثل في البحث عن حقيقة لن أستطيع أن أجدها أبدًا؟ في عمر الثالثة والعشرين، تم طردي من بلدي الأول. وهذا يتجاوز مما خططت له.

عدت إلى العاصمة واشنطن وكانت ذكرى دون كيشوت ما تزال في ذهني. تناولت الغداء مع زميلة لي وسألتني حول ما أخطط أن أفعل بجميع القصص التي ما زلت أريد روايتها عن البحرين.
وبما أنه لم يُسمح لي بالدخول إلى البحرين، توقفت بعض مصادري عن الإجابة على رسائلي. وبالتالي بدأت الأدلة التي ناضلت من أجل كشفها تتلاشى.

أجبتها قائلًا : "لا أعرف بعد. سأرى فقط ما الذي سيحصل لاحقًا".

24 فبراير/ شباط 2015
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus