إميل نخلة: الحرب السعودية على اليمن وسط الاضطراب والحيرة

2015-04-05 - 6:20 م

إميل نخلة، موقع لوبلوغ

ترجمة: مرآة البحرين

ظهرت الكثير من الكتابات عن الأسباب وراء الغارات العسكرية السعودية على اليمن، وقد روّج الكثير من الكتّاب المؤيّدين للسعودية للائتلاف العربي الإسلامي المزعوم ضد الحوثيين في اليمن. أحاط غياب الوضوح، والكثير من الالتباس وشيءٌ من الغموض بإطلاق عملية عاصفة الحزم المزعومة. وللأسف، تشير التقارير الإعلامية إلى أنّ الولايات المتّحدة-لغاياتٍ مبهمة وملتبسة أيضًا-دعمت هذه الغارات من خلال تزويد السعوديين بمعلومات استخباراتية ومعلومات عن الأهداف.

لم يتم عرض الكثير من التحليلات المفصّلة حول التاريخ الحديث والسياق المحيط بالتباهي العسكري السعودي الحديث النشأة، والاستعراض السنّي للعضلات ضد اليمن المحاصرة. وفي حال لم تتم معالجة هذا الأمر بشكل منطقي واستراتيجي، ستتردّى حال اليمن إلى خرابٍ مطلق، ودمارٍ، وتقسيمٍ محتمل. وقد تُجرّ المنطقة إلى حروبٍ أكثر كارثية. وتوشك اليمن، على غرار العراق، وسورية، وليبيا، أن تصبح دولة فاشلة. وعلى الأرجح ستدفع العمليات العسكرية الشاملة التي تشنّها السعودية باليمن إلى الهاوية.

يمثّل الائتلاف الذي تقوده السعودية أنظمة عربية استبدادية وقمعية، لا المواطنين العرب أو الشعوب العربية. وأصبحت جميع دعوات حركة "الربيع العربي" التي أطلقت منذ أربع سنوات مطالبةً بالعدالة، والكرامة، والحرية، والإصلاح طي النسيان. شاركت الأنظمة السنّية الاستبدادية التي تشكّل معظم حلفاء الائتلاف السعودي في هذه الحرب بحجّة التهديد المشبوه للشيعة وإيران، تحت راية الطائفية. وبالطبع، غايتها الحقيقية هي إحكام قبضتها على السلطة، والحفاظ على الحكم القبلي والعائلي المستبد، وكبح أماني الشعوب بتحقيق الديمقراطية. وهذه من أهم أسباب دعم الرئيس المصري للمغامرة العسكرية السعودية في اليمن.

"عملية عاصفة الحزم" لن تعيد الاستقرار أو النظام لليمن. ولن يداوي "ائتلاف المستبدّين الملبّين" الانقسامات في العالم العربي السنّي، أو يقضي على الشيعة، أو يتغلّب على إيران. يضمحل الحسّ بالعظمة الدينية-القومية الذي تتنعّم به السعودية وبعض شركائها السنّة في الخليج في حين تنشر طائراتها المتطوّرة التي تزوّدها بها الولايات المتّحدة الأمريكية. ومهما كانت الغارات مدمّرة، فلن تمحو الاضطراب الذي يجتاح العالم العربي أو الارتباك الذي تحدثه الاصطفافات العسكرية-الإقليمية والدولية- الجديدة.

وبغض النظر عن آثار المعركة ضد الحوثيين، لن تبرز السعودية على الأرجح كقوة تحقّق الاستقرار في المنطقة. إذ ستسفر رؤيتها بقيام نظام سنّي تقوده، يهين المواطنين الشيعة في السعودية والبحرين، وغيرهما، ويرفض الدور الشّرعي لإيران كشريك إقليمي عن صراعٍ واضطرابٍ مستمر. ولن يعزز تدمير اليمن أمن الأسرة السعودية الحاكمة أو الشعب السعودي.

تدّعي السعودية أنّ التّهديد القادم من إيران ووكلائها الحوثيين أثار الحملة الجوّية ضد اليمن. وهذا التهديد، في الواقع، مفبرك. فالتهديد الحقيقي يكمن بشكل أساسي في وجود تنظيم القاعدة وفرعها في شبه الجزيرة العربية على الحدود الجنوبية للمملكة وتنظيم داعش في العراق وسورية. إذ تتبنّى هاتان الجماعتان أيديولوجيا سنّية ذات جذور دينية متأصّلة في السعودية. وعلى أحسن تقدير، يعتبر النظام العلوي للأسد شبه شيعي وكذلك ثورة الحوثيين الزيديين، وهما يختلفان كثيرًا عن المذهب الإثني عشري للشيعة في إيران.

لمحة تاريخية

عندما حاربت السعودية التدخّل العسكري المصري في اليمن في الستينيات، ساندت الملكيين، الذين كانوا كالحوثيين اليوم، زيديين. وقد هاجم السعوديّون آنذاك القومية العربية ولكن لم يذكروا أي تهديد شيعي. ولم يحد الاتّفاق السعودي-الأمريكي في أعقاب الربيع العربي، والذي شمل عودة الدكتاتور السابق صالح واعتلاء هادي سدّة الرئاسة، من التهديد الشيعي. وقد اعتُبرت الحركة الانفصالية في الجنوب والثورة الحوثية في الشمال بمثابة تهديد خطير لسلامة الأراضي اليمنية. وكذلك، لم يكن الشيعة أو الإيرانيون من قوّضوا سيادة القانون أو ساهموا في عجز الحكومة المركزية على بسط سلطتها وشرعيتها خارج حدود العاصمة صنعاء. بل أدّى عدم كفاءة الحكومة وضعفها وفسادها إلى فقدانها الشرعية.

ذلك الاتّفاق الفاشل هو السبب الأساسي للصراع في اليمن اليوم. سمحت واشنطن والرياض بعودة الدكتاتور علي عبدالله صالح إلى البلاد كجزء من الصفقة، مع بقاء غالبية نظامه سالمًا. ومنذ ذلك الوقت، تآمر مع الحوثيين وجماعات أخرى، بما فيها حزب الإصلاح السنّي، من أجل تقويض حكم هادي. زعمت السعودية على مدى سنوات أنّ إيران أعانت الحوثيين على ثورتهم، ولكنّ الحكومة الأمريكية، وفقًا للتقارير الإعلامية، لم تجد أدلة حقيقية تثبت مزاعم السعودية. فضلًا عن ذلك، كانت السعودية على علم بمكائد صالح غير أنّها لم تفعل شيئًا لردعه.

لم يكن الصراع في اليمن يتعلق على الإطلاق الحوثيين أو الطائفية السنّية-الشيعية. وعلى مدى عدة سنوات، شنّت الولايات المتّحدة الأمريكية حملة عسكرية سرّيّة لمكافحة الإرهاب، مصرّح بها في اليمن ضدّ تنظيم القاعدة وفرعه في شبه الجزيرة العربية. وكان يُنظَر إلى ثورة الحوثيين في الشمال على أنّها شأن داخلي يتلاعب به صالح ومراكز أخرى للقوى في البلاد. ولم يكن يُنظَر إليها على أنّها حركة شيعية ضد العالم العربي السنّي الأوسع نطاقًا.

الطريق نحو الأمام

ستنتهي العملية السعودية مُخَلّفة المزيد من الدمار في اليمن من دون القضاء على العوامل الداخلية التي تجعل من اليمن بلدًا من دون حكم، أو على التهديد الإيراني. وخلافًا لذلك، فإنّ الغارات الجوّية، وتوغّلًا برّيًا محتملًا سيزيدون من حدّة الصراع الإقليمي والحروب بالوكالة التي تشن باسم الدين. ولن تبرز السعودية على أنّها القوّة الإقليمية البارزة.

وبمجرد انجلاء غبار المعركة، ينبغي على الولايات المتّحدة والسعودية إجراء محادثات جدّية حول كيفية إيجاد استقرار نسبي في المنطقة. ولا ينبغي أن تسمح الدول للتنافسية بينها بالتّطور إلى مواجهات عسكرية. سواء كان "حكمًا خاضعًا أو متوازنًا"، كما كتب جيم لوب، على الدول الإقليمية السعي لتحقيق استيعاب سلمي لمصالح بعضها البعض.

على الرغم من تنامي سلطة النّجل الأصغر للملك السعودي كوزير للدفاع، ستدرك القيادة السعودية بعد إنهاء العملية في اليمن أنّ الديبلوماسية على المدى الطويل ستكون أكثر إنتاجية في استيعاب الطموحات الإقليمية المزعومة لإيران والقضاء على أحد وكلائها المفترضين. وقد ينبغي على وزير الخارجية سعود الفيصل، ووزير الداخلية وولي ولي العهد محمّد بن نايف، إجراء محادثة أخرى مع وزير الدفاع محمّد بن سلمان حول كيفية التعايش مع إيران باعتبارها قوّة إقليمية أخرى في الخليج.

شراكة سعودية-إيرانية، قد تكون، عقب الحملة على اليمن والاتّفاق النووي، محرّكًا لاستراتيجية شاملة وهندسة لسياسة جديدة للمنطقة. وفي حال وُجِد أي بصيص أمل في العملية العسكرية السعودية في اليمن، فهو يتمثّل في انتقال السياسة الخارجية السعودية من المقاربة التقليدية إلى الفعالية الجريئة. ولكن سيكون من المحزن فشل القيادة السعودية في توجيه هذه الفعالية الجديدة نحو ازدهار وكرامة كل شعوب العالم العربي.

التاريخ: 2 أبريل/نيسان 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus