» رأي
شكرا عم بسيوني
إيمان شمس الدين - 2011-11-29 - 8:27 ص
إيمان شمس الدين*
رغم كل الاعتراضات الواردة على تقرير بسيوني الذي طرح فيه أنصاف الحقيقة وأبعد الجلاد عن ساحة القصاص ومجهر العدالة، لكننا لا يمكن أن لا نقول له شكرا عم بسيوني.
لأن قراءة التقرير بمعزل عن ظروف المنطقة بشكل عام والخليج بشكل خاص لا يمكن أن يعطي تصورا إيجابيا عن التقرير، لأن ما يجب أن يكون، أي حقيقة الأمر يختلف كثيرا عما هو كائن أي واقع الأمر.
فالحقيقة تعطي الحق كل الحق للحراكات المطلبية الاصلاحية وتدفع لقيام مملكة دستورية ببرلمان كامل الصلاحيات وحكومة يرأسها رئيس شعبي ودولة بمؤسسات يحكمها القانون والدستور المقر به شعبيا، وتكون مقوماتها العدل والمساواة والحرية بمقوماتها المسؤولة في حفظ كرامة الإنسان ووطنه دون أن يكون هناك مصلحة تعلو على مصلحة البحرين والمواطن البحريني.
إلا أن الواقع مغاير كثيرا للحقيقة، لأن البحرين دولة مرتبطة في داخل منطقة الخليج بدول مجاورة تحكمها أنظمة قائمة على تحالفات الدين والسلطة والقبيلة ويتقوم الحكم فيها بالوراثة لا الانتخاب، وهو واقع حال الأنظمة الخليجية بشكل عام، وخارجيا ترتبط بالتزامات عسكرية واقتصادية جوهرها النفط تتحكم بمفاصلها الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفق هذا الواقع يأتي الحراك المطلبي بالاصلاح ليخلق هواجس مناطقية خليجية وإقليمية خاصة أمريكية، فيأتي التقرير في ظل هذه الظروف لتكون مخرجاته بعد أشهر من محاولات تقصي وتحقيق في دولة تحاول دوما بكل السبل إخفاء معالم جريمتها، وتحت ضغط إقليمي ومناطقي يحاول الخروج بأقل الخسائر، وفي نفس الوقت هو محرج أمام الخارج من المنظمات الحقوقية التي نشط فيها البحرينيون بتقديم وثائق تثبت جريمة دولة منظمة ضد شعبها، حيث نجحت هذه المنظمات في تشكيل مطرقة حقوقية للضغط على البحرين من جهة وعلى أمريكا والغرب من جهة أخرى، فتكون المخرجات بأنصاف الحقيقة، فتمتص غضب المعارضين وتخدرهم، وتكسب رضا الحكومة المدعومة خارجيا وترفع الحرج عن أمريكا والغرب أمام المنظمات الحقوقية وشعوبها.
ولكن لم ينتبه كل هؤلاء أن المعارضة والشعب البحريني ينتظم في صفوفهما خيرة ونخبة من النشطاء والأكادميين والمثقفين والواعين والعلماء القادرين على تحويل التقرير لصالح الحراك المطلبي بكل مفاصله.
لذلك سيتحول التقرير إلى أداة جديدة ومسمار جديد في نعش رحيل الحكومة وتحقيق المطالب الاصلاحية، وذلك من خلال استغلال كثير من النقاط الإيجابية التي طرحها بسيوني وأهمها اعترافه بعدم وجود تدخل خارجي وهي النقطة التي كانت تستغلها الحكومة البحرينية ودول الخليج في التشكيك في وطنية المعارضة وأحقية مطالبها ومن ثم مذهبة الحراك للانقضاض عليه إعلاميا ووجوديا في ذهنية الشعوب.
ولعل أول مطالبة بعد التقرير نتيجة هذه النقطة المهمة كان بيان جمعية حقوق الانسان الكويتية الذي أكدت فيه على أحقية الحراك المطلبي إضافة لأمور أخرى متعلقة بحركة البحرينيين من وإلى الكويت.هذا على المستوى الخليجي.
أما على المستوى الدولي فكان ما صدر عن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في اعتبار المطالب البحرينية مشروعة كما ورد في مرآة البحرين.
اليوم استغلال النقاط الإيجابية هو السبيل أمام المعارضة لتثبيت مدامك مطالبها في أرض الربيع العربي، إضافة أن التقرير حوى كثير من التناقضات التي أيضا تصب في صالح الحراك المطلبي، والتي يمكن استغلالها كثغرات تثبت تورط النظام أكثر فأكثر على قاعدة اجتماع النقيضين محال.
وما تمارسه اليوم الحكومة من استمرار الانتهاكات التي اثبتها بسيوني في تقريره رغم تقديم الملك في خطابه بعد التقرير من وقف كل الانتهاكات وتشكيل لجنة لمتابعة تطبيق التوصيات، لهو دليل صارخ على شكلية حراك النظام ليجمل صورته دوليا وعدم جديته في المضي قدما لقيام ممكلة دستورية تحقق مطالب غالبية الشعب البحريني.
إضافة إلى أن تشكيل اللجنة جاء بقرار حكومي أولا واختيار اعضائها بقرار حكومي ولن تمارس اللجنة الوطنية المشكلة من أطياف المعارضة إلا دور متابعة هذه اللجنة وهو دليل آخر على التفاف الحكومة البحرينية مجددا على تقرير بسيوني الذي اعتمدته هي أيضا بنفسها.
فالمعارضة البحرينية اليوم تخطو خطوة متقدمة جدا بعد تقرير بسيوني في تحقيق المطالب إذا ما قرأت التقرير في ظروفه الداخلية والخارجية لتعيد استغلال نقاطه الايجابية وتناقضاته ونقض الحكومة البحرينية لتعهداتها بعد تقرير بسيوني في سبيل إضعاف النظام في البحرين أكثر وتحقيق المطالب في الاصلاح السياسي.وخاصة بعد أن ثبت بالتقرير وطنية الحراك وعدم وجود تدخل خارجي مما يمكنها لاحقا - إذا ما استجابت الحكومة البحرينية ووفت بعهودها- من إحراج الجامعة العربية التي إما أن تتدخل لتحقيق المطالب بالضغط على الحكومة البحرينية كما فعلت مع سوريا وإن لم تفعل فقد يكون التدويل خيار المعارضة التالي مع اعتراف أممي بمشروعية المطالب. "فشكرا مجددا عم بسيوني"
تساؤلات على ضفاف تقرير بسيوني:
ما هي رؤية المعارضة البحرينية للمرحلة القادمة بعد تقرير بسيوني، وهل ستتغير آليات الحراك؟ وإلى أي مدى سيصمد الشعب على سلمية الحراك إذا ما استمرت الحكومة في انتهاكاتها ضده خاصة بعد تقرير بسيوني؟وما هي تنبؤات المعارضة لمستقبل الحراك المطلبي من جهة وما تبيته الحكومة لها بعد تقرير بسيوني من جهة أخرى؟
أسئلة أعتقد تستحق الوقوف عندها لأنها ترسم خارطة طريق الحراك المطلبي لما بعد تقرير بسيوني.
*كاتبة كويتية.