أن تقول كلمة الحق في وجه سلطة الجور.. عضو شورى الوفاق المعتقل مهدي العكري

2015-04-28 - 4:03 ص

مرآة البحرين (خاص): "أنت قاتل.. يالمجرمين.. يالقتلة.. قتلتون الجاهل (الطفل).. وين بتروحون من الله.. جاهل عمره 17 سنة قتلتونه..  اضربني أنا واقف هنا.. اضربني.. اضرب.. اضرب.. اضرب..."

من منّا لا يتذكر وقوف مهدي العكري عضو شورى جمعية الوفاق  بكل جرأة وحرقة، أمام قتلة الشهيد حسين الجزيري بعد ثوان من استشهاده في الذكرى الأولى لثورة 14 فبراير.

استشهد الجزيري إثر إصابته برصاص الشوزن أطلقه عليه ضابط سريّة أمنية اقتحمت منطقة الديه صباح 14 فبراير 2013. حفرت الطلقة جوف الطفل وانفجرت رئته. هذا المشهد المفجع، اخترق صدر مهدي العكري وفجّر غضبه، توجه وهو في حالة هستيرية نحو جموع القوات الأمنية التي قتلت الجزيري صارخاً في وجوههم، واصفاً إياهم بالقتلة والسفاحين، وحين أمروه بالذهاب وهددوه بالطلق عليه، وقف مكانه فاتحاً صدره لتلقى رصاصهم "اضرب.. اضرب.. اضرب". لم يتم ضربه حينها فجريمة الجزيري كانت كافية وحدها في ذلك اليوم. لكن هذه الوقفة أُضمرت له. تم اعتقال العكري ومحاكمته بتهمة التجمهر فيما بعد.  يقضي الآن عقوبة بالسجن لمدة 6 أشهر.

قول كلمة الحق في وجه سلطة الجور، أهم ما تتميز به شخصية العكري، استمدها من والده الشيخ (محمد علي العكري) المعروف بنشاطه السياسي وجهورية صوته المناهض للظلم منذ السبعينيات. أصبح الابن هدفًا للنظام في الانتفاضات التي تعيشها البحرين، في انتفاضة التسعينات ظل خمس سنوات في السجن بسبب نشاطه السياسي، وفي ثورة 14 فبراير كان له حضوره البارز.  

في 19 فبراير/ شباط 2015، أي قبل حادثة 10 مارس بثلاثة أسابيع، نقل العكري إلى سجن جو بعد صدور الحكم القضائي عليه، ليشهد المأساة ويعيشها مثل باقي السجناء هناك. مشاهد تعذيب المعتقلين بعد الحادثة أدمت قلبه، لم يجد سبيلا لمساعدة المعتقلين سوى محاولة تطبيب جراحهم بالمساج أحيانا وبإطعامهم وتقديم المياه لهم أحيانا أخرى، عاش في الخيام معهم ورغم  قساوة الحال ووحشية التعذيب، إلا أن الخيام أعادت، بشكل ما، ذاكرة الجميع إلى خيام دوار اللؤلؤة.

مضى أكثر من شهرين على آخر لقاء جمع العكري مع عائلته، قد كانت عائلته على موعد للقائه في 17 مارس/ آذار الماضي لكنها حرمت من الزيارة بعد سيطرة الدرك الأردني على السجن ومنعهم لأي زيارة أو اتصال من المعتقلين للأهالي.

في 28 مارس الماضي سُمح له بالاتصال بعائلته، لم يستطع العكري أن يضمر ما يعانيه معتقلو سجن جو ولم يمنعه الترهيب ولا التعذيب من فضح ممارسات الدرك الأردني اللاإنسانية تجاه المعتقلين وعبر صوته الضعيف المبحوح أطلق صرخة استغاثة باسم المعتقلين جميعًا إلى أهاليهم والجمعيات والحقوقيين وكل من يستطيع رفع الضرر القائم على معتقلين سجن جو. وطالب عائلته بنقلها إلى كل الجهات ذات الصلة.

العكري أخبر عائلته بالتغييرات الكبيرة في إدارة السجن وأنه تم جلب قوات جديدة من (سافرة) تتميز بأعلى درجة من القسوة والبطش ضد المعتقلين. وربما لا يكون جديداً ما نقله العكري عن منع هذه القوات للمعتقلين من الاستحمام وتغيير ملابسهم، مما جعلهم يضطرون إلى غسل بعض القطع التي يرتدونها ولبسها مرة أخرى وهي مبلولة. وعندما ينام المعتقلون تقوم القوات بإيقاظهم فجأة وتأمرهم بالركض في الساحة الخارجية ومن لا يفعل يكون جزاؤه معروفاً.

روى العكري لعائلته كيف أن الخيام التي نقلوا اليها، لا تقي المعتقلين برودة الجو ليلا ولا حرارته نهارًا، وكيف أن الوضع يزداد سوءًا عند سقوط المطر فتغرق الخيام في برك من الماء، تتحول إلى بقع آسنة مليئة بالقاذورات. أخبرهم كيف أصبح التمرغ في المياه الآسنة نوع من أنواع التعذيب المهين الذي يمارس ضد المعتقلين، وصار التفنن بأساليب التعذيب والإهانة وسب المعتقدات الدينية سمة يجتمع عليها كل الجلادين الذين يجبرون المعتقلين على تقبيل الأرض فيما ينهالون عليهم بالضرب بالعصي والهراوات، الدرك الأردني يجبر المعتقلين على مناداتهم بـ "سيدي".

في آخر اتصال للعكري بعائلته في 15 أبريل، أخبرهم أن التعذيب ما زال جاريًا، والإمعان في إهانة المعتقلين بشتى أنواع الممارسات لا زال قائمًا. أنهم ما زالوا يسكنون الخيام، وعندما سمحوا لهم بالاستحمام أعطوهم صابونًا مخلوطًا بالماء وطلبوا منهم شراء الملابس الداخلية من السجن.

حُرم العكري من حضور جلسة الاستئناف المحددة له بتاريخ 11 مارس بسبب أحداث جو، تأجلت إلى 12 أبريل. يومها لم تكد تتعرف زوجته عليه، أصبح جسمه هزيلا جدًا وكأنه فقد نصف وزنه على حد تعبيرها، غيرت أشعة الشمس بشرته وحولتها إلى سواد، ملابسه متسخة، شعره محلوق، لحيته كثيفة وطويلة، الإرهاق والتعب هما السمتان الغالبتان على محياه.

ينتظر العكري لقاء أهله في 6 من مايو القادم بعد حرمان دام أكثر من شهرين، وينتظر حكم الاستئناف في 14 مايو أيضًا بعد أن حرم شهود النفي من الإدلاء بشهادتهم في 13 أبريل الجاري، وما بين هذين التاريخين، يظل العكري كما عهده جريئاً في قول الحق أمام سلطة الجور ولا يبالي.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus