فورين بوليسي: نبيل رجب: لماذا تخشى الحكومة البحرينية من تغريدة؟

2015-04-10 - 10:00 م

نبيل رجب، فورين بوليسي

ترجمة: مرآة البحرين

تخيل، للحظة واحدة، أنّ جنديًا أمريكيًا ترك مركزه للسّفر إلى العراق والانضمام إلى داعش. تخيّل أنّه صوّر نفسه في العراق كدليل على انشقاقه عن الجيش. تخيّل أنه تبيّن بعد ذلك أنّ وزارة الدّفاع كانت توزع كتبًا وموادًا تنشر أيديولوجية الكراهية التي شجّعت الجندي على فعل ذلك.

ما الذي قد يحدث؟

سيبدأ المجتمع الأمريكي فورًا بالتّفكير: ما الذي دفع جنديًا لدينا للانضمام إلى المجموعة الجهادية؟ ما الذي أخطأت به الولايات المتحدة، بحيث تحوّل جنودها إلى إرهابيين؟ قد تطالب الصّحافة الحكومة بأجوبة. وقد تضطر وزارة الدّفاع للإدلاء ببيان، وقد يفعل الرّئيس ذلك أيضًا. قد يحاججون بأنّ الدّليل يمكن دحضه، لكن معارضيهم السّياسيين والرّأي العام سيطالبون بتفسير مناسب. قد يتم إجراء تحقيق. وسيتم اتباع الإجراءات القانونية اللّازمة.

في نهاية المطاف، قد يتم التّوصل إلى استنتاج جيد. قد يجدون أن الحكومة كانت مسؤولة كليًا، أو جزئيًا، عن نشر الكراهية وغرس الأيديولوجيات الإرهابية والقواعد الصّارمة. قد يخسر أحدهم أو قد تخسر إحداهن عمله/عملها، كما قد يتم ملاحقتهم جنائيًا. أو يمكن للتّحقيق أن يُبَرّئ الحكومة ويستطيع الأمريكيون الارتياح لمعرفتهم أنّه، مقابل التّدقيق الشّديد من قبل الشّعب، أثبتت الولايات المتحدة بنجاح سلامة قواتها المسلّحة.

في حال بدا هذا السّيناريو غير واقعي، إذًا اعلموا أن أمرًا مشابهًا جدًا لما وصفته حدث في موطني، البحرين. غير أنّ الحكومة، هناك، لم تَخُض عملية التّفكير تلك.

في العام الماضي، سافر أربعة بحرينيين إلى العراق حيث انضموا إلى داعش. وفي فيديو صُوِّر ونُشِر على اليوتيوب، دعوا زملاءهم البحرينيين إلى الانضمام إلى التّنظيم الإرهابي. واحد منهم، محمد عيسى البنعلي، الذي كان سابقًا ملازمًا في وزارة الدّاخلية، ويُعرف باسم أبو عيسى السّلمي، ينظر مباشرة إلى الكاميرا ويعلن أن الملك البحريني حمد ورئيس الوزراء وولي العهد والحكومة البحرينية طواغيت كفرة لتحالفهم مع الولايات المتحدة ولتركهم "الرّوافض" الشّيعة بسلام في حسينياتهم، حيث "يهينون" الإسلام والشّخصيات الإسلامية.

وفي الوقت نفسه تقريبًا، تمّ تسريب كتابين نشرتهما وزارة الدّفاع إلى الصّحافة وإلى مُنظّمَتي، مركز البحرين لحقوق الإنسان. كان أحدهما يحمل عنوان "نور السنة وظلمات البدعة في الكتاب والسنة"، والثّاني ""نور التوحيد وظلمات الشرك في ضوء الكتاب والسنة". في وقت لاحق، حصلت من مكتبة وزارة الدّفاع على كتاب طُبِع في المملكة العربية السّعودية واسمه "من عقائد الشّيعة".

تصف هذه الكتب المسلمين الشّيعة بـ "الروافض"، وهو مصطلح يفضله المتشددون السّنة ويبرز أيديولوجيتنا بطريقة ملتوية، ليظهر الأمر كما لو أننا نرفض أسس الإسلام نفسه.

مقطع نموذجي من كتاب "من عقائد الشّيعة" يقول: "إنّ الرّافضة التي تُسمى في عصرنا بـ "الشّيعة" يقولون إن القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزله الله على محمد، بل قد غُيّر وبُدّل وزيد فيه ونُقِص منه". ويثير هذا القول جميع المسلمين، الذين يعتقدون أن القرآن هو كلام الله من دون أي تحريف.

غالبية المواطنين البحرينيين هم من الشّيعة، وتصل نسبتهم إلى 60 بالمائة ( لا يوجد إحصاءات دقيقة). لكن الغالبية المسيطرة على قوات الأمن من السّنة، وأكثريتهم من المُجَنسين، الباكستانيين واليمنيين والسوريين والعراقيين. تم جلب هؤلاء الرّجال إلى البحرين لهدف واضح، وهو تأمين عناصر لقوة دفاع البحرين والشّرطة. ويتم توظيفهم بانتظام لتفريق الاحتجاجات في شوارع البحرين. غالبية المحتجين هم من الشّيعة.

العملية الحسابية هنا بسيطة وواضحة. الشّرطة والجيش مُكَونان بغالبيتهما من السّنّة، الذين يشتبكون مع المحتجين الشّيعة.

الوزارات البحرينية توزع كتب تشهير بالشّيعة للشّرطة والجيش

توزع الوزارات البحرينية كتب تشهير بالشّيعة للشّرطة والجيش. وقد قُدّر ذهاب حوالي مائة بحريني للانضمام إلى تنظيم داعش، واحد منهم على الأقل، وربما أكثر من ذلك، أتوا من المؤسسات الأمنية. هدمت قوات الأمن البحرينية عشرات مساجد الشّيعة في العام 2011. من جهتها، تبغض داعش كل الطّوائف والأفكار الإسلامية التي لا تتماشى مع عقيدتها. وقد هدمت كذلك مساجد للشّيعة ومواقع تراث وطني على حد سواء.

واعتقاد عيسى البنعلي أن الحكومة البحرينية تحمي الشّيعة يتخطى حدود العقل، نظرًا للدّليل. ولكن يبدو عندئذ أن تنظيم داعش لن يكتفي بأقل من إبادة جماعية.

في 28 سبتمبر/أيلول 2014، نشرت هذا الاستنتاج الواضح في تغريدة على موقع تويتر:

"إنّ الكثير من الرّجال في #البحرين الذين انضمّوا إلى #الإرهاب و #داعش أتوا من أجهزة الأمن وتلك الأجهزة هي الحاضنة الأولى لهذه العقيدة".

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول2014، اعتقلتني الشرّطة واتهمتني بإهانة وزارتي الدّاخلية والدّفاع. في يناير/كانون الثّاني، حكمت المحكمة الجنائية عليّ بالسّجن لستة أشهر على خلفية التّغريدة، وهو حكم ستنظر محكمة الاستئناف لاحقًا، ، يوم الثّلاثاء، 5 مايو/أيار، ما إذا كانت ستقره أو ستبرئني.

في غضون ذلك، لم تقم الحكومة البحرينية بأي تحرك لوقف موجة الإرهاب الداخلي المتزايد. ولا تستمر الحكومة بتوزيع كتب الكراهية فقط، بل يُسمَح لموالي داعش بالدّعوة بحرية، نيابة عن التّنظيم الإرهابي، من دون التّعرض لأي رد من الحكومة. وفي حال كنت مواليًا لتنظيم داعش، يمكنك إيجاد منتديات على الإنترنت ومشاركة أفكارك عن آخر الانتصارات والهزائم في معارك التّنظيم الإرهابي. في الوقت ذاته، تم حجب موقع مركز البحرين لحقوق الإنسان من قبل مزودي خدمة الإنترنت في البحرين منذ العام 2006.

لدى البحرين قوانين صارمة جدًا لمكافحة الإرهاب. يمكن اعتقال المشتبه بهم لمدة تصل إلى ستة اشهر من دون عرضهم على قاضٍ، وقد حُكِم على أكثر من 70 شخصًا بالسّجن مدى الحياة على خلفية الإرهاب - في غالبية القضايا إن لم يكن كلّها، تمّ تعذيب المتهمين وإجبارهم على الاعتراف. لكن الحكومة لم تستهدف موالي تنظيم داعش أو مموليه بهذه القوانين. بدلًا من ذلك، تم التّركيز على المحتجين المحليين في الشّارع. ويسمح القانون أيضًا للدّولة بسحب الجنسية من الإرهابيين، وفي يناير/كانون الثّاني، أسقطت الحكومة جنسية 72 مواطنًا، كان حوالي خمسين بينهم ناشطين في مجال حقوق الإنسان وصحافيين ومدونين وعلماء دين وناشطين في المعارضة. الباقون كانوا في الواقع إرهابيين انضموا إلى داعش أو إلى فصائل القاعدة في سوريا، لكن إدراجهم مع ناشطين حقوقيين مسالمين

يبرز كيفية نظر البحرين إلى حركة الحقوق المدنية والمعارضة فيها أكثر من إبرازه التزامها بمكافحة الإرهاب.

ويمثل هذا معضلة لم تُحَل بعد. فالبحرين، كما المملكة العربية السّعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، هي عضو في ائتلاف تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، لكن الحكومة في المنامة تغض الطّرف عن موالي المجموعات الجهادية. في فبراير/شباط، أرسلت البحرين طائرات مقاتلة إلى الأردن للمساعدة على قصف المناطق التي تسيطر عليها الدّولة الإسلامية في سوريا ردًا على قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بشكل همجي. ومع ذلك، هي لا تفعل شيئًا لوقف عمليات التّلقين العقائدي التي تتم فيها. وربما كانت المملكة العربية السّعودية البلد الأول الذي شهد العواقب المأساوية لهذا التّناقض، عند عودة مقاتلي القاعدة السّعوديين من سوريا إلى بلادهم، وإطلاقهم النّار على مسجد شيعي في المنطقة الشّرقية، ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص.

وتواجه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الأطراف الرّئيسية في الحرب ضد داعش أيضًا معضلة. إنهم يعملون مع البحرين وغيرها من الدّول الخليجية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، لكنهم كانوا مع ذلك غير فاعلين في وقف تدفق المال والرّجال من هذه الدّول إلى العراق وسوريا. وقد تم انتقاد قطر والمملكة العربية السّعودية بشكل مكثف لدورهما المتناقض في العمليات، لكن البحرين تستحق أن يُسَلّط الضوء عليها أيضًا. ليس فقط لسماحها بحرية الإرهابيين ومواليهم، بل لأنها تستخدم غالبية إمكانياتها المناهضة للإرهاب ضد النّاشطين المسالمين في غالبيتهم.

حين تُفَضّل البحرين سجني لانتقادي سياساتها الأمنية التّمييزية بدلًا من معالجة تلك السّياسات، كيف يمكن للولايات المتحدة العمل معها للقضاء على داعش؟ في نهاية المطاف، تحتاج الولايات المتحدة وبريطانيا والدّول الأوروبية وغيرها من القوى إلى ممارسة المزيد من الضّغط على حلفائهم الخليجيين لتحدي الإرهاب في بلادهم. وإلّا ستستمر دوامة العنف وستنتشر.

*ملاحظة المحرر: تم اعتقال نبيل رجب في أكتوبر/تشرين الأول 2014 على خلفية تهم تتعلق بسلسلة من التّغريدات اتّهم فيها السّلطات البحرينية بالتّعاون مع الدّولة الإسلامية. أُطلِق سراحه بكفالة، لكن، في 2 أبريل/نيسان 2015، اعتُقِل من جديد على خلفية تهم جديدة تتعلق بتعليقاته على معاملة الحكومة للسّجناء. وفي حال تمت إدانته، قد تصل عقوبته إلى السّجن عشر سنوات. ما يزال رجب قيد الاعتقال، وقد كتب هذا المقال لمجلة فورين بوليسي قبل اعتقاله في الثّاني من أبريل/نيسان.


التّاريخ: 9 أبريل/نيسان 2015
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus