أشياء تود معرفتها عن سجن "الحوض الجاف": الحياة في الأقبية الرّطبة "1"

2015-04-17 - 11:51 م

مرآة البحرين (خاص): هذا حوار أنجز على فترات متفاوتة. تبرّع فيه أحد المعتقلين في سجن "الحوض الجاف" والذي نشير له تحت الاسم المستعار "ك. ك"، بالإجابة على أسئلته. كما تحمّل إلحاحنا عليه بسرد أدقّ التفاصيل. هدفنا كان تصوير الحياة السجنية في هذا السجن النائي، وإعادة تركيب مشاهدها في نصّ، لتعذّر تصويرها المباشر. حاولنا سبر دورة الحياة اليومية، بإكراهاتها وتملّصاتها، وتقلبات الوجود الإنساني داخل الغرف الصغيرة المظلمة، بشقائه وشقاوته. هناك؛ حيث يقبع وجهاً لوجه: المسجون وسجّانه. شيء ما هناك، غير عين الضحية وقفا جلاّدها. فماذا هناك أيضاً؟ في هذه الحلقات، سنترك لـ"ك. ك"، أن يحدثنا عن ذلك. فيما يلي الحلقة الأولى من الحوار معه:

مرآة البحرين: لنبدأ بالسؤال عن علاقتكم كمعتقلين ببيئة السجن والسجانين. كيف تصف هذه العلاقة؟

ك. ك: بيئة السجن بشكل عام سيئة للغاية، وهي في المجمل تتشابه إلى حد كبير بين عنبر وآخر، استثناء بعض الاختلافات الطفيفة. يتكون سجن الحوض الجاف من عشرة عنابر، اثنان منها مخصصان للسجناء الجنائيين (6، 7). أما العنابر الثمانية المتبقية، فهي لسجناء مختلطين، عدا عنبر 10 الذي لا يحوي غير السياسيين. في عنبر 9، تقع دورات المياه خارج الزنازين، وأغلبها غير صالحة للاستخدام، حيث تمتنع إدارة السجن عن صيانتها. بعض العنابر فيها حمامات جيدة داخل الغرف، ولكن يعاني المعتقلون من انقطاع الماء بشكل متكرر، خصوصا في أيام الإجازات.

المرآة: صف العنابر بشكل دقيق والحياة داخلها؟

ك. ك: العنابر التسعة بها ثمان غرف، وبعضها يرتفع العدد فيه إلى تسع غرف، وبعضها يصل إلى خمس عشرة غرفة. متوسط العدد في العنبر الواحد حوالي 120 معتقلا. عنبر 10 مثلا الذي يضم سجناء سياسيين يحتوي على خمسة عشر غرفة، كل غرفة بها حمام وحوالي عشرة أسرّة، فيما يبلغ تعداد المعتقلين فيه 198 معتقلا. كل العنابر تقريبا، ونظراً للكم الهائل من النزلاء، حوالي 700 معتقل من السياسيين فقط، تجد هناك معتقلين ينامون على الأرض المصنوعة في الغالب من طوب السيراميك (گاشي)، معظمه قديم ومكسر. في عنبرنا هناك حوالي 50 معتقلاً ينامون على الأرض، بلا بطانيات. وسائل النظافة نقوم بشرائها من البقالة "الكانتين". ليس ثمة مكان لنشر ملابسنا بعد غسلها؛ لذا نقوم بنشرها في الداخل، ما يجعل غرف السجن رطبة طيلة الوقت. النظافة مهمة المعتقل نفسه، وكذلك أدوات النظافة؛ حيث يتوجب عليه شراؤها، لأن إدارة السجن لا تقوم بتوفيرها. نقوم بغسل ملابسنا وكذلك اللحُف والشراشف بأيدينا لعدم وجود غسّالة. هناك برنامج للنظافة لدينا في الغرفة يتم وفق جدول. كل يومين تتكفل مجموعة منا بالمسئولية، حيث تقوم بتنظيف الغرفة وغسل الأرضية. أما دورة المياه فنقوم بتنظيفها يوميا. الجميع تتوجب عليه المشاركة في ذلك. هناك تعاون في ذلك.

المرآة: ما الذي تستطيعون شراءه من "الكانتين"؟

ك. ك: "الكانتين" عبارة عن فرع لأسواق الأمن العام، العاملون فيه هم موظفو وزارة الداخلية. توجد فيه معظم الأمور الضرورية، كأدوات النظافة، المأكولات الخفيفة كالماء والعصير والمشروبات الغازية وغيرها. يسمح للعنبر الواحد بزيارة "الكانتين" مرة واحدة كل أسبوعين.

المرآة: أين يحتفظ السجناء بأموالهم وهل يوجد تفاوت بين ما يملكه سجين وآخر؟

ك. ك: في كل زيارة يسمح للموقوف بإدخال ثلاثين دينارا فقط. وهو من يتولى مسئولية الاحتفاظ بها في الغرفة. ثمة تفاوت بين مدخرات السجناء، لكن لحسن الحظ هناك تكافل لا يسمح بنشوء التفاوت أو الطبقية. معظم الغرف يتشارك أفرادها في عمل جمعيات لإدارة مالية الغرفة. يشارك كل نزيل بالمبلغ الذي يستطيع ويتم شراء احتياجات الغرفة بواسطة هذه الأموال.

المرآة: هل الغرف في العنبر الواحد مفتوحة على بعضها؟

ك. ك: لا، ليست مفتوحة. الغرف تكون مقفلة في الغالب عدا بعض الساعات؛ حيث يتم فتحها ساعتين في فترة الصباح ومثلها في فترة العصر. العنبر معمارياً، يتشكل من ممر تتراصّ الزنازين على جانبيه؛ لكن أبواب الزنازين ليست متقابلة؛ وذلك لمنع التواصل بين السجناء من زنزانة لأخرى. باب الزنزانة نصفه حديد مصمت، والنصف الآخر عبارة عن أسياخ حديدية. تعلو الباب فتحة صغيرة، يتم التحكم في فتحها أو إغلاقها من الخارج من واسطة الحرّاس.

المرآة: هل يتم أخذكم إلى ساحة خارجية للتشمس أو اللعب؟

ك. ك: يتم أخذنا إلى "الفنس" الخارجي مرتين في الإسبوع، وتستغرق المرة الواحدة مدة ساعتين. الأوقات تختلف من عنبر لآخر، وفي حالة عنبرنا فهي تصادف يومي (...) و(...) من الساعة 9 إلى 11 صباحاً. أحياناً يصادف وجودنا في "الفنس" مرور بعض السجناء من عنابر أخرى خاصة عند قيامهم بالتنقل للعيادة أو الإدارة. الملعب موجود لكن لا توجد كرة إلا في حالات نادرة. في أغلب الأحيان نقضي ساعات "الفنس" بالمشي فقط. يمنع الحراس من إجراء محادثات طويلة مع المعتقلين، ما عدا السلام. "الفنس" تتم مراقبته بالكاميرات الأمنية، إضافة إلى تواجد اثنين أو ثلاثة من الحراس فيما تتمركز قبالته "وحدة مكافحة الشغب".

المرآة: هل يسمح لكم بمشاهدة التلفاز؟

ك. ك: توجد غرفة لمشاهدة التلفزيون يطلق عليها السجناء من قبيل الدعابة "غرفة المنكر". في نفس الغرفة يتم توفير الجرائد الحكومية اليومية: الوطن، الأيام وأخبار الخليج فقط.

المرآة: هل هذه الغرفة متاحة لكم بشكل مستمر أو لها نظام معين؟

ك. ك: لا، فقط في الساعات التي تفتح فيها أبواب الزنازين.

المرآة: هل تتمكنون من متابعة البرامج التي ترغبون في مشاهدتها كالمسابقات الكروية العالمية أو البرامج الحوارية الشهيرة؟

ك. ك: يتحكم الشرطة في جهاز الإرسال "الريسيفر"، وبالتالي القنوات التي نشاهدها. لكن أحياناً، نستطيع مشاهدة القنوات التي نريدها بالتفاهم معهم. بين فترة وأخرى تتم إعادة برمجة "الريسيفر" فنتمكن من مشاهدة المزيد من القنوات. لكن بمجرّد معرفة الضباط بالأمر، يباشرون حذف هذه القنوات، خاصة القنوات الشيعية. لكن الشباب يعيدون مرة أخرى ضبط تردداتها، وهكذا تستمر لعبة القط والفأر. في لقاء سابق مع الرائد تمكن المعتقلون من إقناعه بجمع أموال وشراء "ريسيفر" خاص على نفقتهم، وذلك لمشاهدة كأس (...). وبالفعل تمت عملية الجمع وشراء "الريسيفر". لكن ما حصل هو أنه سمح لنا بمشاهدة مباراة واحدة ثم قرروا منعنا. كل ضابط يأتي يقول ليست مسئوليتي، وأن ذلك ممنوع أو ليست لديه أوامر. لقد خدعونا، جعلونا نشتري "الريسيفر" على نفقتنا ثم منعونا.

المرآة: كم عدد الشرطة الذين يتولون حراسة العنبر الواحد، وما هو نظام النوبة الخاص بهم؟

ك. ك: الحراس يعملون بنظام اليوم الكامل، 24 ساعة متواصلة. يوجد في كل نوبة أربعة حراس، أكثرهم غلظة هو المسئول عليهم، أما جنسياتهم فهي في الغالب باكستانية وبلوشية ويمانية، لكنهم لا يصرحون ما إذا كانوا يمتلكون الجنسية البحرينية أو لا. الحراس أغلبهم جدد، وهم لا يجيدون العربية؛ لكن هناك بعض القدامى. من يستطيع القراءة والكتابة منهم توكل له مسئولية الإشراف على سجل العنبر. سجل العنبر هو عبارة عن دفتر كبير يتم فيه تدوين كل ما يحصل في العنبر. مثلاً، من من المعتقلين خرج للعيادة، وفي أي ساعة ومتى رجع منها وما إلى غير ذلك من التفاصيل. هذا ما يتعلق بالحراس، لكن يوجد ضمن المعسكر "وحدة أمن الشغب"، تتألف من عناصر أردنية وسورية، وهم الأسوأ في طريقة التعامل مع المعتقلين.

المرآة: ماذا تعني بقولك إنهم الأسوأ؟

ك. ك: مسئولية هؤلاء تتلخص في التفتيش والتنقلات داخل المعسكر من العنبر إلى الادارة أو إلى مبنى الزيارة أو غيرها. ألفاظهم قذرة جداً، ودائماً ما يشتمون المعتقلين، خاصة في أوقات التفتيش. إنهم يتعمدون الإهانة. يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تعرية الموقوف بالكامل.

المرآة: هل تتم تعرية الموقوف أمام المعتقلين الآخرين؟

ك. ك: لا، في غرفة صغيرة معدة للتفتيش. مثلاً، عند عودة الموقوف من المحكمة يتم أخذه إلى هذه الغرفة. فرقة التفتيش هذه تداهم العنابر في أوقات مختلفة، وبشكل دوري. خلال التفتيش تتم إهانة المعتقلين، وتقلب الغرف رأساً على عقب. في مرات عديدة تمت إهانة المصاحف القرآنية الموجودة، وكتب الأدعية والترب الحسينية المخصصة للصلاة. كما يتعمد هؤلاء إهانة المحبوسين في معتقدهم واتهامهم بالكفر ومخاطبتهم بألفاظ بذيئة مثل أبناء المتعة.

المرآة: هل يختلف أسلوب الحراس في معاملة الموقوفين من جنسية لأخرى؟

ك. ك: الحراس اليمانيون، هم الأكثر هدوءاً بين الحراس في التعامل مع المعتقلين؛ حيث يتفهمون الحالات الفردية، ويتعاطفون معها أحياناً. مثلاً، في حالة وجود موقوف أعمى، أو اعتقل في ليلة خطوبته، أو توفيت أمه وهو في السجن، يبدون نوعاً من التعاطف.

المرآة: هل تتبادلون مع الحراس أحاديث سياسية وهل لمستم تعاطفاً من بعضهم مع قضيتكم؟

ك. ك: لم ألمس تفهما للحركة المطلبية. الحراس حذرون جداً في مشاركة الموقوفين أية أحاديث سياسية، عدا بعض الحالات التي تقع على انفراد، وليس أمام الجميع. لكنهم في آرائهم التي يدلون بها أمامنا يقولون إننا في نعمة، وأن النظام من أفضل الأنظمة، لكننا لا نقدر ذلك ونستحق المزيد من العقاب والتضييق.

المرآة: هل هناك حالات فساد أو رشوة، مثلاً خدمات معينة يقدمها لكم الحراس مقابل مبالغ مالية؟

ك. ك: نعم بكثرة، باختصار يمكنك الحصول على أي شيء من الخارج مقابل أضعاف ثمنه. جهاز الموبايل الذي يبلغ سعره في الخارج 30 ديناراً، يمكنك الحصول عليه داخل السجن عبر رشوة أحد الحراس، لكن بسعر 250 ديناراً. وقس على ذلك مع باقي الأشياء الأخرى، الملح، السكر، البهارات، ولاعات السجائر وما شابه. وبالنسبة للسجناء الجنائيين، يمكنهم الحصول على الحشيش، والإبر المخدرة، بنفس الطريقة. كل شيء يخطر في بالك، المال هو مفتاح السحر هنا.

المرآة: كيف تقومون بشحن بطاريات الهواتف؟

ك. ك: الشحن يتم عبر (...) نظراً لذلك، فهي تستغرق وقتاً طويلاً. أربع ساعات متوسط وقت الشحن للجهاز العادي.

(يتبع في الحلقة المقبلة)

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus