بلا أسنان أمامية وأنف مكسور وأذن تنزف.. عباس السميع: أنا أُعدم كل يوم

2015-04-14 - 2:59 ص

مرآة البحرين (خاص): دموعها لم تفارق عينيها وهي تروي: "لم أعرفه حين رأيته، رحت أتأمل في هذا الوجه الشاحب الواقف أمامي خلف عازل زجاجي يصل إلى السقف، هل حقاً هذا هو عباس؟ أنفه مكسور عند المنتصف، أسنانه الأمامية مكسورة كلّها ولثته منتفخة ملتهبة من شدّة الضرب، أذنه يضع في داخلها كلينكس (محارم ورقية)، لونه صار أقرب إلى لون عبايتي السوداء، جسده هزيل كورقة في مهب الريح، هل هذا هو ابني عباس فعلاً؟"

على قدر وجع الشخص يأتي الانتقام منه. عباس السميع (25 سنة) المحكوم بالإعدام بتهمة قتل الضابط الإماراتي الشحي واثنين آخرين، شخص موجع للنظام البحريني، لأنه تمكن وهو في قبضة الإعدام، أن يرسل إلى خارج السجن، تسجيلات مصورة تؤّثق براءته وشموخه وكبريائه وأنفته، وتكشف من جهة أخرى جبروت النظام وظلمه ومهزلة قضائه. لقد تحدى عباس جدران السجن وغلاظة الحكم الجائر الصادر بحقه وأرسل رسائله إلى الشعب البحريني والشعب الإماراتي يخبرهم ببراءته وتعويله في خلاصه على الله وحده. منذ ذلك اليوم وعباس مستهدف بالقتل حيّاً.

الأحد 12 ابريل، كان موعد العائلة في زيارتها لعباس. فرحة العائلة لا توصف بخبر السماح لهم بزيارته بعد كل هذا الانقطاع الذي دام قرابة شهر منذ تفجّر الأوضاع الأخيرة في 10 مارس 2015 داخل (غوانتنامو البحرين) سجن جو المركزي.

عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، وقفت العائلة تنتظر بلهفة موعدها المرتقب. ساعتان ونصف من الانتظار المذل والمهين بتعمّد بدا واضحاً. لاحظت العائلة تغيير معظم كادر الشرطة الذين كانوا يتعاملون معهم في المرات السابقة. في الوقت نفسه، توافد الأهالي للقاء أبنائهم الذين للتو سمح لهم بزيارتهم. يتم التعامل معهم بغلاظة شديدة واستهتار حقير.

خلال ساعتين من الانتظار كان يتم التردد على عائلة السميع بلا مبالاة: شنو قلتو اسم ولدكم؟ تجيب والدته: "عباس جميل"، تخفي اسم السميع، لأنها تعرف أنها ما أن ستنطق لقبه حتى تنهال الشتائم والإهانات كما في كل مرّة. الشرطيات يتعمّدن ترديد السؤال لها مرة بعد مرة، لعل الأم تسهى وتقول: "عباس السميع". لكنها لم تفعل. شعرت العائلة أن إبقاءها متنتظرة كل هذا الوقت جزء من الانتقام.

في هذه الأثناء، بدأ المعتقلون يتوافدون لرؤية عوائلهم، وعائلة السميع لا تزال تنتظر. المعتقلون يدخلون واحداً وراء الآخر، وكلّما دخل واحد تعالت صيحات النسوة مستنكرات منظر ابنهن: "كنا نسمع صراخ النسوة وصياحهن وهن غير مصدّقات حال أبنائهم من شدّة التعذيب الذي تعرضوا له".

تضيف والدة عباس: "رأيت أمامي إخوة ثلاثة معتقلين يدخلون على عائلتهم، كان الأخوان يجران أخاهم الثالث الذي لم يكن قادراً على المشي"، تضيف "ثم رأيت الشاب علي هارون الذي تم اعتقاله من تايلاند وهو يمشي مهشَّماً، كان غير قادر على المشي ولا الحركة، بكيت مما رأيته من حال المعتقلين والأهالي المصدومين".

تكمل: "كل هذا ونحن في انتظار عباس، وبعد ساعتين ونصف من الانتظار أخذونا إلى "كبينة 8"، عرفت فيما بعد أنها الخاصة بسجناء العزل. تختلف عن الكبينات الأخرى إن المعتقل يكون معزولاً بالكامل عن عائلته، يفصل بيننا وبينه جدار زجاجي يصل إلى السقف، والحديث يكون عن طريق الهاتف. انتظرنا حتى دخل عباس فكانت المفاجأة.."

"دخل علينا شاب نحيل هزيل لا يكاد يبين، عليه ثياب رثّه متسخة هي ذاتها التي رأيناها عليه في الزيارة الأخيرة، كأنه لم يغير ثيابه منذ يومها. اعتصر قلبي وأنا أراه مقيداً يجر السلاسل التي تصل رجليه بيديه، لم أعرف هذا الشخص الذي ضاعت ملامحه عني، كنت أسأل نفسي هل هو ابني عباس فعلاً؟ صدمتي أكبر من أن توصف، شعرت بانهيار كامل.."

"عرفنا فيما بعد أن جزءا من سبب تأخر عباس هو إصراره على إزالة قيوده قبل الدخول علينا، لكنهم رفضوا. كان يريد أن يخفف علينا وجع المشهد الذي يعلم كم هو صادم لنا، لكنهم أصروا على كسر قلوبنا وإيجاعها إلى حدها الأقصى".

ليس من عادة عباس أن يشتكي، لكن ما به فاق الاحتمال، قال لعائلته: "إنني أموت.. أنا أُعدم كل يوم".

خلال أحداث سجن جو الأخيرة كان عباس أحد المستهدفين بشكل خاص، ولم يكن مستغرباً هذا الاستهداف الخاص. تم تعريضه للضرب المبرح على وجهه وأنفه وأذنه، لا يُعلم ما إذا كانت الندبة الزرقاء وسط أنف عباس رضاً أم كسراً، فلم يعاينه طبيب حتى الآن، أذنه التي تنزف دماً بفعل الضرب لم يجد سوى أن يمنع تسرّب نزفها بمحارم ورقية يضعها فيها. تم لكمه متواصلاً على فكّه وفمه حتى تساقطت أسنانه الأمامية والتهبت لثته واتنفخت شفتاه. عباس لا يستطيع الآن تناول الطعام ولا شرب الماء بسبب الالتهاب الشديد في لثته: "أخبروا المحامي أني في حاجة ماسة للذهاب إلى العلاج، فأنا أموت بلا علاج" يقول لعائلته.

عباس أخبر عائلته بمعاناته خلال الأيام التي مضت والتعذيب الوحشي الذي أوصله قريباً من الموت، تم نقله الى العزل، لا يكلم أحداً ولا يرى أحداً غير المعذِبين. وجبات التعذيب يومية على يد الضباط والشرطة. وعند كل صفعة يتلقاها من الضابط عليه أن يجيب: "نعم سيدي". لم يقتصر التعذيب على هؤلاء بل المنظفين أيضا يهينون عباس. يُسمح له بدخول الحمام مرتين فقط في اليوم مع ترك الباب مفتوحاً، أما الاستحمام فيكون عبر سكب سطل واحد من الماء عليه وهو يرتدي ملابسه كاملة، ثم ارجاعه الى زنزانته في مبنى "1".

حاول عباس أن يُظهر نفسه متماسكاً أمام عائلته ليخفف من حزنهم الذي غيّر ملامحهم. كان يحاول الابتسام والضحك، لكن أسنانه الأمامية المكسورة التي تظهر فراغ لثته الملتهبة كلما ابتسم، تقول كل شيء نيابة عن ألمه.

"انقذوا عباس من الموت.. إنهم يعدمون ابني قبل تنفيذ حكم الإعدام".. تصيح الأم المفجوعة..

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus