الهافينغتون بوست: نبيل رجب: إلى سجن جو: جحيم البحرين

2015-04-01 - 4:05 م

نبيل رجب، صحيفة الهافنغتون بوست

ترجمة: مرآة البحرين

كلمة "جو" في اللغة العربية تعني الطقس. وفي البحرين هي اسمٌ لإحدى المناطق. أمّا إذا باللغة الإنكليزية، فتوحي الكلمة بصورة فم وحشٍ جائع، فاتحًا فكيه، مستقبلًا فريسته استقبالًا مروّعًا، وهي في رمقها الأخير. وكان الفنّ المسيحي في القرون الوسطى يتضمن غالبًا رسومات لوحشٍ فاتحًا فكّيه، مبتلعًا إنسانًا بتمامه وكماله. كان هذا الأمر بمثابة أبواب الجحيم.

وما تزال هذه الصورة مستمرة حتى يومنا هذا. إذ أطلق روبرت سارجنت على صورته الفوتوغرافية المشهورة، التي التقطها خلال الحرب بينما كان الجنود الأمريكيون يتقدّمون من سفنهم باتّجاه شواطئ النورماندي، عنوان: "إلى فكّي الموت".

فكّا الموت-أي أبواب الجحيم. إنّها صورة ملائمة لسجن جو. الطريق إلى سجن جو، الذي يقع على الساحل الشرقي للبحرين، موحش. إذ يمّر المرء في الصحراء من جانب بلدة صغيرة ومنتجع سياحي-في غير موضعه-ليصل إليه. الأشياء الوحيدة الموجودة مقابل سجن جو هي أكاديمية الشرطة وميناء جوّي عسكري. "جو" هو المكان الذي تشهد فيه الحضارة في البحرين نهايتها، حيث تموت كل القيم الحضارية، ويُحَطَّم الأشخاص المتحضّرون.

يواجه سجن جو أزمة. في 10 مارس/آذار، اندلع احتجاج في السجن. إذ تمّ إبلاغ أسرة أحد المعتقلين في المركز المخصص للزيارات أنّ ابنهم ممنوع من الزيارة. وقد حصل شجار مع شقيقة المعتقل، فقام رجل شرطة بضربها على ما يبدو. وتمّت إعادة المعتقلين المتواجدين في قاعة الزيارات إلى مبنى السجن المركزي، حيث ثارت موجة من الغضب.

بعض السجناء بدأوا ببناء سواتر داخل زنزاناتهم احتجاجًا. فقامت السلطات بإقفال المباني من الخارج انتقامًا واستدعاء الدعم. عجّ السجن بمئات العناصر من جهاز الشرطة. وأصبحت المباني 1، و3، و4، و6-يتألّف السجن من عشرة مباني-في حالة حصار. اقتحم رجال الشرطة الحواجز وأخرجوا السجناء مستخدمين الغاز المسيل للدموع. وقادوا المعتقلين إلى الباحات الخارجية، حيث تمّ ضرب وإهانة كلٍّ واحد منهم على يد عناصر الشرطة. وتناوب عناصر قوى الأمن على ترويع السجناء، وضرب كلّ من العناصر البحرينيين والأردنيين المعتقلين بالهراوات. وقد تم إطلاق رصاص الشوزن والقنابل الصوتية عليهم، وتصويبها على أجسادهم. وأجبر المعتقلون على مناداة رجال الشرطة بـ "سيدي"، وكلّما طلبوا الذهاب إلى المرحاض، تعرّضوا للضرب (وكانوا يُعطون 30 ثانية من الوقت ليقضوا حاجتهم)، وكانوا يتعرّضون للضرب بين كل وجبة طعام، ويُجبَرون على إهانة أهاليهم وإلّا سيتعرّضون للمزيد من الضرب.

ولم يسلم إلّا بعض السجناء من الإصابات بعد انتهاء الحصار. إذ تعرّضت أجسادهم لحروقٍ وأطرافهم للكسر من جرّاء الضرب المستمر، وتُرِكوا من دون أي رعاية طبّية. ومنذ هذا الاعتداء، تمّ تعليق كلّ الزيارات. وتدّعي الحكومة أنّ السبب وراء ذلك هو الأضرار التي حلّت بالمنشآت، ولكّن مركز الزيارات لم يتضرر نتيجة الاعتداء. على الأرجح، الهدف وراء ذلك هو منع المعتقلين من رواية قصصهم والكشف عن الإصابات التي تعرّضوا لها.

للمعتقلين حقوق ويجب أن تكون السجون مراكز لإعادة التأهيل. ولكن في البحرين، تتم معاقبة السجناء لكونهم سجناء، ويُعاقَبون بشكل جماعي. التعذيب جريمة ضد الإنسانية، غير أنّه سمّة تلازم سجن جو.

ليست هذه المرّة الأولى التي نشهد فيها اعتداءات مروّعة في سجن جو. إذ أنّ عدد المعتقلين في سجن جو يتخطّى بأشواط العدد المسموح به أي 1201 سجينًا، فيحوي أكثر من 2000 معتقلًا وفقًا لتقديرات مركز البحرين لحقوق الإنسان. ومعظم المعتقلين هم من المتظاهرين والناشطين، الذين سُجِنوا بسبب ممارستهم حقهم في حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات. ومع عدم وجود عدد كاف من الغرف، ولا الأسرّة، يفترش السجناء أيّ مكانٍ خالٍ على الأرض، وفي الأروقة، وعلى فرش متّسخة. وقد تمّ منعهم من استلام ألبسة وبطّانيات من عوائلهم. مبنى السجن موبوء بالصراصير؛ والمراحيض ملوّثة بالصدأ والعفن، ولا يوفّر المبنى مياهًا ساخنة أو تكييفًا ملائمًا. وكل هذا مقصود: ويهدف إلى كسر إرادة المعتقلين.

يعيش السجناء حالة دائمة من الاضطراب. إذ ما يزال أحد المعتقلين، علي الطويل، في الحبس الإفرادي منذ اعتقاله في العام 2012. علي، الذي يتعرّض للتعذيب وسوء المعاملة، محكوم عليه بالإعدام بتهمة قتل رجل شرطة، وهي تهمة أُجبِر على الاعتراف بها. منذ بضعة أسابيع فقط، سلّم رسالة انتحار لمحاميه، عقب قضائه عدة سنوات منع فيها من الاتصّال بالعالم الخارجي. ومن خلال رميه في هذه الهاوية ليتعفّن يحاولون تحطيمه.

وبدلًا من محاسبة مرتكبي أعمال التعذيب، تقوم البحرين بمحاولة إخفاء هذه الانتهاكات. وبدلًا من تحسين الأوضاع، سمحت السلطات، عمدًا، بتدهورها. وهي الآن أسوأ ممّا كانت عليه خلال حالة السلامة الوطنية في العام 2011. لم تتم محاسبة أحد، ولم تظهر أي بوادر على حصول ذلك. "ديوان المظالم" و"المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان"-هذه "الإصلاحات" الصغيرة التي تتحدّث عنها البحرين وحكومة المملكة المتّحدة الداعمة لها (التي أنفقت 1.5 مليون جنيه استرليني في سبيل "الإصلاح")، باعتبارها قصّة نجاحهم في البحرين.

ولكن هذه هي القصّة الحقيقية للبحرين: التعذيب والعقاب الجماعي عند أبواب الجحيم في سجن جو.

التاريخ: 27 مارس/آذار 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus