(نيك كريستوف) محرر النيويورك تايمز صديق البحرينيين: ما حققته هذه الجزيرة الصغيرة يثير الإعجاب فعلاً

2011-11-28 - 4:19 م


أجرى الحوار: ندى الوادي

مرآة البحرين (خاص): كانت الصدفة وحدها هي التي قادته إلى زيارة البحرين لأيام معدودة في منتصف شهر فبراير الماضي ليكون أحد أهم من كتب عن أحداث 14فبراير في أيامها الأولى. فلم يكن محرر صحيفة النيويورك تايمز الشهير والحائز على جائزة البوليتزر " أحد أهم الجوائز الصحافية العالمية" مرتين نيك كريستوف يخطط لزيارة هذه الجزيرة في تلك الأيام، كان في المطار في طريقه إلى اليمن ليكتب بعض المقالات عن الأحداث هناك. لكنه سمع في طريقه عن بعض " الأكشن" في البحرين، فقرر التوقف لبعض الأيام هناك مدفوعاً بحسه الصحافي الحاذق، ليجد نفسه في وسط أزمة أكثر تعقيداً مما توقعه.

التقيته في مدينة فيلادلفيا الأميركية الأسبوع الماضي قبل أن يلقي محاضرة لطلبة جامعة " سوارثمور" الأميركية الشهيرة. وعندما تلتقي كريستوف ستجد نفسك أمام نموذج مثالي للصحافي كما تحكي عنه الروايات والقصص. كريستوف رجل لا يهتم بالتصريحات الرسمية ولا يحضر المؤتمرات الصحافية ولا ينقل الأخبار المعدة مسبقاً للنشر، كريسوف صحافي " من الأرض" يتنقل من بلد لبلد باحثاً عن قصة "حقيقية" تستحق النشر.

في قصصه التي يحكيها ما يشبه الخيال، فهو رجل زار أكثر من 140 بلدا حول العالم، وألف ثلاثة كتب مع زوجته الصحافية شيرلي وودن. عندما تلتقي كريستوف سيحدثك عن كيف أصيب بالملاريا في أحد أدغال أفريقيا، وكيف أوشك على أن يقتل في أندونيسيا، سيحدثك عن تجارة الرقيق في كمبوديا وكيف اشترى فتاتين هناك بما يقارب 320 دولار  لينقذهما من العبودية. سيحدثك عن عالم مليء بالقصص المرعبة التي تستحق أن يتخذ منها الإنسان/ المواطن / الصحافي موقفاً، وإلا فقد دون أن يدري إنسانيته.
كريستوف الذي يتابع حسابه على تويتر أكثر من مليون شخص حول العالم هو رجل متواضع للغاية، مرح وإنساني جداً. بادرته عندما التقيته لأخبره بأنني أجلت مغادرتي للمدينة فقط لكي ألتقيه، فبادرني قائلاً " يا للصدفة فقد استلمت بالأمس فقط بريداً الكترونياً بأن طلبي للحصول على تأشيرة لدخول البحرين قد تمت الموافقة عليه أخيراً، يبدو أنني سأزور البحرين قريباً".

لم تكن تجربته الأخيرة في البحرين إلا رقماً عابراً بين أرقام وأحداث طويلة عريضة عاصرها ومر بها في كل بلدان العالم. سألته " كيف كانت تجربتك هناك في تلك الظروف؟، فقال" لطالما كنت أكن احتراماً كبيراً للبحرين وأهلها، فما حققته هذه الجزيرة الصغيرة يثير الإعجاب فعلاً. وعندما وصلت إلى البحرين في تلك الأيام من شهر فبراير شاهدت كل ذلك وأنا أتنقل حول دوار اللؤلؤة وقت الاعتصام".

وصل كريستوف إلى البحرين في 16 فبراير ليبدأ في التغريد حول ما شاهده في  دوار اللؤلؤة،  قال في تغريدة له على حسابه في تويتر في ذلك اليوم " الناس يغنون ويهتفون ويرقصون حول دوار اللؤلؤة في البحرين حتى المساء، الشاحنات توصل الأطعمة للمعتصمين مجاناً".

سكن كريستوف في فندق ليس مواجهاً لدوار اللؤلؤة في تلك الليلة، لكنه كان على اتصال مع بعض زملائه من المراسلين الأمريكيين في البحرين. يقول " أخبرني مراسل ABC  الذي كان في موقع الدوار عندما حصل الهجوم على المعتصمين حوالي الساعة الثالثة فجراً بأن الوضع كان رهيباً للغاية، فقد تمت مهاجمة المعتصمين دون إنذار، وأوشك هو على أن يتعرض للضرب فصرخ بقوات الأمن باللغة العربية : صحافي صحافي". يستأنف كريستوف " ردوا عليه : أووه ، أنت أمريكي، نعتذر نعتذر نحن نبحث عن الشيعة". يعلق كريستوف " كانوا يبحثون عن الشيعة كالفئران".

آلمتنى جملة كريستوف كثيراً، فقد جاءت مع الأسف ملائمة جداً لسياق القصص التي كان يحكيها من كمبوديا إلى غانا إلى دارفور. آلمني أن توضع البحرين في هذا الموضع وأن يراها رجل ككريستوف بهذا الشكل.
في ذلك اليوم غرد كريستوف على حسابه في تويتر قائلاً " ملك البحرين عبر عن أسفه لاستخدام العنف ضد المتظاهرين ، ثم أطلقه ضد المعتصمين وهم نيام، إنه عار كبير".


الزميلة ندى الوادي مع نيكولاس كريس

تابع كريستوف الحدث في ذلك اليوم الدامي وما تلاه، فقد كان في المستشفى يقابل الممرضات والأطباء، ويرسل التغريدات عبر حسابه في تويتر لمتابعيه المليونيين حول العالم. تحدث مع طاقم الإسعاف الذي تعرض للهجوم، ونقل شهادات بعض الأطباء. كان يصاحبه في كل ذلك الوقت صديق من البحرين وطالب قديم لوالدته هو الفنان وأستاذ جامعة البحرين"حسن الصحاف" وقد أصبح موضوعاً رئيسياً لأحد مقالات كريسوف فيما بعد.

يقول كريستوف " كان الوضع في المستشفى مأساوياً، جداً، وانتشرت الكثير من الإشاعات في ذلك اليوم" يضيف ساخراً" حتى إنني في ساعة افترقت عن صديقي الذي كان يرافقني، سمعت عن خبر إصابة صحافي أميركي ، لاكتشف فيما بعد بأنني أنا المقصود وأن الإشاعة انتشرت بعد غيابي".

في اليوم التالي كان كريستوف بين الصحافيين الذين تبعوا المتظاهرين الذين اتجهوا إلى منطقة الدوار المحاطة بالدبابات، وشاهد الطلق الذي وجه إليهم. سألته: أين كنت بالضبط؟ فأجاب : كنت في الصفوف الخلفية جداً، تعلمت في مهنتي أن أحمي نفسي بأن أترك مسافة بيني وبين أي هجوم، على أن أكون قادراً على مشاهدة ما يجري في نفس الوقت، ليس هذا بالأمر السهل".

كتب كريستوف في اليوم التالي ( 19 فبراير) مقالاً يشرح فيه مظاهر الفرح التي عمت المتظاهرين بعد انسحاب الدبابات من المنطقة المحيطة بدوار اللؤلؤة وعودتهم إليها. لكنه لم يبد متفائلاً جداً من الوضع سياسياً. في نفس المقال تحدث كريستوف عن ضرورة أن تتخذ حكومة بلاده موقفاً مؤيداً للشعب البحريني وللديمقراطية حيث اعتبرها استثماراً جيداً على المدى الطويل للطرفين الأميركي والبحريني.

لم يطل بقاء كريستوف طويلاً في البحرين، فسرعان ما غادرها كعادته إلى محطته الأخرى ليتابع قصصاً صحافية أخرى أكثر سخونة، خصوصاً والمنطقة العربية تغلي بالأحداث في تلك الأيام.

لكنه عاد في يونيو 8 الماضي ليكتب مقالاً مهماً في صحيفته تحت عنوان "أطلقوا سراح صديقي" في  هذا المقال الذي نشر في أحد أهم وأعرق الصحف الأميركية شرح كريستوف الوضع السياسي في البحرين بأسلوبه القصصي الإنساني والرشيق من خلال الحديث عن صديقه البحريني "حسن الصحاف" الذي كان معتقلاً آنذاك، داعياً ملك البحرين للإفراج عنه وشارحاً قصته للملايين من قرائه. وللقارئ الأميركي الذي لا يعرف عن البحرين شيئاً بل أحياناً لا يعرف أين تقع، كان هذا المقال أرضية حية لشرح طبيعة المجتمع البحريني وتفاصيل الأزمة السياسية. 

لم يكن ما تعرض له كريستوف من هجوم لموقفه المنحاز للناس في البحرين ذو قيمة لديه، بدا ساخراً وغير مكترث وهو يقول : "اكتشفت لاحقاً بأن أفراداً صغار في العائلة الحاكمة في البحرين يهاجمونني في تويتر، يقولون إنني عميل لحزب الله وإنني أتلقى الدعم من إيران" يضحك: " حتى إنهم دعوا لكشف حساباتي البنكية في سويسرا التي تدعمها إيران".
لم يكن في عالم كريستوف الواسع جداً مساحة ليضع تلك الاتهامات في خانة غير خانة السخرية، بدت البحرين بأكملها سطراً واحداً وسط صفحات من تجربته الغزيرة حول العالم.

ولأن وقته شارف على الانتهاء، سألته: ماذا تتوقع أن يحصل في البحرين؟ فأجاب: "أعتقد بأن الحكومة ستنتصر، أعتقد بأنهم سينجحون في تغيير التركيبة الديموغرافية وأعتقد أن الوضع لن يصب في صالح الناس في النهاية". بدا متشائماً ، متعاطفاً وآسفاً، لكنه أجاب بواقعية صحافي مخضرم.  هل سيغير كريستوف رأيه يوماً؟  من يدري، فقريباً يزور البحرين من جديد.






التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus