ترهيبات وزير الديوان الملكي وترغيباته: النائب أسامة مهنا نموذجاً

2011-11-26 - 7:35 ص


مرآة البحرين (خاص):
لماذا كل تلك الفزعة والوعيد اليومي طوال 4 أسابيع ضدّ عضو الغرفة المنتخبة في المجلس الوطني أسامة مهنا؟!! .. ولماذا توافق أكثر من نصف نوّاب المجلس على معاقبة مهنا بواحدة من أشدّ الجزاءات؟! .. هل مهنا أوّل نائب يتشاجر مع زميل له وينعته بأقذع الصفات؟! .. ألم يتعارك النوّاب فيما بينهم طوال السنوات السابقة ووصل العراك إلى توجيه اللكمات وتبادل السباب والإهانات؟! لماذا حينها لم يتّخذ المجلس أي قرار أو لوّح بذلك ضدّ أي من أعضائه؟!!

تقرّر المادة 191 من اللائحة الداخلية لمجلس النوّاب عدّة جزاءات تأديبية ضدّ الأعضاء المخالفين لواجبات العضوية، وتتدرج تلك الجزاءات من التنبيه الشفوي، فالتنبيه المكتوب، ثم اللوم، وبعدها الحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس مدة لا تقل عن جلستين ولا تزيد على عشر جلسات، ومن ثم الحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس لمدة تزيد على عشر جلسات ولا تتجاوز نهاية دور الانعقاد، وأخيراً "إسقاط العضوية".

ورغم أن "إسقاط العضوية" هو آخر الدواء في تلك الجزاءات، ورغم أن عمر أسامة مهنا في المجلس لم يتجاوز شهراً واحداً حين تشاجر مع زميلين له في المجلس، إلاّ أن 10 من الأعضاء الجدد بادروا على الفور وفي ذات اليوم الذي وقع فيه الشجار بالتقدّم بطلب "إسقاط العضوية"، وفي اليوم الثاني نشرت جريدة الأيام –القريبة من الديوان الملكي- صوراً لمهنا وهو عار الصدر في حلبة ملاكمة، وتقريراً حول بطولات وهمية كان مهنا ينسبها لنفسه في مجال الملاكمة، كان واضحاً فيه لغة التهكم والسخرية من مهنا، وبعد أيّام نشرت ذات الصحيفة تقريراً آخر حول جرائم جنائية منسوبة لمهنا منها جرائم سرقات ومخدرات، فما سرّ تلك الحملة الإعلامية ضدّ مهنا؟!! وما سرّ القفزة النيابية الكبيرة في التعاطي مع شجار مهنا "طلب إسقاط العضوية"، تلك القفزة التي لا تتناسب مع حقيقة ما جرى من شجار تبادل فيه المشتركون الشتائم والإهانات ولم يكن مهنا وحده من أخطّأ؟!!

وزير الديوان ومهندس البرلمان

لفهم تلك الأحداث المتسارعة ضدّ مهنا، يجدر بنا الوقوف على ممارسات وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة طوال السنوات السابقة في هندسة الغرفة المنتخبة في المجلس الوطني "البرلمان".

لم يكن وزير الديوان قريباً من مجلس النواب، ولم يكن بعيداً عنه، فهو في قلب أحداث مجلس النوّاب، إلاّ أنك حين تكتب اسم خالد بن أحمد في موقع البحث "جوجل"، لن تجد اسمه في أرشيف الأحداث النيابية، فهو غائب عنها، لكنه صانعها.

ولعله لم يدخل قاعة مجلس النوّاب مرّة واحدة، إلاّ أنّه أكثر اتصالاً بالنواب من وزير شؤون مجلسي الشورى والنوّاب عبدالعزيز الفاضل، وهو الوزير الذي يتواجد في كل جلسات النوّاب الأسبوعية ممثلاً عن الحكومة ومدافعاً عن آرائها.

إلاّ أن تواصل وزير الديوان  مع النواب ليس كتواصل "الفاضل"، فهو لا يعبّر عن آراء السلطة التنفيذية التي يُفترض أن تكون تحت رقابة السلطة التشريعية، وإنما يتواصل مع النوّاب بوصفه "أبو السلطات الثلاث" وأعلاها مقاماً، فهو ممثّل الملك، وإذا كان المثل الشعبي يقول (جلب الشيخ شيخ) فممثّل الملك ملكا "فوق السلطات الثلاث" وفق دستور 2002.

ولا نريد أن نسهب في الحديث عن دور وزير الديوان، وهو دور "حيوي" على صعيد اختيار أو عزل الوزراء، فضلاً عن النوّاب، وتدخّل الوزير في البرلمان يسبق تحضيرات كل الجمعيات السياسية للانتخابات، لضمان هندسة البرلمان بالطريقة التي تسهّل تمرير مشاريعه السياسية من جهة، وإحباط مشاريع المعارضة، والمطلوب من أجل تحقيق ذلك تحديد عدد المقاعد المخصّصة لكل الكتل والتيارات، سواء للمعارضة لضمان عدم تأثيرها في القرارات المصيرية التي تتطلّب تصويت النصف زائد واحد لتمريرها، أو لتيارات الموالاة بهدف توزيع الأدوار بين الإسلاميين وغير الإسلاميين.

وفي العام 2006م، قرّر وزير الديوان  أن تتحالف الجمعيتان الأبرز في الشارع السنّي، وهما جمعية تيار السلف "الأصالة"، وجمعية تيّار الأخوان المسلمين "المنبر الإسلامي"، وكان عنوان التحالف هو مواجهة خطر المعارضة التي قرّرت خوض الانتخابات بعد أن قاطعتها في العام 2002م احتجاجاً على إصدار دستور بإرادة منفردة من الملك، وبفعل هذا التحالف حصدت الكتلتان 15 مقعداً نيابياً، في حين حصد 7 مستقلّون آخرون، محسوبين على الموالاة المقاعد الأخرى، وحصدت المعارضة 18 مقعداً نيابياً.
أما في العام 2010م، فاقتضى نظر وزير الديوان، أن يقصي إسلاميي "الأصالة" و"المنبر الإسلامي" من البرلمان، خصوصاً وأن بعضهم خالف بعض توجيهاته وتعليماته الأبوية الملزمة لهم، كعضو الأصالة إبراهيم بوصندل الذي شذّ عن كتلته وصوّت لصالح قانون كشف الذمّة المالية لرئيس الوزراء في بداية العام 2010.

ولأن الجمعيتين "الأصالة" و"المنبر الإسلامي" كانتا تقتسمان أغلب الشارع الإسلامي السنّي، ولا وجود لجمعية تنافسهما، فقد ارتأى وزير الديوان حينها الترويج لفكرة "المستقلّين"، وقبل الانتخابات بعدّة أشهر، بدأت وسائل إعلامية في مقدمتها "جريدة الأيام" الترويج لفكرة تميّز وأفضلية النائب "المستقل" بوصفه أكثر تحرراً من القيود التي يسببها انضمامه إلى جمعية سياسية، وبالتالي فإنه يكون أكثر عطاءً.

وهكذا، قلب وزير الديوان الطاولة على حلفاء الأمس "الإسلاميون السنّة"، فكانت نتيجة الانتخابات تراجع نصيب "المنبر الإسلامي" من 7 مقاعد إلى 2 فقط، و"الأصالة" من 8 إلى 3 مقاعد فقط، وكان ذلك لحساب "المستقلّين".
أما المفاجأة التي لم يتوقعها أحد، ولم تخطر ببال أي سياسي في العالم، فهي الفكرة التي يحق تسجيل براءة اختراعها وابتكارها لـهذا الوزير، وهي فكرة تشكيل كتلة واحدة لـ "المستقلّين".

فقد كان المستقلون ينتمون لمشارب وأمزجة مختلفة، وتربط بعضهم علاقات متوترة، كعلاقة النائب حسن الدوسري مع عادل العسومي، إلاّ أن "الأمر الملكي" من "خالد بن أحمد" صدر بتشكيل الكتلة، تساءل حينها بعض كتاب الرأي المحسوبين على الموالاة في الصحافة المحليّة "إذن كيف سيكون النائب مستقلاً إذا انضمّ إلى كتلة نيابية"، إلاّ أن القرار صدر ولا مناص من تشكيل الكتلة، وهكذا وبعد 10 أيام فقط من الانتخابات أعلن 12 نائباً من "المستقلّين" عن تأسيس كتلة "المستقلين".

أما بعد الانتخابات، فإن تدخلات وزير في تفاصيل التفاصيل النيابية، هو أمر اعتيادي ويومي وروتيني، حتى أن أحد نواب كتلة المعارضة "الوفاق" وصف بعض نواب الموالاة بأنهم "نواب الرموت كنترول"، في إشارة إلى اتصالات الوزير المذكور مع نواب الموالاة لتوجيه الأوامر لهم بالتصويت لصالح أداة تشريعية أو رقابية ما، أو ضدّها، حتى أن بعض النوّاب، يعِد "المعارضة" في الليل بموقف معها، ثم يأتي النهار ليمحو كلام الليل، والسبب "اتصال خالد بن أحمد".

تحدّي الانتخابات التكميلية

 
في سبتمبر الماضي، كان على خالد بن أحمد أن يواجه تحدياً جديداً على صعيد الهندسة التي اعتاد ممارستها للبرلمان، فهناك 18 نائبا برلمانيا ينتمون للمعارضة أعلنوا عن استقالتهم، وتم قبول تلك الاستقالة، وبدأت الحكومة في التحضير لانتخابات تملأ مقاعدهم الشاغرة، في ظل أجواء سياسية شديدة الاحتقان والحساسية، وأوضاع أمنية هي الأسوأ في تاريخ البحرين الحديث.
كان التحدي في البدء، يتمثّل في عدد المترشحين، فالمطلوب هو الحصول على أكبر عدد من المترشحين للاتكاء عليه "إعلامياً" كمؤشّر على خسارة المعارضة شعبياً ووجود تفاعل شعبي مع الانتخابات التكميلية.

وبعد إتمام هذه المرحلة بنجاح "وفق ترتيبات وزير الديوان"، والحصول على 83 مترشّح، بدأ التحضير للمرحلة الثانية، وهو البدء بانتقاء المترشحين، بهدف تشكيل كتلة نيابية تمثّل التيار الشيعي ترسيخاً لشرعية البرلمان لمختلف فئات الشعب، بحيث لا يقل تمثيل الشيعة عن 12 نائب برلماني، وبحيث يكون عدد النوّاب الشيعة موازياً في الحد الأدنى لعددهم في برلمان 2002م.

ومن جهة أخرى، كانت هناك رغبة في زيادة نسبة المشاركة، من خلال إعلان فوز عدّة دوائر بالتزكية، وهو ما يعني –وفق معايير الحساب العجيبة التي تنتهجها الإدارة التنفيذية للانتخابات- احتساب أصوات كل تلك الدوائر ضمن المشاركين في العملية الانتخابية، بما ينطوي عليه رفع نسبة المشاركة.

ولذلك عمد جنود خالد بن أحمد إلى الاتصال بالمترشحين، سواء الموعز إليهم سابقاً بتقديم طلبات الترشح، أو غير الموعز لهم من الديوان بالترشح، وفي الدائرة الأولى من المحافظة الشمالية طُلب من 4 نوّاب الانسحاب في يوم واحد صالح المترشحة سوسن تقوي، وهي بالمناسبة زوجة لأحد ضباط الأمن الوطني، مما أدى لفوز الأخيرة بالتزكية، الأمر ذاته حصل في 4 دوائر أخرى ذات كثافة سكانية عالية

الدائرة الخامسة بمحافظة الوسطى كانت إحدى تلك الدوائر التي رغب خالد بن أحمد بإيصال أحد مرشحيها بالتزكية، وهو المترشّح "إبراهيم العصفور"، وكان بمعية العصفور مترشحان آخران، أحدهما أسامة مهنا.

وقبل بضعة أيام من الموعد الأخير لتقديم طلبات الانسحاب يتفاجأ مهنا باتصال مصدره مكتب وزير الداخلية، الموظف الذي تحدّث معه طلب منه وبوضوح الانسحاب من الانتخابات مقابل مكافأة سيحصل عليها نظير موقفه الوطني الذي سيغلّب فيه المصلحة العامة على مصلحته الشخصية، فالمصلحة العامة تقتضي –وفق الموظف- أن يفوز عن هذه الدائرة وجه شيعي، وعبر أداة التزكية.
إلاّ أن مهنا، أكّد في ذات المكالمة أن ترشحه "ليس لمصلحة شخصية، ولكن لمصلحة عامة، ومن أجل خدمة الشعب"، وهي عبارة التي ظلّ يرددها في كل جلسة وفي كل تصريح صحافي.

لم تنجح المحاولات مع مهنا، ليتلقى في اليوم الأخير اتصالاً أخيراً، كان مصدره ممثّل عن وزير الديوان ذاته "ألو، ستذهب اليوم إلى المركز الإشرافي لإعلان انسحابك من الانتخابات، إنه أمر".

انتهت المكالمة، وانتهى اليوم الأخير للانسحاب، ولم ينسحب مهنا من الانتخابات، وهكذا جنت على نفسها براقش، فالوزير الذي أبعد وزير الأشغال فهمي الجودر رغم حرفيته ومهنيته التي كان نواب كل الكتل بما فيها المعارضة يشهدون له بها، ليس صعباً عليه إبعاد مهنا عن البرلمان، ولذلك وقبل أن تظهر نتائج الانتخابات أرسل خالد بن أحمد لمهنا رسالة مفادها "سوف تندم".

كتلة البحرين .. المهمّة الصعبة

في الجلسة الثانية للنواب، والتي صادفت في الثامن والعشرين من أكتوبر الفائت، طلب مهنا الكلام، وبدأه بالثناء على المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ثم الحديث عن وجود أشخاص في الحكومة يهدمون ما بناه الملك، ومن أولئك الأشخاص الذين تدخلوا في الانتخابات الأخيرة وطلبوا من المترشحين الانسحاب من الانتخابات واستخدام أساليب الترغيب والترهيب من أجل ذلك، وحينها لم يتمالك رئيس الكتلة السلفية غانم البوعينين السكوت، ليبادر بطلب جاد لرئيس الجلسة بإسكات مهنا، وليندلع الشجار بينهما.
وحين توقفت الجلسة في ذات اليوم، قصدت النائبة سوسن تقوي مهنا، وخاطبته بصوت مرتفع بالقول "لقد كنت تقصدني حين قلت بأن هناك جهات طلبت من مترشحين الانسحاب لصالح آخرين، وهذه المرّة سأمررها لك، ولكن في المرّات القادمة احذر"، وهو الأمر الذي أثار غيظ مهنا، وليحتدم الشجار بينهما، وفي حين بصقت تقوي في وجه مهنا، تلفظ الأخير عليها بألفاظ فاحشة.
بعد الاستراحة مباشرة، سيفاجأ رئيس كتلة البحرين أحمد الساعاتي بوسيط يسلّمه رسالة من الديوان الملكي، كُتب في الرسالة "طلب إسقاط عضوية مهنا"، والمطلوب من الساعاتي  تمرير الطلب على أعضاء كتلته.

لم تكن المفاجأة الأولى للساعاتي من وزير الديوان الملكي، فقد طمأن مستشار الملك نبيل الحمر وصاحب جريدة الأيام مدير العلاقات العامة بالجريدة "أحمد الساعاتي" حين أمره بالترشّح بأنه مهمته ستتضمن إدارة كتلة نيابية ذات نهج معارض تكون بديلاً عن "الوفاق" ولكن بخطاب أكثر هدوءاً وتركيزاً على موضوعات التنمية وابتعاداً عن الطائفية، وبخطاب وسطي بين المعارضة والموالاة، إلاّ أن الساعاتي تفاجأ بعد يومين من تأسيس الكتلة "تأسست في 10 أكتوبر الماضي" بطلب من وزير الديوان بإصدار بيان يوجه إدانة شديدة للوثيقة التي أطلقتها المعارضة تحت اسم "وثيقة المنامة"، وذلك في اصطفاف واضح يتعارض مع الوسطية المراد أن تكون عليها الكتلة.

وهكذا .. وجد الساعاتي نفسه يتجوّل في المجلس، وقت الجلسة، لأخذ توقيعات النوّاب لطلب إسقاط عضوية زميلهم في ثاني جلسة نيابية، وبدون أي تروٍ أو محاولة للاحتواء، ولتبدأ صحيفة "الأيام" في اليوم التالي (19 أكتوبر) بنشر تقرير تهكمي موجه ضدّ مهنا حول قيامه بتزوير نتائج رياضية حول فوزه في بطولات ملاكمة، ثم في (23 من الشهر ذاته) بتقرير تضمن اتهامات لمهنا بأنه من أصحاب السوابق في المخدرات والسرقات والاعتداء على سلامة الغير.

لاحقاً ستتغيّر رؤية وزير الديوان، حول عدم التأسيس لسابقة "عزل نائب برلماني" بإسقاط عضويته، ولكن "ثأر" وزير الديوان ورغبته الجامحة في "تأديب" مهنا لم تُشبع إلاّ بقرار حرمانه من 20 جلسة، وهو القرار الذي صدر أمس الثلاثاء من مجلس النوّاب.
باختصار، قصّة مهنا .. هي قصّة تدخلات وزير الديوان الملكي، وهي قصّة توغّل نفوذ العائلة الحاكمة في كافة مفاصل البلاد بما في ذلك الغرفة المنتخبة في المجلس الوطني، وقصّة قوة الترغيب والترهيب في مواجهة أيّة إمكانيات لخلق حالة تؤسس لحراك ديمقراطي إيجابي.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus