من أرشيف المكتبة البريطانية: "مصلحة" بريطانيا في البحرين

2015-04-03 - 5:21 م

أورسولا سيمز ويليامز، موقع المكتبة البريطانية

ترجمة: مرآة البحرين

في العام 1783، استولت أسرة آل خليفة-التي تعود أصولها إلى منطقة نجد المعروفة اليوم بالسعودية- على جزر البحرين التي كانت بقبضة الشيخ ناصر آل مذكور، الذي قد حكمها باسم سلالة القاجار الفارسية. وفي العام 1926، عقب أكثر من مائة وخمسين سنة، ظلّت سيادة البحرين قضية مثيرة للخلاف. وفي ديسمبر/كانون الأوّل من ذلك العام، كتب جيه. أر. وارنر، وهو ديبلوماسي بريطاني في لندن، إلى زميلٍ له في الهند، قائلًا إنّه: "لأغراضٍ سياسية، من المهم جدًا  تجنّب اتّخاذ أي خطوة قد تؤدي إثارة الجدال من جديد حول سيادة البحرين".

وعلى الرغم من أنّ البحرين كانت مستقلّة ظاهريًا آنذاك، إلا أنّها كانت محمية بريطانية وكانت بريطانيا تسيطر على علاقاتها الخارجية منذ القرن التاسع عشر. وما أثار قلق وارنر هو حقيقة رفض الحكومة الفارسية الاعتراف باستقلال البحرين وبدلًا من ذلك، ادعاؤها بأنّها محافظة تابعة لبلاد فارس. وإنّ طبيعة ردود المسؤولين البريطانيين في المنطقة على هذا التوتّر تسلّط الضوء على طابع الدور البريطاني في البحرين في ذلك الوقت.

تجنّب إثارة الجدال من جديد

وخلال فترة العشرينيات والثلاثينيات، تمّ التضييق على البحرينيّين المقيمين في مدينة المحمرة (خرمشهر‎) في بلاد فارس وترهيبهم على أيدي السلطات المحلّية. وقد أجبر الكثير من هؤلاء البحرينيين-كانت غالبيتهم من البحارنة (سكّان البحرين الشيعة العرب الأصليين)-على اتّخاذ الجنسية الفارسية. وفي حال عدم خضوعهم لذلك، كانوا يتعرّضون للاعتقال، والطرد من البلاد، ويواجهون في بعض الحالات، العنف الشديد وحتّى الموت. وردًا على ذلك، طلب المجتمع مساعدة حاكم البحرين، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ومختلف المسؤولين البريطانيين الذين كانوا يؤدّون دور الوكيل السياسي في البحرين خلال هذه الحقبة. فكان البريطانيّون-الذين أدركوا تفاقم التوترات مع الفرس بخصوص البحرين-متردّدين في الرد على أفعال الحكومة الفارسية.

"الحد من عدد البحارنة"

على الرغم من دعواتهم المستمرّة للمطالبة بالعون، ظلّ التضييق على البحرينيين قائمًا في بلاد فارس وأصبح عجز بريطانيا أوعدم استعدادها لتقديم المزيد من المساعدة الضرورية لمواطني بلدٍ تحت رعايتها المزعومة يثير الذعر بين البحارنة.

وفي العام 1923، دفعت بريطانيا حاكم البحرين، الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، إلى التنازل عن السلطة واستبدلته بابنه، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. وعلى إثر ذلك، أقرّ الوكيل السياسي في البحرين، كلايف كيركباتريك دالي مجموعة من الإصلاحات الواسعة النطاق في البلاد. وفي هذا السياق، أبدى سيريل تشارلز جونسون باريت، المقيم السياسي البريطاني في الخليج، ملاحظة صريحة في رسالة بعثها إلى المفوضية البريطانية في طهران في أغسطس/آب عام 1929:

"ما يثير دهشة سكّان البحرين أنّه في حين  تدفعها حماية بريطانيا لجزيرتها إلى القيام بخلع حاكمها، وإقرار سلسلة من الإصلاحات والعمل على تشييد موانئ بحرية وجوّية متنقّلة خاصّة بها، فإنها لا تعير أدنى اهتمامٍ للحد من عدد البحارنة في بلاد فارس".

خيال قانوني

في سبتمبر/أيلول من العام 1929، علّق تشارلز جوفري برايور، الوكيل السياسي البريطاني في البحرين، تعليقًا مطوّلًا على هذا التناقض. وفي رسالة صريحة غير اعتيادية إلى باريت، مسؤوله المقيم في بوشهر، وصف برايور فكرة استقلال البحرين بـ "الخيال القانوني" وقال إنّه لا يصدّق أنّ "أيًّا من العرب مخدوعون، ولو لدقيقة واحدة، بسياسة تتلاعب بموارد البحرين خدمةً لمصالحها الخاصّة في حين ترفض حماية رعاياها، وبذلك تسمح لهم بحماية أنفسهم أو التحالف مع دولٍ أخرى يمكنها أن توفّر ذلك لهم".

وألمح برايور إلى أنّه لو تدخّلت بريطانيا في أي ولاية هندية على مدى العقد الماضي بقدر تدخّلها في البحرين، لكانت سبّبت "عاصفة من الاحتجاج"، لافتًا أنه:

"لقد عزلنا الحاكم، وقضينا على علاقاته، وحدّدنا رسوم الجمارك لتتوافق مع مصالحنا، وأجبرنا الدولة، بخلاف رغبتها، على تخفيض هذه الرسوم لحليفنا بن سعود [...] وحرمنا الحاكم من السلطة القضائية على جميع الأجانب، وقرّرنا أيًا من الأوروبيين يمكنه توظيفه أم لا".

وتابع برايور التّصريح قائلًا: "لقد منعنا الدولة من حرّية التصرّف بثرواتها المعدنية، وقد قادتنا في هذا الموضوع مصالحنا الخاصة بالكامل تقريبًا" وأشار إلى أنّه تمّ منع حاكم البحرين من التواصل مع شركة النفط التي تعمل بإذن منه إلّا عبر وساطة الوكيل السياسي.

كما قدّم برايور اعترافًا مثيرًا للدهشة، إذ فضلًا عن مساهمات الحكومة البريطانية البسيطة للمؤسسات الخيرية، "ذات القيمة السياسية"، لم تتحمّل الحكومة أي نفقات في البحرين على الإطلاق.

واجب تأمين الحماية

وفي هذا التقييم الناقد للسياسة البريطانية في البحرين، أكّد برايور اعتقاده أنه يجب على بريطانيا القيام  بواجباتها من خلال بذل جهد أكبر لمساعدة البحارنة. وحاجج برايور أنّ البحرين لم تكن دولة مستقلة "بأي شكلٍ من الأشكال"، وأنّه لمصلحة سمعة بريطانيا "بعدلها في معاملاتها"، لا ينبغي أن تقصّر في مسؤولياتها تجاه سكّانها. وقد ردّد برايور هذا الاحتجاج في رسالة له بعد عامين في العام 1931.

وفي هذه الرسالة، عرض برايور مدى تورّط بريطانيا وأوضح كيفية تلاعبها بشركة للنفط لتناسب "مصالحها الاستعمارية". وحاجج أنّه "لكوننا تدخّلنا في شؤون البحرين إلى حد لا يجاري تدخّلنا في الهند البريطانية [فإنّه] يتوجب علينا منح هؤلاء الناس الدعم نفسه والحماية اللذين نؤمّنهما لسكّان الولايات الهندية البريطانية".

ولكن عقب ثلاث سنوات، لم يتوقّف التضييق على البحرينيين في فارس. ففي العام 1934، كتب تشارلز بلجريف، مستشار حكومة البحرين، أنّ "الفرس يتلفون أوراق الجنسية [البحرينية] خاصّتهم، ويجبرونهم على توقيع أوارق [الجنسية] الفارسية، غير أنّ البحارنة يفضّلون الموت على أن يصبحوا خاضعين للفرس".

سياق إمبريالي

يوضح صدق برايور اللافت عند تقييمه لنشاطات الحكومة البريطانية في البحرين بكل صراحة طبيعة دورها في البلاد. ووفقًا لبيانه، كان هذا الدور قائمًا على المنطق الإمبريالي و-بعبارته الخاصّة-على مصلحة بريطانية الذاتية. وعلى أحسن تقدير، كانت المصلحة العامّة لمواطني الدولة أمرًا ذات أهمية ثانوية.

وفي العام 1898، كتب جورج كورزون، الحاكم العام للهند البريطانية آنذاك، على نحو فاضح، هذا الكلام:

"تركستان، وأفغانستان، وترانسكاسبيا، وبلاد فارس- تمثّل هذه الأسماء بالنّسبة للكثيرين إحساسًا بالبعد المطلق أو ذكرى لتقلبات عجيبة و/أو لرومانسية محتضرة. ولكني أعترف، أنّها بالنسبة إلي، قطع على رقعة شطرنج يتم التلاعب بها في لعبة للسيطرة على العالم".

وبغض الطرف عن شكوك برايور الخاصّة، لم تكن البحرين استثناءً بالنسبة إلى نظرة كورزون الإمبريالية للعالم، فهي لم تكن إلّا قطعة أخرى على "رقعة الشطرنج"، أي وسيلة للحفاظ على موقع بريطانيا في الهند وتحقيق مصالحها في قيام إمبراطوريتها العالمية.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus