موقع لوبلوغ: تراجع سياسي في الخليج

2015-03-30 - 5:37 م

هنري جونسون، موقع لوبلوغ

ترجمة: مرآة البحرين

في حال كانت الولايات المتّحدة الأمريكية تسعى إلى استقرار طويل الأمد في الشرق الأوسط، عليها المباشرة بتمكين الأصوات المعارضة في دول الخليج. يؤكّد تقرير أصدره معهد "تشاتام هاوس" وتمّ عرضه  الأسبوع الفائت في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي على ضرورة إصلاحٍ مماثل. ويصف التقرير المساومة الحالية بين الدول والشعوب في الخليج بغير القابلة للاستمرار على المدى الطويل، في الوقت الذي يصبح فيه المواطنون مهتمين أكثر بحقّهم في المشاركة المدنية، من خلال إما الانتخابات وإما حرية التعبير.

ومن سوء حظ المجتمع المدني في الخليج أنّ الدول استخدمت بشكل متزايد التكتيكات المستبدة لقمع السياسات المعارضة. والأسوأ من ذلك أنهم يبدون متحدين في معارضتهم للتقدّم السياسي. ويشكل غزو قوّة مشتركة للبحرين بهدف قمع الحركة الاحتجاجية السلمية، إلى حدٍّ كبير، أبرز مثال على ذلك. ففي العام 2011، أرسلت السعودية والإمارات العربية المتّحدة كتيبة مؤلّفة من 2000 جندي ومدرّعات ثقيلة إلى المملكة، لإجبار الغالبية الشيعية، المحرومة من الحقوق في البلاد، على الاستسلام. ولم يُثر هذا التصرّف السعودي المستبد إلّا بعض النقد المتواضع من جانب الولايات المتّحدة، في حين  أوصلت خطوات روسيا المماثلة الكونغرس إلى شفير الحرب.

في سائر أنحاء الخليج، ردت الحكومات  باستخدام القوة على الامتعاض الشعبي الذي عُبّر عنه بالتظاهرات الحاشدة أو الإفصاح عن الشكاوى على الإنترنت. وسيفشل هذا الرّد، وفقًا للكتّاب، في تقديم حل على المدى الطويل. على مدى نصف القرن الماضي، وفّر قادة الخليج رخاءً اقتصاديًا مقابل القبول بالحكم الملكي، وتقييد حرية التعبير، والحقوق الانتخابية ذات الجدوى. ويحاجج التقرير بأنّ هذه الصفقة السياسية غير قابلة للاستمرار على المدى الطويل وأنّ ردود الفعل على المعارضة السياسية ساهمت في توسيع الفجوة بين مطالب الشعب والحقوق التي ستكون الحكومة مستعدة لتقديمها.

لا تساهل مع الانتقادات

منذ العام 2011، وزعت حكومات الخليج المزيد من هبات عائداتها النفطية على مواطنيها. وفي الوقت نفسه، رسّخت سلطتها من خلال زّج الناشطين في السجون وتقليص المجال الذي يسمح بالجدال النقدي. وقد وصف أحد أعضاء الفريق، وهي كريستين سميث ديوان، الاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها هذه الدول بشكل جماعي بهدف ترسيخ سياساتها القمعية في إجراءات قانونية جديدة ضد الإرهاب. إذ قالت: "يمكننا رؤية ذلك من خلال  القانون المعدل للإرهاب في البحرين. ومن خلال القانون الجديد المعتمد للإرهاب في السعودية والإمارات العربية المتّحدة". إذ لجأت الحكومات إلى الإعلان عن مخاوف شاملة تتعلق بالأمن القومي عندما كانت تحطم حياة أكثر معارضيها حماسةً إن لم تقضِ عليها. وهذه الاستراتيجية ترتكز على الإرهاق إذ أنها مصممة، وفقًا لديوان،"لإبقاء الناشطين السياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان وراء القضبان أو معلّقين في المحاكم". وقد ذهبت الحكومات بعيدًا جدًا إلى حد إسقاط جنسية الناشطين السلميين.

وأشارت إلى أنّ الاتّجاه السائد نحو الحكم العسكري أتى، في وقتٍ تعتمد فيه الحكومات الخليجية سياسات خارجية أكثر حزمًا. فالتكتيكات المُستَخدَمة لإعاقة التغيير السياسي الداخلي نفسها "يتم تطبيقها في ما يخص أي تعليق على السياسة الخارجية أو انتقاد لها، إذ أعلن أمير الكويت نفسه عن عدم وجود أي تساهل بخصوص أي شكل من أشكال النقد للحكومات الخليجية الصديقة والحلفاء". وكدليل على ذلك، استشهدت سميث ديوان بنسخ مسرّبة عن اتّفاقية أمنية في العام 2012 في مجلس التعاون الخليجي، يُزعَم  أنّها تسمح بتسليم المواطنين المطلوبين لدول خليجية صديقة، بالإضافة إلى "وحدة شرطة جديدة لمجلس التعاون الخليجي والمزيد من التعاون في مجال تعقّب الناشطين ومنعهم من حرية السفر".

قد تكون عواقب اتباع هذه الاتّجاهات وخيمة. وقد لخّص جميل دي دومينيسيس المخاطر الجدية لمقاومة التغيير المؤثّر، إذ قال إنه "بطريقةٍ ما، يعزّز هذا الأمر العلاقة الحالية القائمة بين الدول والمواطنين في الخليج، في وقت يسعى فيه الكثير من الناس في الخليج إلى إعادة تحديد العلاقة. لذا قد يسبب هذا الكثير من الاحتكاك". ويعرض التقرير أنّ السياسات هذه لا تتطابق مع الوعي السياسي الذي تغيّر جذريًا في الخليج. وقد استنتج المؤلفون هذا الأمر من أحداث كالربيع العربي، وظهور تكنولوجيا مشاركة المعلومات، واتصالات شخصية مع أفراد في الخليج. ومع ذلك، من الممكن أن لا يمثل أولئك الذين يعبّرون عن آرائهم-ويعانون بسبب ذلك، غالبية صامتة بل بدلًا من ذلك، أقلية صاخبة.

مصالح الولايات المتّحدة

لم يكن للولايات المتّحدة اهتمام يُذكر في رؤية حلفائها الخليجيين يعتمدون أنظمة سياسية أكثر انفتاحًا وإحاطةً ويروجون للقيم الغربية. وباتّباعها هذا المنحى، من الممكن أن تحد دول الخليج، افتراضيًا، من عدد الشباب الساخطين الذين يتّجهون إلى سورية. ولكن قد يرى الحكام الخليجيون أنّ هؤلاء المتطرفين يمثلون ثمنًا ينبغي دفعه من أجل إحكام قبضتهم على السلطة. ففي نهاية المطاف، ستحمل الولايات المتّحدة وإيران العبء الأولي لمواجهة المتطرفين من أصل خليجي في المستقبل المنظور. وتميل دول الخليج أيضًا إلى السماح بحدوث الاضطرابات في الدول المجاورة. ولا يبرر تفاقم الاضطراب فقط قوانينها القمعية المتعلّقة بالإرهاب بل يصقل أيضًا دورها كجهة موفّرة للأمن.

وقد فنّد أعضاء اللجنة هذه الحجّة المضادّة بإشارتهم إلى أنّ دول الخليج لا تستطيع تحقيق أهدافها الاقتصادية في الوقت الذي تحد فيه من الحقوق السياسية. وقالت جاين كينينمونت، وهي من كبار الباحثين في مؤسسة "تشاتام هاوس"، أنّ دول الخليج مدركة بشكل كبير لـ"ضرورة جعل اقتصادها يتخطّى النفط"، مضيفةً "أنّها جميعًا لديها رؤىً استراتيجية شاملة ومثيرة للإعجاب حول تعزيز اقتصادها ليصبح ما يسعى معظمها إلى تسميته بـ "اقتصاد المعرفة""، الذي يتطلّب "تقليص دور الدولة وجعل القطاع الخاص جهة العمل المُفَضّلة".

غير أنّ الربيع العربي عرقل التقدّم في هذا الاتّجاه. إذ قالت كينينمونت أنّ "ما شهدناه منذ الاضطراب في العام 2011 هو الرجوع إلى السياسات القصيرة الأمد". وأضافت أنه حصل "تركيز على الإنفاق المالي، والعلاوات، وخلق فرص عمل جديدة في القطاع العام،... وقد تمّ الإعلان عن 150 مليار دولار في الإنفاق العام الجديد في الخليج في العام 2011 وحده، أو ما يقارب الـ 12% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شهدنا كيف مهّد الملك السعودية الجديد طريق خلافته للعرش من خلال عرض منح جديدة ونفقات جديدة قُدّرَت قيمتها بحوالي 32 مليار دولار أمريكي".

ويشير تحليل كينينمونت إلى أنّ الحكومات يمكنها "شراء" الرضا بطريقة أو بأخرى، ولكن على حساب إرجاء التغييرات البنيوية كالخصخصة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ دول الخليج من خلال اختيارها التراجع عن الإصلاح الاقتصادي حتّى الآن، كشفت مكمن أولوياتها- وهو الحفاظ على السلطة. وقد تتمكّن هذه الدول أيضًا من إصلاح اقتصادها من دون التّنازل عن هيمنة الأسر الملكية السياسية. ويبرز نجاح الصين في الجمع بين التحوّل الاقتصادي والثبات السياسي خير مثال على ذلك. ولكن، في حال قيّم هؤلاء المحلّلون، بشكل صحيح، الجو السياسي السائد في شوارع الرياض والدوحة وغيرها، لانهارت الأسر الملكية، مسببة المزيد من الاضطراب في الشرق الأوسط.

هنري جونسون كاتب ومحلّل شؤون الشرق الأوسط مع التركيز على السياسة الخارجية الإيرانية.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus