مارك أوين جونز: السرّية، البدلات الصفراء، ووزارة الخارجية المتعالية

2015-03-27 - 8:56 م

مدونة مارك أوين جونز

ترجمة: مرآة البحرين

أقتبس هذا المقطع من موقع بحرين ووتش الإلكتروني:

"تنظر محكمة حقوق المعلومات في لندن، يوم الثلاثاء في 10 مارس/آذار 2015، في احتمال إلزام وزارة الخارجية البريطانية بالكشف عن مراسلات سرية بين مسؤولين في وزارة الخارجية يناهز عمرها الأربعين عامًا. في يونيو/حزيران عام 2013، كان مارك أوين جونز، طالب شهادة الدكتوراه في جامعة درهام والعضو في منظمة بحرين ووتش غير الحكومية، قد قدّم طلبًا بموجب قانون حرية المعلومات إلى وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث، مطالبًا برفع السرية عن ملف بعنوان: "البحرين: الوضع السياسي الداخلي في العام 1977". رفضت وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث الكشف عن كامل الملف مدّعيةً أنّ الكشف عن هذه المعلومات قد يضر بعلاقاتها الدولية. فتقدّم جونز بشكوى إلى مفوّض المعلومات، الذي رفض شكواه على خلفية الضرر الذي قد يلحق بعلاقات المملكة المتحدة مع البحرين في حال تمّ كشفه للعلن".

حكم إيجابي: لسنا متفائلين بالفوز. في الواقع، نعي حقيقة أنّ المحاكم تنحاز إلى الحكومة في أغلب الأحيان. ولكن عندما صدر الحكم، قال القاضي إنّه سيتم إرجاؤه لموعد لاحق. وهذا، في الأساس، عنى هذا أنّهم لم يتمكّنوا من التوصّل إلى قرار في ذلك اليوم. وبالنسبة إلينا، كان هذا الأمر جيدًا وسلّط الضوء على أنّ قضية وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث لم تكن قضية لا لبس فيها، وأنّ الإعلان عن المعلومات التي يخفونها،  قد يخدم في الواقع، المصلحة العامّة. وبعبارةٍ أخرى، هذه المعلومات ليست تافهة.

محاكمة غير مألوفة: لم تبدأ المحاكمة كما المتوقّع. على الرغم من أنّنا توقّعنا أن نعرض أدلتنا أوّلًا فإنّ وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث ألحّت كثيرًا على أن يبدأ إدوارد أوكدن، وهو ديبلوماسي كبير وشاهد، بعرض الأدلة. وذلك لأنّ لديه مواعيد في المساء. وبالطّبع، كنت قد ألغيت كل مواعيدي لأنّه قيل لنا أنّ المحاكمة قد تستغرق النهار كلّه-إنّه تصرّف متزّن وعقلاني. كان عرض أوكدن للأدلة مقتضبًا، وفي معظم الوقت كان يتهرب من الأسئلة بالقول إنّه: "سيتطرّق للأمر خلال الجلسة السرّية في المحاكمة". (ربما يجب أن أضيف أنّ القضاة ومسؤولي وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث عقدوا جلسة خاصّة يمكن الكشف فيها عن  المعلومات المحذوفة- وبالطبع لسنا، ولا الرّأي العام، مخوّلين لحضور الجلسة). وبعد الجلسة السرّية، أوضحت وزارة الخارجية ومحاميها أمرًا واحدًا وهو أنّه أيًّا كانت المعلومات التي تحوي عليها الوثيقة، فإنها  لا تتطرّق لمخاوفي العامّة والمحدّدة حول تورّط بريطانيا في انتهاكات متعلّقة بحقوق الإنسان في البحرين، ولا تسلّط الضوء على نشاط هندرسون في كينيا. غير أنّهم أكّدوا أيضًا أنّ الكشف عن المعلومات سيضر "قطعًا" بالعلاقة بين بريطانيا والبحرين.

وحينما حان دورنا لتقديم الأدلة، كان تركيزنا بشكل أساسي على أنّه لماذا لا يتم الكشف عن المعلومات. أي أنّنا في الأصل نعلم الكثير عن الفظائع التي ارتكبها البريطانيون وآل خليفة ولن تضيف هذه المعلومات الكثير. وحرصنا على التأكيد على أنّ رئيس الوزراء الحالي والملك كانا متورّطين في نشاطات مخالفة للقانون خلال العام 1977، بما في ذلك ترحيل الشيعة إلى إيران. وكما قال رودني تروتر يومًا، لا بد من أن "تتورّط بالتحرّش بالدجاج كي تتمكّن من تلطيخ سمعة هذه العائلة". وشدّدنا على أنّ "التورّط" مصطلح عام، وقد يمتد إلى نطاق  واسع من الأمور (وزارة الخارجية لم تحدّد ما كان المقصود). وسلطنا الضوء أيضًا على أن احتجاج وزارة الخارجية بأنّ الملف الذي لا يحوي على معلومات عن التورّط البريطاني لا يتطرق لآل خليفة أو لدور قوى الأمن في انتهاكات حقوق الإنسان. ومهما كان الأمر، نظرًا لانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في البحرين، وواقع كون 17 ضابط بريطاني عملوا في جهاز الشرطة البحريني آنذاك، وأنّ رجالًا بريطانيين كانوا يديرون كلًا من دائرة الاستخبارات والدائرة العامّة في جهاز الشرطة، حاججنا بأنّ أي معلومات عن وضع قوى الأمن تأتي لصالح الرأي العام، إذ كانت أجهزة الأمن، على الدوام تقريبًا، متورّطة في انتهاكات حقوق الإنسان.

وكان تقييم محامي وزارة الخارجية لأدلّتنا خاويًا بعض الشيء على ما يبدو. إذ تركّز على عدد من الحجج السطحية. وأبرزها تقول إنّني لست في مركز يخولني التعليق على كيفية إضرار أي كشف عن المعلومات بالعلاقات بين البحرين وبريطانيا إذ إنني لست ديبلوماسيًّا ولم أكن كذلك قط. ولكننّي بالطبع ذكّرتهم أنّني أمضيت جزءًا كبيرًا من السنوات القليلة الماضية في دراسة البرقيات الدبلوماسية. وشدّد فريقنا القانوني أيضًا على أن المعيار الذي يستدعي عنده الحصول على المعلومات ردًّا دبلوماسيًّا، متدنٍ إلى درجة أنّه يجعل العملية غير منصفة على نحو ما. فعلى سبيل المثال، إذا أجبر الكشف عن المعلومات البريطانيين على تبرير سبب فعلهم لذلك للبحرينيين- فهذا يتطلّب ردًا دبلوماسيًّا. وعلى نحو أكثر أهمية، اعترفت وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث بأنّ الكشف عن المعلومات لن يضر بصفقة القاعدة الجديدة. ومهما كان الذي حدث، زاد تردد الوزارة بكل بساطة من التشوّق لمعرفة ما قد تحويه هذه المعلومات المحجوبة.

ماذا يمكن أن تحوي المعلومات؟

على الرغم من احتجاجات محامي وزارة الخارجية بأنّي كنت أخمّن محتوى البرقية، ذكّرته بأنّ تخميني كان مدروسًا على الأقل. وذكّرته أيضًا أنّهم كانوا يرفضون إعطائنا أي إشارة حول فحوى الوثائق، وهو أمر كان كان يُفترض بهم القيام به. ولكن، أعتقد أنّ أكبر دليل على ما قد تحويه المعلومات أشارت إليه إحدى القاضيات. إذ سُئلتُ عن الوقت الذي تمّ فيه نشر المقطع التالي للعلن:

"سلمان بن حمد يتمتّع بأسوأ صفات أسرة آل خليفة. فهو غير مثقّف، ومتكبّر، وبليد ويميل إلى ظلم كل من لا يملك قدرة على المقاومة واضطهاده. وهو غير مؤهّل أبدًا لأن يخلف والده في الحكم".

لعلّ التعليق الذي أبداه مسؤولٌ بريطاني في العام 1923 نشر لأنّ سلمان بن حمد توفي. ولكن لم قد تكون القاضية مهتمّة كثيرة بمعرفة الوقت الذي نُشِر فيه هذا التعليق، لا سيّما أنّها اطلعت على الوثيقة المُسرّية خلال الجلسة الخاصّة؟ أكثر تفسير منطقي يقول إنّها قد تحوي معلومات تمس بأحد أفراد الأسرة الحاكمة الذي ما يزال حيًّا. وما يؤكّد هذه النظرية هو المعلومات التي يمكن قراءتها في هذه الوثيقة المنقّحة إلى حد كبير. لا سيّما في المقطع التالي:

"ما فاجأني في حديثنا هو الرؤية المتشائمة التي اتّخذها حول قدرة آل خليفة على البقاء. [محذوف]. كانوا يتجهون نحو نطاقات مربحة في التجارة، ويبتزون التجار المعروفين".

وفي حال كانت هذه هي القضية، لقالت وزارة الخارجية، بالتأكيد، إنّ المعلومات المحذوفة تحوي معلومات تطال أفرادًا محدّدين؟ غير أنّهم لم يكشفوا عن أي شيء على الإطلاق. وبدلًا من ذلك، سألني محامي الوزارة عما إذا كان من المصلحة العامّة كشف معلومات، مثلًا، تقول إنّ عناصر الشرطة كانوا يرتدون "زيًّا أصفر". ومن الواضح أنّ هذا الأمر سخيف، إذ من غير الممكن أن يكونوا حريصين جدًا على إخفاء المعلومات تتعلق بزيّهم الأصفر...

ملاحظة أخيرة...

إذا وُجِد خطأ في التسمية، فهو في تسمية "قانون حرية المعلومات". وإنّ سبب قولي هذا هو أنّه إذا أردت الحصول على أي معلومات قد تحمل أهمية للرأي العام، سيكلّفك الأمر كثيرًا- من حيث المال والوقت. ما حدث يوم الثلاثاء كان حصيلة أشهرٍ من العمل، وتكلفة قانونية ضخمة. هذه السيطرة البيروقراطية هي في الأساس عملية استنزاف، ومجموعة من العقبات المصمّمة لثني الناس عن الولوج إلى معلومات الحكومة المتباينة. وبالفعل، لقد رفضت وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث على الأقل ثلثي طلبات المعلومات التي أرسلتها إليها، وأوّلها معلومات تعود إلى العام 1956 (عند استخدام القوّات البريطانية للمساعدة على قمع انتقاضة شعبية في البحرين).

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus