نهاد الشيراوي: طبيبة الجرح الطائفي

أنور الرشيد - 2011-11-13 - 1:52 م


في خضم الصراع الحالي بين الدكتاتورية و الحرية الذي تستخدم به كل الأسلحة بمختلف تصنيفاتها وأنواعها، من الطبيعي أن يسقط ضحايا، فإذا كانت هذه الحقيقة هي من البديهيات والمسلمات التي نلمسها على أرض الواقع العربي اليوم، فأنه يمكننا أن نقول إن الوضع البحريني خير مثال على ذلك وأن كان المثال الليبي واليمني والسوري أكثر دموية ووحشية، فإن الوضع في البحرين يمثل نموذجا لهذا الصراع الذي طال في الحقيقة وأصبح له تكلفة سياسية ومادية وإنسانية كبيرة، ليس منذ بدأ انتفاضة الرابع عشر من فبراير وليس منذ اليوم الأول الذي نكثت به الأسرة الحاكمة وعدها للشعب البحريني وانقلبت على الدستور في عام 1975 العام الذي تفجر به الخلاف بشكل غير مسبوق، وإنما هو صراع مستمر منذ عقود طويلة بين الجانبين، وهناك العديد من المحطات التاريخية التي مرت بها البحرين تستحق الإشارة لها في ظل هذا الصراع، أنا أكتب ذلك للتاريخ وللدكتورة نهاد الشيراوي التي تناقلت الأنباء بأنها حاولت الانتحار لكي تتخلص من الظلم والضيم الذي عاشته طوال الفترة الماضية منذ تفجر ثورة الرابع عشر من فبراير.
 الدكتورة نهاد سنية المذهب أب عن جد، وهي ليست السنية الوحيدة التي تتعرض لهذا الضيم فقد سبقها الكثير من شرفاء البحرين من الطائفة السنية مثل أحمد الشملان شفاه الله، ومحمد البوفلاسة الذي سجن لا لشيء إلا لأنه ألقى كلمة، وإبراهيم شريف الذي لا زال بالسجن يدفع فاتورة نضاله ومواقفه المشرفة وغيرهم الكثير من أبناء الطائفة الشيعية الذين دفعوا ولا زالوا يدفعون ثمن مواقفهم البطولية والمبدئية، فالصراع بمجمله وأصله هو صراع سياسي والصراع السياسي لا يفرق بين أسود وأبيض أو بين طويل وقصير أو بين مسلم ويهودي أو بين سني وشيعي، فهذه سلطة الممسك بتلابيبها الأسرة المالكة ولا تريد أن تتنازل قيد أنمله عنها حتى وإن كانت تنازلات تجميلية هذا هو لب الصراع.
 الجميل يا دكتورة نهاد، في هذا الخضم أن مواقفك المبدئية هذه رغم ضررها البالغ عليك وعلى عائلتك إلا أنها تمثل الوجه الحقيقي للصرع الذي يحاول أعداء الحرية والديمقراطية أن يرسخوه بأذهان الجميع بأنه صراع طائفي وليس سياسيا. بموقفك البطولي هذا كشفت عورة دعاة الطائفية وأكدت أن أهل البحرين ليسوا طائفيين، وأنهم لا يطالبون بولاية الفقيه ويتلقون تعليماتهم من إيران، تلك الشماعة التي اهترأت من كثر استخدامها وترديدها، فكل هذه الأكاذيب عريتِها وكشفتيهم أمام العالم وأمام كل منصف يبحث عن حقيقة الصراع في البحرين.
 اليوم، يادكتورة نهاد، قد لا تدركين مدى تفاعل الشعب البحريني مع ما تتعرضين له وما تعرضت له بالسابق وأتحدى أطول شارب في السلطة وأبواقها لو ينازلك في مواجهة انتخابية أو استفتائية محايدة، بكل تأكيد ستفوزين عليهم باكتساح شامل، لسبب بسيط جدا، وهو أنك مثلت بموقفك أهل البحرين الشرفاء، مثلت الضمير البحريني الصادق.
 اليوم، يا دكتورة نهاد، أنت أصبحت أيقونه لأهل البحرين وأصبح اسمك يرتجف منه الطغاة والمتسلطين، لا لقوتك البدنية ولكن لقوة إرادتك الحديدية التي ترعبهم وتغض عليهم مضاجعهم، فهم الذين يرتجفون منك، لا أنت، فصاحب الحق والحقيقة مهما قست عليه الظروف هو الذي سيكسب بالنهاية طال الزمن أو قصر، اليوم يا دكتورة نهاد، وأنا أحد المراقبين الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة في مملكتكم الجميلة التي حرموني من دخولها، أقول لك إن الحرية قادمة لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى، وسيدفع المتخاذلون وطبيلة النظام الثمن غاليا وسيلعنهم التاريخ، فحركة التاريخ يمكن أن تقف عند محطة تاريخية بعض الوقت، لكنهما لا يمكن أن تقف طول الوقت، الغباء المسيطر والمعشعش في عقولهم يعميهم عن قراءة التاريخ ومستجدات العصر، فخلال عقد يا سيدتي، سقط أكبر أربعة طغاة في التاريخ الحديث وفي مقدمتهم صدام ولحقه بن علي وحسني والقذافي وبغض النظر عن الطريقة التي تم بها سقوطهم إلا أنه مؤشر يتعاظم مع كل إشراقة شمس ويعطينا أملا جديدا لمستقبل نشتم منه رائحة الحرية.
 يمكنني أن اقول إن التاريخ تحرك مع سقوط صدام وقال لهم تغيروا أو سنغيركم إلا أنهم أبوا واستكبروا وتم تغييرهم بقوة الإرادة وهناك طغاة في طريق التغيير مثل علي عبدالله صالح والأسد، وأؤكد لك وللشعب البحريني ولكافة شعوب المنطقة إن التغير قادم، مهما كانت مقاومتهم له ومهما حاولوا أن يضعوا العراقيل أمام حركته، وأنا هنا لا أدعي قراءة الطالع أو أنجم ولكن ثمة مؤشرات تلوح بأفق الخليج.
 أول هذه المؤشرات مؤشر الرغبة الدولية أو البوصلة الدولية المتجهة نحو دمقرطة المجتمعات، وثانيها ارتفاع مؤشرات الفساد بأنظمة المنطقة وهنا بيت القصيد الذي يجب علينا أن نراقبه جيدا، فمؤشر ارتفاع وتيرة الفساد يعني أن الأمور غير مستقرة وأن التغيير سيطال الجميع وقد تكون الفرصة الأخيرة لأخذ ما يمكن أخذه من أموال، ثالثاً علينا أن نتابع حجم التدخل بتلك المجتمعات التي تحررت من قبضة الطغاة فليس من المستحيل أن تتدخل الأنظمة الباقية اليوم وتعمل على عدم استقرارها لتطيل أمد الصراع بتلك المجتمعات وأوضح مثال على ذلك ما يحصل في اليمن، المجتمع الدولي بالنسبة له منطقتنا رغم أهميتها الاستراتيجية له فهي بآخر أولوياته في هذه اللحظة التاريخية، فهناك قضايا أهم يريد ترتيبها قبل أن يلتفت لنا، لذا كلما استقرت تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا سيكون التغير في منطقتنا تحصيل حاصل.
 سيتفرغ المجتمع الدولي والساحة الدولية للطغاة الصغار، ولم يتبق منها إلا القلة القليلة، وستتغير بمجرد طلب أو كما قلت بالسابق في إحدى المقالات سيغيرونهم بالفاكس، وأؤكد لك ذلك فالعملية هي عملية وقت فقط لاغير وسيثبت المستقبل القريب صحة هذا الرأي وأرجو أن تحتفظي به وتتذكريه عندما تحين ساعة التاريخ، لذا يا دكتورة نهاد، لا نريدك أن تغاردينا في هذا الوقت الذي نحتاج به لكل شريف ومخلص وصادق ونبيل، ونريد أن نحتفل معك ومع كل المخلصين والشرفاء والمناضلين الذين قدموا أرواحهم وأنفسهم فداء لهذا اليوم الذي لن يكون ببعيد، فابشري بالفرج القادم وستنالون حريتكم.


*الأمين العام للمنتدى الخليجي لمؤسسات المجتمع المدني.
**ينشر في مرآة البحرين بالتزامن مع موقع منتدى حوار الخليج.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus